الخارجية السودانية ترد على إنكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    السفير السعودي: المملكة لن تسمح باستخدام أراضيها لأي نشاط يهدد السودان    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنها صورة " الله " وإن جهل القراي
أبو الحسن الشاعر
نشر في الراكوبة يوم 05 - 01 - 2021

أود أن أنوه أن هذا المقال ليس للمناكفة والمحاججة رفضا لتعديل المناهج الدراسية ولا هو انتصار أو مناصرة للأوباش الذين يعارضون التغيير والتعديل والحذف والإضافة لمنهج مرحلة الإنقاذ البائدة ، فقط بهدف المماحكة السياسية والعقائدية الصرفة دون تبصّر .. وهو المنهج الذي شابه الكثير من العوار والحشو ، ولكن أينما كان الحق في رأينا وقفنا معه دون تردد.
لذلك فهذا المقال، هو نصرة في البدء والخاتمة للأمانة العلمية التي تحاشاها الدكتور القراي مدير المناهج وهو يزّاور ذات اليمين وذات الشمال خشية أن تصيبه سهام معارضيه وذلك في مؤتمره الصحفي الأخير الذي استعرض فيه بعض ما طالبه به المتنطعون من مجمع الفقه الإسلامي وما وافقهم فيه وما خالفهم عليه وإن كنت اتفق مع بعض ما قال لا كله ،
ونود هنا استعراض الجزئية التي أثارت لغطا واسعا ومنحها القراي وقتا مقدرا لإثبات براءته من التهمة الموجهة إليه فهل أفلح ؟؟ .
الأمر كما أصبح معلوما للجميع يتعلق بلوحة في كتاب الصف السادس لمرحلة الأساس للنحات والرسام الإيطالي الشهير مايكل انجلو عنوانها " خلق آدم " ضمن دروس النهضة الأدبية والعلمية في عصر النهضة ، واللوحة الكاملة تتكون من عنصرين رئيسين يمينها صورة شيخ كبير مرتديا قميصا شفافا مع شعر أشيب و لحية كثيفة وخطها الشيب يحضن بيده اليسرى امرأة " ربما تكون مريم " ويحف بهما عدد من الناس وجوه بعضهم طفولية تتسم بالبراءة ،" قال البعض إنهم الملائكة " يبدو بعضهم محدقا في الرجل الذي على الناحية الأخرى الذي يمثل " آدم " بلا جدال . ويتصدر الشيخ اللوحة هيبة ومقاما ويبسط يده ، التي تشي ملامحها وعروقها بالقوة ، إلى أقصاها وهو يفرد إصبعه السبابة كمن يحاول التواصل مع الآخر وعلى الجانب الأيسر يظهر " آدم " عارِيا " تبين سوءته الكبرى " مستلقيا كمن يستند على أريكة وتبدو عليه سيماء الارتياح، يجمع رجله اليسرى ويضع عل ركبته يده اليسرى ممتدة مع ارتخاء الكف قليلا ويفرد إصبعه في محاولة للمس يد الشيخ " الله " أيضا ويبدو أن الطرفين يحاولان الاتصال دون حدوث ذلك مع التقارب الشديد بينهما مع ملاحظة أن الرجل على الناحية اليسرى " آدم " يمكنه لو لم يرخ كفه بل لو رفع إصبعه قليلا لتمكن من ملامسة يد الطرف الآخر الذي يمثل " الله "، تعالى الله عن الشبيه والمثيل علوا كبيرا.
هذا الشرح ليس كافيا ولا دقيقا في كشف خبايا وعناصر لوحة ذات دلالات فلسفية ودينية عميقة ولكنه لتقريب الصورة للقارئ وما يهمنا أن الصورة ليس بها من العناصر الكثيفة ما يجعل معناها غامضا كما أن اسم اللوحة " خلق آدم " أو " خلق الإنسان "The Creation of Adam" تعيننا كثيرا على الفهم من أول وهلة دون تعقيدات تذكر في فهم أن طرفي اللوحة هما " الخالق / الله " ويقابله " المخلوق / الإنسان أو آدم " وتم رسمها أصلا بطلب من البابا وهي تمثل قصة خلق آدم في سفر التكوين في العهد القديم وتم رسمها في سقف كنيسة وهي مشهورة بأنها تمثل الله / الإنسان دون خلافات بين أصحاب طائفة الديانة المسيحية نفسها ، وذلك لأن سفر التكوين اشتمل على " إن الله خلق آدم على صورته " .. وهو نفس ما ورد في الإسلام في الحديث الشريف " خلق الله آدم على " / " لا تقبّحوا الوجوه فإن ابن آدم خُلق على صورة الرحمن " غير أن تفسير الإسلام لا يرى المماثلة في الصورة طبقا هيئة وشكلا بل إثبات التوصيف من دون أن يشابه خلقه في شيء فالله تعالى له يد ووجه وعين وسمع وبصر إلخ من حيث الوصف لكنها لا تماثل ولا تشابه " شكل الإنسان ولا أوصافه " وفي الآية الكريمة " ليس كمثله شيء " وذلك أمر آخر.
وتعالوا لنستمع معا لحجج القراي الواهية لدحض آراء مخالفيه في فهم أن اللوحة تصور " الله " .. والتبرير الفج لحشر اللوحة ذات الأبعاد الفلسفية العميقة حشرا في منهج أطفال في الصف السادس.
دافع القراي بأنه لم يختر الصورة وتحدث أنه وجه خطابات استفسر فيها عما إذا كانت النسخة وصلتهم ضمن الكتاب المعد لمرحلتي المراجعة والطبع ؟؟ وأقر المسؤولون بأنهم استلموها صمن الأصل !! لكن هذا ليس هو الموضوع لأن المسؤولية لا تنتفي لمجرد أن آخرين هم من اختاروا ووضعوا وقطعوا الصورة بل المسؤولية تقع على عاتق القراي تحديدا بل وتتعداه لوزير التربية والتعليم.
وهذا الاستفسار خاطئ في مبتدئه ومنتهاه لأنه لا يقف شاهدا مقنعا ولو كنت مكانه لتركت هؤلاء وسألت عن"الشخص" الذي اختار هذه اللوحة المثيرة للجدل تحديدا دون غيرها من لوحات ,ومنحوتات مايكل انجلو العديدة والرائعة والتي لا تخلق مثل هذا الإشكال العقدي الذي ورط فيه نفسه وغيره وشغل الناس بأمر ليس له ما يبرره إطلاقا ولا هو من الضرورات.
وكلنا نعلم أن رئيس التحرير أي صحيفة يمكن أن يشطب عبارة أو جملة واحدة من مقال يرى أنها قد تسبب إشكالا تفاديا لإثارة اللغط فما بالك بمنهج دراسي.!!
وأتوقع، لو أن القراي تتبع سيرة من قام بالاختيار لوجده واحدا من ثلاثة فهو إما أنه جاهل وبضاعته ضعيفة وبائرة في إعداد المناهج وثقافته رديئة من حيث الاطلاع لأن المنهج يقتضي بالضرورة النظر في " الفئة المستهدفة وقيم المجتمع وجماع ثقافته وتقبله لفكرة ما والبيئة العامة السلوكية والدينية " ، وإما أن يكون " غواصة " أراد مع سبق الإصرار " دس " هذه الصورة للوقيعة والإثارة الاجتماعية وإما جمهوري قح أراد بها " تثبيت فكرة محددة " .. وأي واحدة من هذه كانت كافية لتنبيه القراي لكي يتجاوز " مأساة القراي " و " ينط " الشرك الذي وضع له ويتفادى كل الذي جرى.
وأضاف القراي بسذاجة مصطنعة تغافل فيها عن الحقيقة غير الغائبة ولجأ للمغالطة " الغلات " على طريقة أركان النقاش في الجامعات والطرقات التي شكلت وعيه الأول في الجدل السياسي قائلا " منو العرفكم الفي الصورة دي الله ؟ وإذا كان الله الوراهو منو ؟؟ ما كان في شرح ولا تعريف للصورة !!.. " ثم رفع الكتاب مشيرا للصورة وأضاف " ما في أي كلام الزول دا آدم ، والزول التاني دا الله .. " وتابع قائلا " الناس ديل قالوا دا الله .. كتبوا براهم تأويل للصورة " واستمر في الحجج التلفيقية لمداراة الخطأ بما هو أفظع قائلا:" قطعنا الصورة من النص " النصف " .. ما يحملونا نحنا الكلام الفكروا فيهو " ثم قال إنه سأل أستاذا جامعيا وضع الصورة في مؤلفه الموسوم " الفنون ما بين الحضارات الحديثة " وقام بتدريسه في الجامعة الإسلامية : " هل حصل واحد قال ليك دا الله ودا آدم ؟ " انتهى الاقتباس.
فالقراي يعلم أن هذا عمل فني أدبي ذائع الصيت ولم يختلف لأصحابه ولا النقاد في أنه " الله " .. ولكن كان التفاوت في تفسير غموض اللوحة التي ذهب البعض إلى أنها تشكل عقل الإنسان وجرت حول ذلك دراسات كثيرة فتحت الكثير من آفاق التأمل حول العلاقة بين الله والإنسان والمعاني والدلالات التي يحملها الرسم ولذلك نال أهميته الكبرى من المضامين الفنية والفلسفية بغض النظر عن اختلاف الناس حولها قبولا ورفضا ..
ونحن لا نقول ولا يهمنا ما قاله " الناس ديل " الذين أشار إليهم ، ولكن تهمنا الحقيقة والمعرفة وفي مثل هذا إنما يحتكم الجميع للدراسات النقدية من أصحاب الفكر الذين يسبرون غور العمل الفني ويطلقون لأفكارهم التأملية الخروج بمعان وتأويل قد لا يخطر على بال العامة ولو لم يكن الأمر كذلك لما انتبه له أحد وما كانت له قيمة فنية تذكر وهذا شأن كل الأعمال الأدبية والفنية الرفيعة ..
وهناك إجماع على أن اللوحة تشكل العلاقة بين الخالق والمخلوق ولا نود الخوض في الأيادي الممدودة التي تمثل فنيا عند البعض أن الخالق يمد يده للمخلوق والذي يسعى للاتصال بالخالق لكن تراخيه في السعي يجعل المسافة قريبة بعيدة في ذات الوقت لأن غير الموصول مقطوع .. وهي العلاقة الأزلية بين اللاهوت والناسوت .. ويمكن أن نشير يقينا إلى أن الصورة تمثل " المسيح / الله " لأن بعض الطوائف المسيحية تقول إن المسبح هو " الله " وبعضها يرى أن المسيح هو " ابن الله " وآخرون يرون فيه اتحاد اللاهوت بالناسوت " إله / إنسان " وكلها تؤدي لمعنى واحد أي علاقة بين الله أو المخلص والإنسان وفي الثقافة والديانة المسيحية يطلق على المسيح " المخلص " وهي ثقافة لا تمنع تصوير المسيح " الله ".. ولا يخفى أننا نرى صورة المسيح " الله " في الكثير من الرسومات الكنسية وفي الكتب المتداولة بحيث لم تعد تشكل أمرا لافتا .
لكن أكاد أجزم هنا أن الفكر الجمهوري نفسه يتماهى تماما مع هذا التصور " تجسيد الإله " لأن الله " الذي يحاسب الخلق " عند الجمهوريين هو " الإنسان الكامل " وهو إنسان بلحمه ودمه وشحمه يصل " للحقيقة المحمدية " ويكون الله " وهو " من يحاسب الناس يوم القيامة " ولذلك يفسرون الآية الكريمة التي عرضنا لها أعلاه نفيا للمماثلة والمشابهة " ليس كمثله شيء " يفسرونها بقولهم يعني " المتل الله.. ما متلو شيء " أي أن " الذي يماثل الله لا يماثله شيء في الوجود " وهو هنا " الإنسان الكامل " ولذلك حتى وإن كانت الصورة " لله " ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، فهي لا تشكل هاجسا في وعي القراي وصحبه ولا تمثل غير رؤيته وفكرته عن الله لأن إله الجمهوريين هو " الإنسان الكامل " الذي كان يمشي بينهم وذلك أس وأساس عقيدتهم.. وفكرة " الإنسان الكامل " مبذولة في كتابات كبار الصوفية أمثال الحلاج وابن عربي وغيرهم ومنهم أخذ الأستاذ محمود محمد طه.
وقد بان استغفال القراي للسامعين في سؤاله " منو القال ليكم دا الله ؟؟ " ونحن نسأله بنفس منطقه " منو القال ليك دا ما الله ؟؟ " فمن رسموه قالوا إنه الله بغض النظر عن مستويات تصورهم لله .. وليس يكفي من القراي أن ينفي أنه ليس " الله " إنما يتوجب عليه أن يدفع بتفسير مقنع للناس يحدد فيه من يكون من في الصورة إذن ؟؟ ،على سبيل المنطق والتفسير الأدبي ليثبت للناس " دا ما الله " من وجه نظره ! وإذا نفى القراي أن الصورة لا تمثل الله فليقل لنا ما القيمة الفنية والفلسفية فيها التي جعلت لها كل هذا الحضور والإثارة في عالم الفن والتشكيل والفلسفة والدين ؟ بل ماذا تعني دون أبعاد دينية وفنية وفرت لها كل هذا الزخم من الاهتمام والبقاء لقرون.. ؟؟
ونسأله أيضا بذات المنطق من قال إن رواية موسم الهجرة إلى الشمال تمثل " صراع الحضارة بين الشرق والغرب ؟ " ومثلها رواية قلب الظلام لجوزيف كونراد ؟ ورواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم . وكيف عرف الناس قيمتها لولا النقاد وكشفهم عن مضامينها الفلسفية والأدبية والسياسية في الوقت الذي يقرأها العامة على أنها قصص والسلام..
وهل يعلم القراي أن أشهر قصيدة في القرن العشرين " الأرض اليباب للشاعر ت. س. إليوت تم رفض نشرها أول مرة ثم حين نشرت وأشار النقاد إلى المضامين الفلسفية لها أخذت موقعها في صدارة الأعمال الأدبية والعالمية وستبقى ؟؟
وهل يعرف أن العامة وجل المثقفين يعتبرون أن لوحات بيكاسو والفنانين التشكيليين عموما لا تعدو أن تكون " شوية شخبطات "!! لا يفهمون دلالاتها ؟؟ .. ثم من جعل العالم كله يعرف الموناليزا ؟؟ لولا النقاد ؟؟ مع أن معظم العامة قد لا يرون فيها جمالا يستدعي كل هذا الحضور.. !! لذلك فإن منطق " منوا القال ليكم " منطق لا يليق بمن يحمل درجة الدكتوراه.
ثم قال القراي إنهم حذفوا " النص / النصف " ويعني به النصف الأسفل من صورة آدم وذلك طبعا بسبب أنه النصف العاري ويبين فيه عضوه التناسلي .. وبذلك مارس القراي وصحبه تشويها للوحة وتجاوزا للأمانة العلمية أفقد اللوحة معناها ومضمونها فقد برز سؤال استشكل على النقاد وهو " لماذا ظهر جسد آدم عاريا في البورتريه بينما كان جسد " الله " مستورا " يلبس قميصا ؟؟ " وهذا الحذف أخل بمضمون ومعنى اللوحة، فنحن في عهد لم يعد فيه شيء يخفى على أحد وفي عالم النت لا يمكنك أن تغطي جزءا من الجسد وتتوهم أن التلاميذ وأولياء أمورهم لن يعرفوا ما أخفيت .. ؟؟ وسرعان ما يكتشف التلاميذ أن الوزارة " تكذب " وأن القراي " يكذب ويتحرى الكذب ويدلس عليهم خاصة وهو من يردد دائما " المؤمن لا يكذب " .
وبذلك الحذف فقد فعلتم فعلا نكرا وهو تشويه العمل الفني بإخفاء جزء منه وبان ضعفكم وظهر في أنكم تختارون مشهدا لا تستطيعون الدفاع عنه وتخجلون منه وكان الأحرى بدل هذا الاختباء حذفه لأنه لا يتناسب مع أعمار التلاميذ للدخول في متاهات هذه المعاني التي أشرنا إليها وغيرها وإمكانية التأثر بها.
ويضيف القراي " ما كان في شرح ولا تعريف للصورة " فإن كان ذلك كذلك فما جدوى أن تأتي بلوحة تتحاشى من تعريفها ؟؟ وما الفائدة المرجوة منها ..
لا مبرر إطلاقا لإقحام اللوحة لتلاميذ صغار إلا إذا كان من اختارها أراد عامدا دس السم في دسم المنهج وإحراج القراي والوزارة والذي بدلا من الاعتراف بخطأ وخطل ما فعل ذهب ينافح ويكافح للدفاع عن " الغلط ".
إن المناهج في السودان ملأى بنصوص ولوحات تمثل انفتاحا من الكفر البواح والإلحاد إلى نقد الديانات السماوية وخلافاتها وطوائفها والفلسفة وعلومها من أرسطو وأفلاطون وكانت وسارتر مرورا بفلاسفة الإسلام وغيرهم .. ولكن ذلك يأتي في مرحل دراسية متقدمة كالمرحلة الجامعية لأن الطالب يصبح أكثر وعيا لتقبل الفكرة والاستماع لأوجه نقدها ليشكل بنفسه رأيه حولها . وفي الجامعة يتم تدريس مسرح العبث " Absurdity" وأبرز قصصه " في انتظار غودو " Waiting for Godot وسائر الطلاب يقرأون في الشروح أن Godot ربما يكون هو " الله / الإله " أو " المجهول " حيث يقف شخص في انتظار مجيء من لا يجئ .. ويكثر التأويل بشأن ذلك أما العبارات الفلسفية أو البذيئة فهي منتشرة في كتابات كثيرة بما يتطلبه البناء الدرامي خاصة في قصص وروايات جيمس جويس ودي إتش لورانس وحتى الطيب صالح وغيرهم ولا يعترض أحد بل أذكر أن أستاذة بجامعة الخرطوم كانت تطبع قصائد " نقائض جرير والفرزدق " كما هي دون حذف وفيها ألفاظ وكلمات نابية مما يتداوله الرعاع في " الشارع " وهذا ما تقتضيه الأمانة العلمية " وليس كما فعل القراي لكنها إذا دخلت المحاضرة تجاوزتها في الشرح إلى غيرها . وخلاصة الأمر :
– أن اللوحة لم تكن تناسب الصف السادس بل قد تنتهي بالطفل للتصور الخاطئ عن " الله " وأن من دسها قصد الوقيعة وحقق مراده وأن القراي أخذته العزة بالإثم فأصر على بقائها دون مبرر معقول .
– أن القراي لم يكن موفقا في الدفاع عن موقفه فهو في الوقت الذي أنكر فيه التفسير المشهور للوحة لم يستطع أن يعطي تفسيرا آخر لها .
– أن قطع اللوحة من نصفها الأدنى يعد تشويها للعمل الفني بغض النظر عن موقف كل شخص منه وأن ذلك يعتبر تدليسا على العامة لتمرير غرض ما ، كما أنه تنكر للأمانة العلمية التي كان ينبغي أن تتوفر في " وزارة التربية والتعليم " أكثر من غيرها.
– أن الحكمة كانت تقتضي البعد عما يثير الجدل خاصة فيما يتعلق بالمناهج الدراسية خاصة أن البديل كان متوفرا حتى من بين لوحات مايكل أنجلو نفسه وهو أمر يدعو للشك والريبة في الهدف الذي تم من أجله " وضع / دس " الصورة في المنهج وفي الهدف من الإصرار على بقائها.
– نعلم يقينا أن القراي ما كان ليجهل معنى ومضامين الصورة ولا الإشكال الذي سيترتب عليها " ولكنه تصنّع الجهل " وأنه بظهوره في مؤتمر علني صب الزيت على النار دون أن يقنع أحدا بصواب موقفه ولا سبب إصراره .
– اللوحة لا تتعارض مع مفهوم الفكر الجمهوري " لله / الإنسان الكامل " فهو قابل للتصوير عندهم لأنه أصلا إنسان ترقى في مدارج السالكين حتى وصل مرحلة " إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " و" يكون الله " .
– في كل الدول الديمقراطية يمكن أن يؤدي الخلاف بشأن نشر أي موضوع ناهيك عن إدراجه في منهج تعليمي إلى استجواب المسؤول عن ذلك ، ولذلك لو كان لنا " مجلس تشريعي " لربما كان قد تم استجواب الوزير ثم يخضع الأمر لرأي الأغلبية في البرلمان سواء تأييد الوزير أو طرح الثقة به ومن ثم فإن الإثارة الحاصلة الآن هي أمر طبيعي ولكن لأننا لا نملك " جهة تشريعية " حتى الآن أصبح الأمر فوضى والناس فوضى لا سراة لهم.
أبو الحسن الشاعر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.