حسم رئيس مجلس الوزراء فوضى مدير المناهج الدكتور عمر القراي بتجميده لمناهجه وتوجيهه بتكوين لجنة قومية تضم التربويين والعلماء المتخصصين وتمثل كافة أطياف الآراء والتوجهات في المجتمع، لتعمل على إعداد مناهج جديدة حسب الأُسس العلمية المعروفة في إعداد المناهج، تراعي التنوع الثقافي والديني والحضاري والتاريخي للسودان ومتطلبات التعليم في العصر الحديث. وهو مدخل صحيح لكي يكتمل ننتظر ان يفي الدكتور القراي بوعد أطلقه سابقا بالاستقالة اذا تم رفض مناهجه. قرار رئيس الوزراء قرار حكيم وصحيح، فضل من خلاله الاستماع لاكثرية الشعب التي رفضت هذا التعدي الذي احتوته مناهج القراي، فقد اتفقت طوائف المسلمين والمسيحيين على رفض هذه المناهج، ولم يعد يدعمها سوى الذين لا يعلمون عن ثقافة المجتمع وطبيعة البلد شيئا، فهذا البلد تتجذر فيه ثقافة متسامحة وسمحة لا تؤمن بالغلو ولا الشطط ولا تعرف الشذوذ ولا تتخطي الخطوط الحمراء للثقافة العامة، مضمونها تعايش سلمي عميق الجذور بين المسلمين والمسيحيين وبين جميع الاعراق، لم يعكر صفوها الا تدخلات الأنظمة العسكرية التي حاولت فرض رؤية استعلائية وحيدة بالسلاح والسلطة، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه القراي ووزيره، بمحاولتهم فرض منهج شاذ بقوة المنصب. لابد أن يفهم كل مسؤول تقلد منصبا في الفترة الانتقالية ان هذا المنصب ليس مكانا لتنفيذ أجندته ورؤيته الخاصة، فهو لم يصل المنصب منتخبا لخلفيته الحزبية او الفكرية، وإنما وصل لهذا المنصب عبر ثورة اشتركت فيها كل ألوان طيف المجتمع السوداني وبالتالي مطلوب منه ان يمثل عبر منصبه الجميع، وان يحرص على صناعة توافق واسع في إطار عمله، وأن لا يستبد برأيه ولا ينحاز لحزبه ولا ايديولوجيته، فالفترة الانتقالية عنوانها الأبرز (القومية) والوحدة، ومن شذ عنها واستفز الآخرين عبر منصب رسمي فمصيره الفشل والإقالة. نتمنى أن تنجح اللجنة الجديدة في وضع مناهج تعبر عن الثورة السودانية بالوان طيفها المتعددة، وليس هناك هم من ثمن وتكلفة المناهج الجديدة، فالمتوقع بعد تجميد مناهج القراي ان يشارك البنك الدولي في تمويل عملية إصدار وطباعة المناهج الجديدة من الألف إلى الياء، خاصة وأن البنك الدولي رفض تمويل طباعة مناهج القراي واصفا إياها بأنها مناهج عشوائية لا تتفق مع المعايير الدولية المتبعة عالميا في صياغة المناهج، وبالتالي الطريق ممهد أمام إصدار مناهج جديدة تحظى بالتوافق والقومية وتعبر عن الثورة السودانية المجيدة. يوسف السندي