أخيراً وبعد أن أقام الدنيا ولم يقعدها، يُلملم السفير البريطاني بالخرطوم عرفان صديق أطرافه لمغادرة العاصمة السودانية (الخرطوم)، في خواتيم يناير الجاري، بعد أن قضى فترة حافلة بالأحداث والمواقف التي دونت في ذاكرة التاريخ السياسي السوداني.. مغادرة السفير المثير للجدل ليست بسبب تدخلاته السافرة في الشأن السوداني الداخلي، إنما لانتهاء مدته، حيث لم يصرف للرجل "بركاوي"، كما صرفه من قبل الرئيس المخلوع البشير، لسفيرة فرنسا عندما حاولت التدخل في شؤون البلاد.. ويضع بذلك عرفان نهاية جدل أثاره طيلة فترته بالسودان.
(1)
ومن المقرر أن يتسلم مهام القاىم بالأعمال الى حين تسمية المملكة سفيرا جديدا هو الدبلوماسي جوليان رايلي المبعوث الخاص لمنطقة البحر الأحمر، ونوهت تقارير الى أن سرعة تطورات المفلفات السودانية عقب ثورة ديسمبر وتحديات الانتقال خلال هذه الفترة سيسرع من اهتمام بريطانيا في تسمية السفير الجديد، وطبقاً لتقارير إعلامية متطابقة، فإن عرفان صديق تعلل بظروف اسرية قاهرة لطلب انهاء ابتعاثه مبكراً كسفير للملكة المتحدة في الخرطوم، حيث يفترض أن تنتهي مدته في سبتمبر 2021م، إي ان الرجل استبق آجل انتهاء فترته الدبلوماسية بنحو عام.
(2)
وظل السفير البريطاني يطلق تصريحات مثيرة للجدل بين الفينة والأخرى، اعتبرها السودانيين متجاوزة لمهامه الدبلوماسية، ولاتعد كونها تدخل سافر في الشأن السوداني الداخلي.. وكان عرفان، قد أجريت معه عدة مقابلات صحفية، تناول خلالها مجريات الأوضاع السياسية السودانية، وكتب عدداً من التغريدات على تويتر، كان آخرها حواره مع صحيفة الديمقراطي الذي قطع فيه بعدم عودة الإسلاميين للحكم مجدداً. وأضاف وفقاً للحوار "إن الإسلاميين بالسودان لا يحظون بشعبية تُذكر، وليست أمامهم فرصة كبيرة للعودة للسلطة و لن يكون هناك أي دور لهم في الفترة الانتقالي"، بل ان الدبلوماسي البريطاني والذي يُعد ارفع دبلوماسي المملكة المتحدة، والتي كانت تُلقب في وقت مضي بالمملكة التي لاتغيب عنها الشمس، ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أكد أن بريطانيا لن تدعم السلام مالم تلتحق حركتا عبد الواحد نور وعبد العزيز الحلوإلى الرفاق الذين مهروا على ذلك.
(3)
كما كتب تغريدة على "تويتر" حول تأخر إعلان المجلس التشريعي، وقال عرفان بطريقة أقرب إلى الأوامر "يجب تشكيل الجمعية في أسرع وقت ممكنلا أعذار"، فيما رد عليه أمجد فريد مستشار رئيس الوزراءبأن التغريدة غير مقبولة وتتخطى الكثير من الخطوط الدبلوماسية، لكن عرفان لم يصمت فرد على فريد وهاجمه، مما أثار حيرة السفير معاوية عثمان خالد الذي استدعى حادثة سفير المملكة في السودان مطلع التسعينات _بيتر ستريمز (الذي حاول أن ينهي ويأمر، فطردته الحكومة حينها شر طردة.. والمثير للدهشة أن عرفان التقى بمدعية المحكمة الجنائية (بن سودا ) في مكتبه بالخرطوم، كما لو أنه وزيراً لخارجية السودان في مشهد أثار دهشة واستغراب الكثير من الدبلوماسيين سواء كانوا سودانيين سابقين او تحت الخدمة حالياً.
(4) وأعرب مراقبون عن بالغ أسفهم من تدخل السفير البريطاني بالخرطوم في الشأن السوداني بشيئ من عدم المسؤولية وكأن السودان ضيعة أو مستعمرة بريطانية، وقالوا انه يفرض إملاءات على حكومة حمدوك لتنفيذ وجهات نظر وسياسة بريطانيا في السودان، واعتبر محللون موقف بريطانيا الذي عبر عنه سفيرها بالخرطوم بطريقة غير دبلوماسية تدخل سافر لافشال الفترة الانتقالية والقضاء على ثورة الشعب السوداني، واشارو الي أن هدف بريطانيا ليس السلام وإنما تخطط لخلق فوضى في السودان وبالتالي قطع الطريق امام التحول الديمقراطي وجلب البعثة الأممية يونتاميس، وهو ما حدث بالفعل.
(5)
ويقول مصدر بالمجلس السيادي، إنهم طلبوا من رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في وقت سابق (3) مرات طرد السفير البريطاني عرفان صديق لتدخلاته السافرة في الشؤون السودانية، وأكد المصدر – الذي فضل حجب اسمه – أن حمدوك لم يلتزم بالتنفيذ. يُشار إلى أنه سبق وأن استدعت وزارة الخارجية في العام 2019عرفان صديق بسبب "تحفظات الخرطوم تجاه تصريحاته ومواقفه غير المتوازنة تجاه التطورات والأحداث في البلاد، ونوه السفير بابكر الصديق محمد الأمين الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية _ وقتها _ خلال الاستدعاء إلى التغريدات المتكررة للسفير على تويتر ومحتواها، والتي تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية الراسخة.
(6)
ونوفمبر الماضي تظاهر عشرات السودانيين بالعاصمة الخرطوم، أمام مقر السفارة البريطانية للمطالبة بطرد السفير عرفان صديق، احتجاجا على "تدخله في الشأن الداخلي للبلاد"، وطالبوا بطرده، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "لا للتدخل في السيادة السودانية".. "لن تحكمنا السفارات".. "لا للتطاول على الشعوب الحرة".. "مبادرون من أجل السيادة الوطنية".. "نطالب برحيل السفير أو الاعتذار". وقال رئيس حزب بناة المستقبل السوداني فتح الرحمن فضيل: "نظمنا وقفة احتجاجية أمام السفارة البريطانية، وطالبنا السفير، بالاعتذار أو المغادرة، لتدخله في الشأن الداخلي، والسياسة السودانية". وأضاف فضيل: "اتجهنا مباشرة إلى مقر وزارة الخارجية، وسلمنا مذكرة لوزير الخارجية، عمر قمر الدين، بشأن تدخلات السفير البريطاني في الشأن الداخلي السوداني، وتلقينا وعدا بالرد على المذكرة، خلال 48 ساعة"، وجاء في المذكرة،: "تنادينا نحن عدد من أبناء هذا الوطن الحر السودان، ضد التدخلات السافرة في الشأن السياسي السوداني من قبل السفير البريطاني عرفان صديق". ومضي للقول "نحن إذ نحتج على هذا السلوك غير المقبول نتقدم لسيادتكم طالبين استدعاءه (صديق) فوراً ومساءلته، وإن لم يلتزم، عليه المغادرة فورا انتصارا لكرامة السودان وشعبه". المواكب