إرتفعت موجة عداء للجمهوريين في شكل الهجوم على دكتور القراي.. وإثارة الوعاظ لجمهور المساجد، وإذا استمرت هذه الحملة ولم يهتم السيد وزير الشؤون الدينية بحسمها، حسب توجهات الدولة الآن، بتطبيق قوانينها، التي تجرم إثارة الكراهية ضد الطوائف الدينية، فسوف يقود هذا الى سيطرة جماعة الإخوان المتأسلمين المتربصين، على الدولة، وإجهاض الثورة، وكلنا يعلم الأجواء التي تنشط فيها قوى أعداء الثورة في كل مجالات الحياة. اما عن المناهج، التي اثارت كل هذا الجدل، فقد تم وضعها بواسطة خبراء قدامى من بخت الرضا، وليست هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها أخطاء في المنهج، خاصة وأن وزارة التربية، تستعجل المركز القومي للمناهج لإصدار المناهج، للحاق بالعام الدراسي، ولم تلتفت الوزارة لاقتراح الدكتور القراي بتجميد العام الدراسي لتفادي مشاكل الكورونا، والآستعداد بالكتب. أما لوحة خلق آدم والتي غطى فيها الكتاب نصف جسد الرجل العاري، تفاديا للفتنة، فمهما قيل فيها، فإنها مقبولة من المسيحيين، وهي جزء من ثقافتهم الدينية، فماذا لو نشرت في كتاب التاريخ مثار الجدل؟ أليس للطلاب المسيحيين الحق في نشر ثقافاتهم من خلال المنهج؟! أم أنهم سيظلون منبوذين، محرومين، مثلما كانوا في زمن حكومة الإقصاء الديني سيئة الذكر، والتي ما قامت ثورة الحقوق إلا ضدها؟! الأمر الآخر، هو قرار السيد رئيس الوزراء بتجميد المقترحات التي يتم تنفيذها في المناهج، أي إيقاف العمل بالمناهج، إلى حين مراجعة كل المناهج بواسطة لجان جديدة، والذي يبدو منه أنه ينوي إدخال وعاظ المساجد، وجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة أنصار السنة، حتى يتدخلوا في رسم المناهج، خارقًا بذلك المادة (6) من قانون المركز القومي للمناهج، والتي يقول بأن السلطة الوحيدة لوضع المناهج هي المركز ولا سواه. ألا يحق لنا أن نقول: من الذي أعطى لرئيس الوزراء الحق في أن يعين افرادا من خارج المركز القومي للمناهج للبت في المناهج، وخرق قوانين ولوائح المركز القومي للمناهج؟ السيد الدكتور حمدوك يقول بأنه تشاور مع الإخوان المسلمين، الذين تم تصنيفهم كجماعات ارهابية من ثوار ديسمبر ومن غالبية المجتمع الدولي الذي تتطلع للرجوع إليه، وحتى من الأزهر الشريف، وعدة دول مثل منها مصر، والإمارات، والسعودية! وكذلك يقول أنه تشاور مع جماعة أنصار السنة، وهم الذين اعتبرتهم السعودية من أخطاء الماضي التي يجب التخلص منها،؟بسبب تعنتهم! لم يستشر السيد الدكتور حمدوك قوي الحرية والتغيير ولا لجان المقاومة، وهي التي صنعت الثورة! بل الأسوأ من هذا كله هو أنه لم يعبرحتى عن إدانته لحملات التكفير التي انطلقت من منابر المساجد، وحملات التحريض على إهدار دم السيد مدير المركز القومي للمناهج، والتي صاحبت الحملة ضد المناهج الجديدة، ومحاولات بقايا جماعة الإخوان المسلمين وأشياعهم، مما يشجع الهوس الديني لبث المزيد من خطاب الكراهية وتغذية مناخ الإرهاب!! وإذا كان السيد حمدوك اباح لنفسه التدخل في المركز القومي للمناهج، والذي تقول قوانينه انه السلطة الوحيدة التي يحق لها وضع المناهج، وجلب لها مجموعة ممن رفضهم الثوار، فلماذا لم يتدخل في وزارة الشؤون الدينية بإدانة أمثال إمام المسجد الذي كفّر الدكتور القراي، ودعا إل قتله من على منابر المساجد،ورئيس الوزراء يحق له ذلك؟! علما بأن من أهداف الدولة عدم اثارة الكراهية الدينية، ناهيك عن إهدار دم مواطن بسبب رأي في معتقداته.. والغريب أن السيد وزير الشؤون الدينية رضي لنفسه أن يكون رسولا لحزبه إلى السيد رئيس الوزراء حاملا رغبة حزب الأمة في إبعاد الدكتور القراي من إدارة المناهج.. وذلك بدلا عن القيام بواجبه في محاسبة الوعاظ الذين أهدروا دم د. القراي وإكتفى بدعوتهم للتفاكر!! إذا أراد السيد الدكتور رئيس الوزراء ان يعالج اي أمر يسبب مشكلة في المناهج، فعليه فقط، ان يلفت نظر السيد وزير التربية، ليقوم بتوجيه السيد مدير المركز القومي للمناهج لمعالجة المشاكل، وهو الذي قد فعل ذلك، قبل أن يتدخل السيد رئيس الوزراء في عمل المركز. هذه هي المؤسسية التي يجب ان يُعمل بها، بدلا عن التدخل غير القانوني في عمل المؤسسات.. وأنا اضع اللمسات الأخيرة لهذا المقال جاء خبر إستقالة الدكتور القراي المسببة والمقنعة، والتي لا أحتاج إلى إيرادها، وفيها حجج تؤكد الإستجابة السريعة لمطالب المعارضين للمناهج الجديدة ومنهم من يكفّر الدكتور القراي مدير المناهج، ومع ذلك يستقبلهم السيد حمدوك ويعده بتنفيذ مطالبهم، ثم ينفذها وكأنها أوامر.. دون أن يجتمع مع مدير المناهج وفريق العمل من الخبراء ليستمع الى وجهة نظرهم.. بل ويتجاوز وزيره الذي يقوم بكل هذا الجهد الخارق لإخراج تلاميذ السودان من مستنقع التسييس التربوي وتعطيل العقول!! تأتي إستقالة الرجل الذي بذل وقته وجهده ليخرج منهجا يحرر عقول الأطفال من الهوس ويضمن لهم الكتاب المدرسي الذي ينمي معارفهم وبالمجان.. وربما تبعتها إستقالة السيد وزير التربية أيضا، والتي تبدو من بين كلمات رسالته التي بعثها للسيد رئيس الوزراء يستوضحه، وقد أرجأ قراره تقديرا للجنة المعلمين ولتجنب خلق بلبلة تعيق بدء العام الدراسي !! وهكذا يخسر أطفالنا فرصة العمر في تنمية نفوسهم وعقولهم تنمية صحية ولأول مرة منذ ثلاثين عاما عجافا.. خلف الله عبود الشريف مختص التربية الفنية البيئية