الخرطوم- توترت العلاقة بين رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك وقوى الحرية والتغيير، على وقع تأخر إرسال قائمات المرشحين لتشكيل الحكومة الجديدة، وفقدان التناغم حول طبيعة برنامج العمل، وتململ حمدوك من عدم قدرة القوى السياسية على التوافق بشأن توزيع المناصب، ما انعكس على أداء هياكل السلطة الانتقالية. وعقد حمدوك اجتماعا، مساء الخميس، مع وفد من حزب الأمة القومي في حضور رئيسه الحالي فضل الله برمة ناصر، في ظل رغبته بالحصول على 6 مقاعد في الحكومة الجديدة، بينما جرى التوافق داخل اللجنة المركزية للحرية والتغيير على أن يكون الحزب ممثلا بأربع حقائب، بجانب وزير الأوقاف الحالي نصرالدين مفرح. وشدد حمدوك على ضرورة مشاركة الأمة القومي في الحكومة المرتقبة، باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الثورة، فضلا عن الدور السياسي والتاريخي الذي يضطلع به الحزب. وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي، إبراهيم الأمين، إن الخلاف ليس سببه الرئيسي نسبة تمثيل الحزب في الحكومة، لكن غياب التوافق بين جميع مكونات قوى الحرية والتغيير على برنامج الحكومة يُصعب مهمة تشكيلها. وطرح حزب الأمة فكرة في السابق رأت ضرورة تشكيل حكومة كفاءات بعيدا عن المحاصصات، لكن أحزاب التحالف الحكومي رفضت الطرح، حفاظا على مصالحها. وأوضح الأمين ل"العرب" أن حزبه توافق من حيث المبدأ مع أطراف السلطة الانتقالية، بما فيها الحركات المسلحة، على أن يكون الوزراء الجدد من السياسيين بعد أن رشحت الحركات قياداتها السياسية، لكن ذلك يصعب حدوثه دون التوافق على مهام عمل الحكومة الجديدة وبرنامجها. وقدم الأمة لحمدوك فكرة تتعلق بتوسيع دائرة المفاوضات الحالية لتشمل جميع هياكل السلطة الانتقالية وليس الحكومة فقط، بما فيها مجلس السيادة والمجلس الأعلى للقضاء ومفوضية العدالة الانتقالية والمحكمة الدستورية العليا، ليكون التوافق شاملا بين جميع القوى، كي لا يؤدي إلى تكرار تجربة الولايات التي هددت تماسك السلطة. وتصطدم تلك الرؤية برفض حمدوك وقوى سياسية ترى صعوبة تأخير تشكيل الحكومة أكثر من ذلك، بعد أن كان من المقرر لها أن ترى النور في أكتوبر الماضي، عقب التوقيع على اتفاق سلام، إذ أن التباحث حول باقي هياكل السلطة يأخذ وقتا، خاصة في ما يتعلق بتكوين المجلس التشريعي الذي يبدو أن تشكيله أصبح بعيد المنال. وطالب حمدوك خلال اجتماعه، مساء الأربعاء مع قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة، بالإسراع في إرسال مرشحي الحكومة الجديدة لإعلانها، لأن الفراغ السياسي الناجم عن تأخيرها أسهم في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد. وعلمت "العرب" من مصادر شاركت في الاجتماع، أن حمدوك وأطراف السلام والقوى السياسية تبادلا الاتهامات حول الطرف المسؤول عن فشل الحكومة الحالية. وأصر حمدوك على تحميل القوى السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيما كانت رؤية الطرف المقابل أن سوء أداء الوزراء وبطء الحكومة وعدم حسمها ملفات عديدة دفع إلى الوضع القاتم الحالي. ويرى مراقبون أن تلك الخلافات هي جوهر تأخير إعلان الحكومة لأن رئيس الوزراء يبحث عن ظهير سياسي لديه شعبية حقيقية تسانده، وبات على اقتناع بأن الأحزاب السياسية أضحت ورقة محروقة، وتفتقد القدرة على الحشد، بخلاف ما كانت عليه وقت اندلاع الثورة، وجعله فقدان الثقة بينه وبين الحركات المسلحة يمضي على قبول مشاركتها من دون قناعة كاملة بدورها. ويواجه تشكيل الحكومة الجديدة أكثر من مأزق، على رأسها التباين بين الكتل الرئيسية داخل قوى الحرية والتغيير على حصة كل منها، مع وجود صراع قوى بين الكتل الرئيسية على الهيمنة على 17 وزارة، في حين أنه ليس هناك اتفاق على الوزن النسبي للأحزاب داخل التحالف، ما دفع حزبا مثل الأمة القومي للتهديد بالانسحاب من مفاوضات تشكيل الحكومة أكثر من مرة. وهناك أزمة أخرى ترتبط بالصراعات التاريخية بين المركز والهامش، وترى قوى سياسية مدنية أن الجبهة الثورية سحبت البساط من تحت أقدامها، فمن المقرر أن تُمثل في سبع وزارات، ما يجعل الخلافات التاريخية تطفو على السطح، وهو ما يحمل مردودات سلبية على النزاع بين أطراف السلطة الانتقالية. وانعكست التشوهات الهيكلية داخل قوى الحرية والتغيير على قدرتها في توجيه دفة المرحلة الانتقالية، ما انعكس على انسحاب تنظيمات وأحزاب كانت تشكل جزءا مهما فيها، مثل الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين. ودفعت الخلافات بين الحركات المسلحة لأن تتشكل الجبهة الثورية من عدد قليل من التنظيمات دون أن تضم فصائل ذات ثقل أكبر في الهامش، قبل أن تنقسم الجبهة على ذاتها إلى قسمين، بعد انسحاب حركة جيش تحرير السودان جناح مني أركو مناوي، ولذلك تشهد خلافات أيضا حول الترشيحات وتوزيع المناصب. ويقول متابعون إن حمدوك لم يكن جادا في سد الثغرات داخل حكومته بعد أن أقدم على إقالة سبعة وزراء قبل ثمانية أشهر ولم يقم بتعيين آخرين، واكتفى بتكليف نواب عنهم، وهو ما ساعد على تصدع حكومته، وأعطى انطباعا بأن استكمال هياكل السلطة لا يشكل أمرا مهما له ما يدعم ترجيحات استمرار تأخر الإعلان عن الحكومة. وقال المحامي والناشط السياسي حاتم إلياس إن الواقع السياسي يشير إلى أن هناك رؤى متناقضة بين حمدوك وقوى الحرية والتغيير، ويجد الأول نفسه مقيدا بالوثيقة الدستورية التي فرضت عليه أن يُشكل حكومة بالتوافق مع أطراف السلطة الانتقالية، لذلك يستهدف السخط الدائر الآن الأحزاب باعتبارها فشلت في أداء مهمتها. وأكد ل"العرب" "أن الأحزاب الحالية تنقصها الخبرة والنضج السياسي ولا تعبر عن موازين القوى السياسية الحقيقية على الساحة، وهناك صراعات خفية بين القابعين في مكتب حمدوك وبين تلك القوى، وهناك معادلة سياسية جديدة يقودها من يتحكمون في سلطة اتخاذ القرار". وأشار إلى أن هناك تيارا ليبراليا براغماتيا يُهيمن على مستشاري رئيس الوزراء وأضحت تحركاتهم غير خافية مؤخرا، وتمكنوا من نسج تحالفات مع المكون العسكري وقوى متعددة للذهاب إلى تشكيل حكومة غير خاضعة لتحالف الحرية والتغيير بشكل كامل، ما يقود إلى صدام حاد بين حمدوك وظهيره السياسي. وتصاعدت الانتقادات التي وجهتها قوى سياسية مدنية إلى مدير مكتب رئيس الوزراء السوداني، علي بخيت الشريف، ومستشاره لشؤون الإعلام فايز السليك، على خلفية حرب كلامية مع مدير المركز القومي للمناهج المستقيل من منصبه عمر القراي.