رد الواثق البرير على عبدالرحمن الصادق المهدي بسم الله الرحمن الرحيم اطلعنا على البيان الصادر عن الفريق معاش عبد الرحمن الصادق المهدي، ونؤكد للرأي العام ولجماهير الحزب أن حزب الأمة القومي يستمد قوته من التزامه بمبادئ الشفافية واحترام مؤسساته، والاحتكام إلى لوائحه ودستوره، وهو لا يستهدف الأشخاص بقدر ما يحرص على حماية خطه السياسي وصون إرثه الوطني. غير أن البيان المشار إليه تضمّن عددًا من النقاط التي تستوجب الرد والتوضيح: أولاً: ثورة ديسمبر المجيدة لم تكن منحة من أحد، ولم يصنعها احد بل كانت ثورة شبابية شعبية خالصة، قدّم فيها مئات من شباب السودان دماءهم الطاهرة عربوناً للحرية والسلام والعدالة. وبينما كان هؤلاء الأبطال يواجهون الرصاص بصدورهم العارية، والاعتقال والتعذيب والتنكيل والسحل، كان آخرون يجلسون في مقاعد سلطة الإنقاذ، يتمتعون بامتيازات الحكم، ومشاركين في حصد هذه الأرواح بصمتهم عن الباطل، ثم ذات الأشخاص يخرجون اليوم ويدعون بأنهم صنعوا الثورة ! ثانياً: أما الحديث عن ابتعاد الأمانة العامة عن ساحات العمل داخل السودان، فهو تجاهل للحقائق؛ فشركاءكم من الحزب المحلول كانوا الأسرع في إصدار الفتاوى وإهدار دماء كل من يقول "لا للردة السياسية والحرب الإجرامية"، وهرعوا لصياغة عرائض الاتهام، وسحب المستندات الرسمية، وإغلاق الحسابات المالية، بل وإصدار فتاوى الإعدام، وسنّ قوانين الوجوه الغريبة، وتكبيل النشاط السياسي الحر واستهداف الحزب وقيادته، تمهيدًا لانفرادهم بالوطن عبر حرب خاطفة تستهدف ليس فقط القوة المدنية الديمقراطية، بل ومقدرات الوطن كافة، بما فيها قوته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد مارسوا كل أشكال القمع والترهيب، مستخدمين أدوات الدولة ومواردها لخدمة أجنداتهم الضيقة، فأغلقوا أبواب الحوار، وكمّموا الأفواه، وأقصوا المخالفين، وسعوا لتحويل الوطن إلى سجن كبير تحكمه التعليمات الأمنية والقرارات الاستثنائية. وبدلاً من مراجعة هذا الإرث الكئيب،والممارسة الفاسدة، يصرّ بعضهم اليوم على مواصلة السير في الطريق الأعوج، متجاهلين أن ما جرى في السودان منذ ثورة ديسمبر قد غيّر المعادلة إلى الأبد، وأن الشعب الذي أسقط الطغاة بالأمس لن يسمح بعودة أي وصاية، مهما كان غطاؤها أو مسمّاها. ثالثاً: أما ما يُروَّج له عن وجود وثائق أو ادعاءات بتفويض، فلن يجدي نفعاً ولن يغيّر من الحقائق شيئاً. فعدد مقدر من عضوية الحزب والشعب السوداني ومرافقو الامام عليه الرضوان قد عايشوا تلك الأحداث لحظةً بلحظة، وكانوا شهوداً على تفاصيلها، وما زالوا أحياءًا يرزقون بيننا يروون الحقائق بصدق. ومن عاش التجربة وعرف مواقف الرجال في ساعات الاختبار، لن تنطلي عليه دعاوى أو شهادات مبتورة تُنتزع من سياقها لتبرير مواقف الحاضر. ومن لم يستلهم من هدي الإمام، ويتعلّم من سيرته وكتبه، ويتشرّب مبادئه، فلن تمنحه أي وثائق أو مذكرات شرعيةً يفتقدها، مهما بالغ في الادعاء، ومهما حاول أن يتكئ على أوراق جامدة ليداري بها غياب المواقف الحية. فالمشروعية لا تُمنح بورقة، ولا تُشترى بختم، وإنما تُكتسب بالمواقف الصادقة، والتضحية في اللحظات الفاصلة، والالتزام بمبادئ الحزب وثوابته في أصعب الظروف. إرث الإمام عليه الرضوان الذي تركه للتاريخ وللحزب والوطن يتمثل في دعم الديمقراطية والمؤسسية. رابعاً: أما عن مزاعم "التسلق الأسري"، فيعلم الأخ الكريم أن مثلي لا يحتاج إلى تسلق ولا إلى رافعة أسرية ولا إلى تسنّم المواقع، ولم نسع يوماً وراء المناصب طلباً لمكاسب أو وجاهة، ولم ندخل هذا الحزب إلا إيماناً بمشروعه ومبادئه ومسانداً لرئيسه عليه الرضوان وقياداته الصلبة، ومن خلال بوابة الانتخابات في جميع مستوياته. فالمواقع عندنا تكليف لا تشريف، وأداؤها ضريبة للوطن وأمانة في أعناقنا، نحملها ما استطعنا وفاءً لعهدنا مع شعبنا وحزبنا. وإن كلمة الحق ستظل على ألسنتنا ما دام فينا نفس، ولن نصمت عنها إلى أن يجعل الله لهذا الوطن مخرجاً يحق الحق ويزهق الباطل. خامساً: أما عن أدب أهل السودان وسمتهم، فهي شهادة لا تُطلب ولا تُمنح بالتصريحات، وإنما تُكتسب بالسيرة العطرة والمواقف النبيلة، ويشهد بها الناس قبل أن يتحدث بها صاحبها. فالمروءة والخلق الرفيع هما جواز المرور الحقيقي إلى قلوب السودانيين، والعمل من أجل الوطن أرفع وأبقى من أي موقع أو ألقاب تُمنح في غير موضعها. سادساً: ان التباكي على الحرب المستعرة والحصار والدمار، مع تبنّي مشروع دولة المؤتمر الوطني البائد، فذلك تناقض فاضح لا يخفى على أحد. فمن كان صادقاً في حرصه على وقف الحرب ورفع المعاناة عن الشعب، لا يمكن أن يمد يده إلى ذات المشروع الذي كان سبباً في تمزيق الوطن وإشعال الفتنة، ولا أن يقتفي أثر منظومة أحرقت الأخضر واليابس في سبيل بقائها. والأسوأ من ذلك أن تتجول حاملاً سلاحاً وسط هذه المآسي، وكأنك جزء من مشهد الحرب لا من مساعي السلام. إن من يدّعي الانحياز للوطن والشعب، عليه أن يكون أول من يضع السلاح وأن يقف في صف الجهود المدنية لإنهاء القتال. سابعاً: وفيما ما يخص دار الأمة، فهي ليست مجرد مبنى من حجر وطين يؤجَّر، بل تمثل رمزًا لهذا الحزب العريق، ويمكن أن تكون في أي موقع أو مكان؛ فهي في جوهرها معنى وقيمة قبل أن تكون جدرانًا وسقفًا. ولا يمكن تبرير دخولها بصحبة قوة عسكرية تحت دعاوى واهية، فكم من دار هُدمت وكم من مبنى شُيّد، وسيعود الحزب وتعود داره في كل ولايات السودان الواحد الموحد، وستظل راية الحزب عالية خفاقة فوق أسطحها، كما كانت دومًا رمزًا للصمود والعزة. ومن المعلوم أن إدارة دار الأمة والإشراف عليها هي من المسؤوليات المباشرة للأمين العام للحزب، وفقًا للنظام الداخلي والتراتبية التنظيمية المعمول بها. ثامناً: ان الادعاء بأن الأستاذ محمد عبد الله الدومة هو رئيس حزب الأمة القومي، ادعاء باطل وعارٍ تمامًا من الصحة؛ إذ نصّب نفسه رئيسًا دون الرجوع إلى مؤسسات الحزب الشرعية المتمثلة في مجلس التنسيق أو المكتب السياسي، ما يجعله مفتقرًا لأي شرعية تنظيمية، وسيظل يسعى عبثًا لاكتسابها خارج الأطر الدستورية المعتمدة؛ وكما يقول المثل السوداني: (لصيق الطين في الكرعين ما بيبقى نعلين)، فإن محاولات فرض قيادة غير شرعية على حزب الأمة القومي، أو تغليفها بمبررات واهية، لن تمنحها الشرعية ولن تغيّر من حقيقتها؛ فالرئاسة لا تُكتسب بالتنصيب الذاتي، بل تُنتزع عبر المؤسسات الدستورية المنتخبة، وبإرادة جماهير الحزب وحدها. ومهما طال ليل الظلم، فإن فجر النصر آتٍ لا محالة، فالتاريخ علّمنا أن الحق لا يموت، وأن إرادة الشعوب أقوى من الطغاة والسلاح. قد يظن أهل الباطل أن بطشهم يدوم، لكن سنن الله في الأرض ماضية، ولن يقف أمامها جبار أو متسلط. سيأتي يوم تشرق فيه شمس الحرية على ربوع السودان، وتعود رايات العز خفاقة، وتُرفع كلمة الحق فوق كل باطل، وحينها يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) ﴾ صدق الله العظيم الواثق_البرير