فِي البدء الشكر أجزله لِكل مَنْ تواصَل مَعنَا، و بِكُل الوسائل المُمكِنَة، مُواسياً فِي فَقدِنا الكبير الجلل، و مُعزياً فِي وفاة والدنا العزيز، عليه شآبيب الرحمة و المغفرة و الفرادِيس العُلَى. رَحل الوالِد فِي سرير النَّوم بِهدؤ، كما عاش حياته بِهدؤ، و هو لا يَملِك مِنْ مَتاع الدنيا الزائلة سِوَى القليل، فقد عاش حياته خَفِيفَاً و مَات خفِيفَاً مِنْ غير عَرَض و لا مَرَض، و هو فِي آواخَر العقد السبعين مِنْ العُمْر. رَحَل كبير المُهندسِين السابِق بالهيئة القومِيَة للكُهربَاء و إدارتها المركزِيَة، نَزِيهاً نَظِيف اليد و اللسان، و هو الذي عاش أواخِر حياته فِي الظل، بَعد أن شردتهُ الإنقاذ فِي بداية التسعِينات، و أفقرتهُ، و أجبرته بتضيقها المُستَمِر على التقديم للمعاش الإختياري، و كان آخَر عمل يقوم بِه فِي حَياتِهِ هو تأجِيرهُ لِورشة كهربائية صَغِيرة. رَحل الرَّجُل الذي أدخل شَبَكة الكُهربَاء إلي قُرَّى و مَناطَق كثيرة فِي أطراف السُّودان المُختِلِفَة، و أنار بيوتاً بعد أن كانت مُظلِمَة، فِي زمن كان فِيهِ الإنتماء للوطن و حبهُ هو القِيمَة العُليا، و كانت فِيه الأخلاق الإنسانِيَة الرَّفِيعَة هِي الهادِي الأمين، و كانت فِيهِ لِلخدمة المدنية السُّودانِيَة شَنَة و رنة و تَقالِيد رصَينَة مَوروثة رَاسِخَة. بَعد أن كان الوالِد يجوب أطراف البلاد مَع مَرؤسِيه، شمالاً و شرقاً و غرباً و جنوباً، بَعيداً عَن حياة المكاتِب المُرِيحَة، مُتفقداَ لِلخزانات و السدود و المحطات الحرارية و مُوسِعاً لِشبكة الكُهربَاء القومِيَة، أصبحت بَعده الهيئة القومِيَة للكُهرباء، قَبل خَصخَصتِهَا مَنْ قِبَل الكيزان الإسلامويين، مرتَعاً خصبَاً لِلفساد، و أصبَحت تُرسِل الدبابين و المجاهِدين لِقتال الإخوة الجنوبيين فِي الحرب الأهلِيَة العبثِيَة الدائرة فِي مَناطِقِهم. رَحل الرَّجُل الذي عَلمَنِي مُعارضة نِظامْ الإنقاذ بِشراسَة، مُنذ نعُومَة الأظافِر فِي منتصف المرحِلَة الإبتدائيَة، فقد كُنَا نتابِع مَعهُ أخبار التجمع الوطني الديمقراطي وقتها بِتلهُف شديد، و نَنصت بِترقُب كلما دقت ساعة "بيق بين" عَبر أثير هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي. رَحلَ الوالِد العزيز، و هو الذي كان فِي آخر أيامِهَ، أشد تَفاؤلاً مِنِي بِمُستقبل السُّودان و الثورة السُّودانِيَة الظافِرَة، فِي مُقبِل العام الجارِي 2021 م. لَنا الصَّبر، و لِلوالِد الرَّحمَة و المغفِرَة و الجَّنة و السَّلام الأبدِي، فقد كان دائماً يقول: أنه لم يُورثنا مَال كثير، و لَكِنه أورثنا عَقْل و مُخْ، أهمَ مَنْ المال.