الترحيب الذي صاحب توقيع اتفاق سلام جوبا في الثالث من اكتوبر الماضي كان مشروطاً باستكمال عملية السلام وانضمام الحركات غير الموقعة الى جانب وجود ضمانات كافية لتنفيذ الاتفاقية، لكن يبدو أن هذه الشروط لم تستوفَ حتى الآن، وظهرت العقبات التي تعيق التنفيذ وعلى رأسها التمويل الذي حدد بمبلغ 1,3 مليار دولار تدفع الحكومة السودانية منها 750 مليون دولار ، إلا ان تصريحات ياسر عرمان وبيان المجلس الرئاسي للجبهة الثورية بأن هنالك عمل منظم ضد تنفيذ الاتفاقية يقف خلفه اجهزة المخابرات والامن من خلال العمل على تقسيم الحركات وتشويه صورة قادتها، وتزامنت هذه التصريحات مع إقالة رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة خالد جاويش، قبل ان ينفي الرجل الأمر جملة وتفصيلاً. تشويه مقصود بعد إعلان إقالة جاويش أصدر المجلس الرئاسي للجبهة الثورية بياناً أعلن فيه رفضه لهذه الخطوة ووصفها بأنها من أساليب النظام السابق وأن هنالك عمل منظم ضد اتفاقية السلام، وقال أسامه سعيد الناطق الرسمي باسم الجبهة، ان الاعلان عن انشقاقات بتنظيمات الثورية جزء من المخطط وان المجلس يدعم ويؤكد شرعية كل رؤساء الجبهة الثورية وتنظيماتهم التي وقعت على اتفاقية السلام وان أي زعزعة لهذا الاتفاق ستجد تصد داخلي وخارجي من الاطراف الداعمة للاتفاقية. وفي ذات الاتجاه أتهم نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان، أجهزة المخابرات والأمن بإعاقة تنفيذ اتفاقية السلام، وقال ان هنالك تعمد لاستخدام ذات اساليب النظام السابق تقوم بها اجهزة المخابرات بشكل واضح، وهي لا تزال موجودة وتستخدم اساليب تقسيم الحركات وتشويه صورة قادتها واستهدافهم بطرق تبدو كأنها من داخل الحركات، لذلك لابد من تغيير هذه الاجهزة بأخرى جديدة تتواكب مع الوضع الحالي. تعليق الفشل نظرية المؤامرة التي المح اليها قادة الجبهة الثورية يرى بعض المحللين أنها بعيدة كل البعد عن الواقع، وإنما هي شماعة لتعليق فشل هذا الاتفاق، هذا ما اشار اليه رئيس حزب البعث العربي السوداني يحيى الحسين الذي قال ل"المواكب" إن العناصر التي قادت هذا التفاوض وتوصلت لهذا الاتفاق هم رؤساء الاجهزة الامنية والعسكرية وهم من ارتضوا بهذا السلام المنقوص كيف يسعون الان الى اعاقة تنفيذه ؟ يجب الا نحاول تعليق فشل هذا المنبر على اجهزة هلامية ماتت وشبعت موت ولا تستطيع ان تفعل أي شئ. وتابع الحسين: "مع العلم ان اتفاق جوبا يحمل بذرة فشله في داخله لأنه ناقص واحتوى على محاور لم تكن من حق المتفاوضين من خلال بث رسائل كلها تتعلق بأجندة المؤتمر الدستوري". ويرى أن تنصيب البعض أنفسهم ممثلين للشعب السوداني بالرغم من ذهاب النظام المستبد هذه مسألة بها قدر من الاستخفاف بالشعب وقدرته على صياغة حياته خاصة بعد قيادته لثورة ديسمبر، لذلك فإن السلام بشكله الحالي يستحيل فرضه على الشعب. خلافات داخلية وعلى الرغم من إعلان الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة أن إقالة خالد جاويش تأتي في اطار سعي الجبهة الى التغيير والاصلاح وتنفيذ اتفاقية سلام شرق السودان وأن القرار أتى بعد التوافق حوله من جانب المكتب القيادي وان من اسباب إقالته تجاوز المؤسسية وحل المكتب وحل المكتب القيادي والامانات بلا سند وعدم الالتزام باللوائح، إلا أن بعض المحللين يرون أن هنالك ثمة خلافات أدت الى ذلك وهذا ما ذهب اليه المحلل السياسي محمد يوسف الذي قال ل"المواكب" إن الجبهة الثورية آخر من قدّم أسماء مرشحيها لهياكل الحكومة الجديدة بعد خلافات حول الشخصيات المرشحة هذا يعني ان اقالة جاويش ليس لها علاقة باستهداف من الاجهزة الامنية أو وجود عمل منظم ضد اتفاقية السلام. وأضاف بالقول:" قد يكون بسبب خلافات داخلية أو القوى الخارجية الداعمة للثورية، إضافة الى عدم الاتفاق حول جاويش بتمثيله للجبهة الشعبية المتحدة في منبر مفاوضات جوبا من جانب بعض مكونات الاقليم الشرقي". مبيناً أن هذا حال معظم القيادات التي وقّعت اتفاق جوبا باسم سكان تلك الاقاليم دون تفويض كامل لها. عدم استقرار وبعيداً عن الاتهامات والاستنتاجات فإن بعض السياسيين يرون ان المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد تشكل عائقاً امام تنفيذ مبادئ الثورة (السلام الحرية العدالة) بشكل عام بما في ذلك اتفاق سلام جوبا، وقد حذر ياسر عرمان من خطورة سيولة الاوضاع السياسية بالبلاد وتأثيرها على استكمال قضايا الثورة وتنفيذ اتفاق السلام. ويرى آخرون ان عدم الاستقرار الذي تشهده الساحة السياسية والاقتصادية يُعتبر تقصيراً من قادة البلاد في الاحزاب السياسية لانهم تنازلوا عن تحقيق المصلحة العامة للسودان على حساب المصالح الشخصية، وهذا ما أشار اليه رئيس حزب البعث السوداني يحيى الحسين خلال حديثه ل"المواكب" بأن معظم القوى السياسية الآن تخلت عن الهدف السامي للثورة وبدأ صراع مميت حول الكراسي والمناصب، لكن ومع ذلك توجد قوى لا تزال متمسكة بمبادئ الثورة وتسعى لتحقيقها. فلاش باك وكانت الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، أعلنت إقالة الرئيس السابق للجبهة خالد جاويش، القيادي في الجبهة قال عبد الوهاب جميل، إن الوضع في شمال السودان يعاني من أزمة حادة بين المكونات السياسية تحتاج الى تحقيق السلم الاجتماعي بالتوافق بين الجميع و إزالة خطابات الكراهية والإثنية والقبلية. وأشار جميل إلى أن الإقالة جاءت في إطار سعي الجبهة إلى التغيير والإصلاح وتنفيذ اتفاقية سلام شرق السودان، وأن القرار أتى بعد التوافق حوله من جانب المكتب القيادي للجبهة، مع إبقائه في المكتب القيادي وأن من أسباب إقالته تجاوز المؤسسية وحل المكتب القيادي والأمانات بلا سند وعدم الالتزام باللوائح، وأكد أن خطتهم للسلم الاجتماعي هي إحدى توصيات اتفاقية جوبا وأنها وجدت الرضا والقبول ونتاجها سيكون في أرض الواقع قريباً، مشيرا إلى أهمية قيام المؤتمر التشاوري لجميع المكونات السياسية والمجتمعية للسعي إلى حل مشكلة شرق السودان. بالمقابل أكد عضو المكتب القيادي بالجبهة أحمد موسى أن الحوار مع الممانعين للاتفاقية قطع شوطاً كبيراً في التواصل مع الفرقاء الأمر الذي أوجد حالة من الاستقرار في الإقليم، وأن الجبهة قد واجهت العديد من الممانعات مما قادها لاتخاذ إجراءات حازمة. وأبان موسى أن إقالة جاويش كانت بموافقة المكتب القيادي وأنها جاءت في إطار السعي للانفتاح والتقريب بين الجبهة والمكونات الأخرى. المواكب