يبدو أن طين الخرطوم ازداد بلةً بتصريحات د. قطبي المهدي عضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني أمس، التي نعى فيها استباقياً الاتفاق بين الخرطوموجوبا، وقال: (اتفاق التعاون بين الخرطوموجوبا في غرفة الإنعاش)، ملقياً باللوم على الجنوب بالتلكؤ في تنفيذ الاتفاق كدليل على فوضى النظام بجوبا.. قطبي اتهم نافذين جنوبيين - لم يسمهم - بعرقلة الاتفاق والسعي لفرض سيطرتهم وإرادتهم على الرئيس سلفا كير، وأضاف ((إصرار تلك العناصر على دعم التمرد في الشمال واستضافة ياسر عرمان ومالك عقار في جوبا يؤكد أن اتفاق التعاون غير قادر على الصمود، وأن اتفاق التعاون بين الخرطوموجوبا في (غرفة الإنعاش) إلا في حال تدخل الوساطة بدور يلزم الجنوب بما تم الاتفاق عليه، وحينها سيصبح هناك أمل)). حديث قطبي رغم عدم تمثيله لوفد التفاوض بدا منطقياً في سياق تدهور الملف بين الخرطوموجوبا، التي كانت أخر محطاته الفشل الذي لازم انعقاد اللجنة السياسية الامنية المشتركة بجوبا فى النصف الأول من نوفمبر الحالى وتركز الفشل حول تنفيذ اتفاقية الترتيبات الأمنية والعسكرية التي وقِّعت بين الطرفين ضمن اتفاقيات التعاون في سبتمبر الماضي، وتلخص الخلاف طبقاً لتقارير إعلامية آنذاك في رفض جوبا لمقترح قدمته الخرطوم بشأن نزع السلاح في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان التابعتين لدولة الشمال ضمن المناطق المنزوعة السلاح، واعتبرت جوبا ذلك شأناً سودانياً داخلياً ليست معنية به.. الإحباط بمرور الوقت وبلغ مداه من إمكانية التنفيذ، بازدياد المشهد سواداً بمخاشنات ملف أبيي، ودورانه في دائرة الشد والجذب بين الطرفين تدويلاً بحسب الرغبة الجنوبية، وإقليمياً بحسب الرغبة السودانية. الامل في عودة دماء الحياة لعروق اتفاقيات التعاون المشترك بين الشمال والجنوب، والقادر على تفكيك معادلة (النفط مقابل الأمن) تجدد أمس الأول في اعقاب مكالمة هاتفية بين الرئيسن البشير وسلفا كير برر فيها الرئيس سلفا تعطل الاتفاق برفض السودان على مرور صادرات النفط من الجنوب عبر أراضيه بعدما تقدم بطلبات مستحيلة. ونقلت «رويترز» عن سلفا ان الخرطوم طلبت من الجنوب نزع سلاح متمردين يقاتلون الحكومة كشرط للسماح بنقل صادرات النفط، واعتبر المهمة مستحيلة تلك التي يريد أشقاؤنا في الحكومة السودانية أن نضطلع بها. لغة سلفا كير في التعبير عما دار بالمكالمة وجدت ارتياح مراقبى الخرطوم، لجهة تخليه عن اللهجة العدائية في انتقاد السودان. وطبقاً لتقارير إعلامية فإن الرئيسين اتفقا على العمل معاً في تذليل معوقات انفاذ الاتفاق، بالإضافة لتسهيل عمليات التفاوض حول ملف أبيي، الأمر الذي أعتبره كثيرون وعوداً رئاسية غير مباشرة تستبطن القدرة على الحل بعد تجربتهما السابقة في أديس أبابا. محللون للمشهد اعتبروا أن الامر غير متوقف على ارادة الرئيسين فقط ورغبتهما فى سرعة الحل ، بقدر ما أنه يرتبط بالمناخ الداخلى فى كلا العاصمتين، خصوصاً للخرطوم التي أدخل أحمد بلال عثمان وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة معادلة جديدة، بكشفه عن توقيف السلطات الأمنية لمعارضين يشتبه بتورطهم في المحاولة الانقلابية، بدعوى ثبوت إجرائهم لاتصالات بحركة العدل والمساواة.. الامر الذي أعاد للأذهان وجود أطراف أخرى خارج دائرة الإسلاميين تسعى لإحداث تغيير في المعادلة السياسية السودانية ومشهد الحكم في السودان. حديث وزير الإعلام ناقض الى حد ما تصريحات د. قطبي المهدي القيادي بالوطني بعدم وجود أجسام وأحزاب كبيرة تقف وراء التخريبية أو تدعمها، ليعيد حديث بلال إنتاج المخاوف من تعدد الجبهات بإدخال أطراف أخرى مسلحة أو تورطها فيما عرف بالتخريبية أو الانقلابية في سياق تشتيت التركيز الحكومي مركزياً تارة وطرفياً تارةً أخرى، وما يسببه ذلك من إنهاك عملي للأطراف المعنية. مراقبون اعتبروا دخول العدل والمساواة في مشهد الخرطوم، ينعكس بشكل أو بآخر على أهمية تجريد الحركات المسلحة من ترسانتها اذا جاز التعبير، ويعيد ترتيب سلم أولويات الخرطوم لصالح ملف الجنوب وحسم الملفات العالقة لارتباطها بالترتيبات الأمنية وفك الارتباط بين قطاع الشمال وجوبا، في ظل احتمالات انتقال الدعم المادي واللوجستي الجنوبي من قطاع الشمال للحليف داخل الجبهة الثورية تحديداً العدل والمساواة، كمموّل بديل بعد خروج ليبيا وتشاد من اللعبة. انهيار اتفاق الجنوب طبقاً للمحللين، يعمق من أزمة جوبا الاقتصادية ويزيد في نفس الوقت من الضغوط على الخرطوم المنشغلة بالمحاولة الاخيرة، وتزايد عدد المشتبهين في التورط فيها، ما يجعل التوقعات تتجه الى محاولة جوبا دعم كل الجبهات فى وقت واحد لصالح نظام اكثر مرونة يمنحها تنازلات أكثر من النظام الحالي. وفيما ثارت تساؤلات عديدة حول ما إذا كان حديث د. قطبي عن دخول اتفاقيات التعاون مع الجنوب إلى غرفة الإنعاش ومدى تعبيرها عن آرائه الشخصية غير المتفائلة أصلاً تجاه الجنوب، يذهب د. عبد الناصر سلم القيادي بالمجلس الثوري للتحرير والعدالة الى أن د. قطبي يعد من تيار الصقور داخل الحزب الحاكم، ويقف رافضاً لما تم من اتفاقيات خصوصاً تلك المرتبطة بالملفات الاجتماعية في نطاق الحريات الأربع، ويعد من المتشائمين حيال نوايا جوبا، واستدرك في حديثه ل (الرأي العام) ان د. قطبي شجاع فهو يعلن آراءه بوضوح وصراحة، بالتالي فالمخاوف ليست منه ولكنه ممن يتعنتون ويتخذون مواقف صارمة تجاه الجنوب ويفسرون كل مواقفه وفقاً لنظرية المؤامرة، ويسعون لتشويه العلاقة بين العاصمتين. سلم نفى أن يكون الاتفاق في طريقه للانهيار، معتبراً أن البطء والتلكؤ الماثل يرتبط بالأوضاع الداخلية في البلدين، وأن ثمة جهات فى كل نظام تسعى لإبطاء التنفيذ فى مقابل انتظار نهايات المشاهد في كلا العاصمتين وهما تخوضان معارك التغيير السياسي مراهنين على سقوط اي منهم، وقال: (لكن بعد ترتيب الاوضاع وهدوء الاحوال وإحكام سيطرة كل حكومة على تياراتها لن يكون هناك عوائق البتة). وكشف القيادي بالتحرير والعدالة عن زيارة المبعوث النرويجي الخاص لعملية السلام الى جوباوالخرطوم بهدف دفع الطرفين لتنفيذ الاتفاق المشترك. وتابع (أي دفع في إسراع البنود يمكن أن يسهم فى تنفيذ ما تبقى، خصوصاً في ظل وجود مراكز قوى بالجنوب وتيار عريض يرى فيما تشهده الخرطوم حالياً فرصة لموت الاتفاق). واضاف (بالتالي الضغط الخارجي يسرع فى تمهيد الطريق لحسم الملف، بشرط توافر الإرادة داخلياً والا لن تتحقق النتائج المرجوّة). وبالرغم من توقعات قطبي المهدي الموصوفة بالمتشائمة حيال ملف الاتفاقات، الا أنه يستبعد استفادة الجنوب من المحاولة التخريبية، وقال: (النظام في الخرطوم لن يسقط في ظل هذه التعقيدات لأنه نظام كبير، والبلاد فيها موارد وإمكانات وليست بحاجة ماسة لاتفاق التعاون مع جوبا، بل الأخيرة بحاجة إلى الاتفاق أكثر من الخرطوم)، وأضاف (الصراعات في حال عدم تنفيذ اتفاق أديس ستؤدي إلى التفكك والتفسخ في الأجهزة الأمنية الجنوبية ما يؤدي إلى انهيار حكومة الجنوب)، وتابع: ان الاتفاق كان سيعطي جوبا فرصة ضخ النفط الذي سيمكنها من تمويل أجهزة الدولة وضمان تماسك الجيش الشعبي، وأضاف (في حال استمرار الوضع الراهن فإن انهيار الجيش الشعبي ودولة جنوب السودان وارد جداً. لكن بالنسبة للشمال لا توجد مشكلة، وان فشل الاتفاق سيكون كارثة على الجنوب أكثر من الشمال). تفاؤل حذر بدا فى ملامح قيادات الوطني، مراهنين على سرعة حسم ملف المحاولة التخريبية، باعتبارها أحد إسهامات تأخير حسم الملفات العالقة مع الجنوب وتتيح للكثيرين التجرؤ على نقض اتفاقياتهم مع الخرطوم.. فهل تفلح مجهودات السلطات إزاء التخريبية في إسراع الخرطوم وإحراج جوبا في حسم النفط والأمن أم أن الأيام حُبلى بالمفاجآت؟!!