لم يشفع حضور النائب العام، تاج السر الحبر، لمحاكمات قتلة الشهداء وتلاوة خطب هيئة الاتهام، في تحصينه من الانتقادات المتواصلة واتهامه بخيانة الثورة والتواطؤ بإطلاق سراح بعض رموز النظام البائد. ومؤخراً، كشفت لجنة التفكيك وإزالة التمكين عن تأثيرات وتعطيل لبلاغات تقدمت بها للنيابة ولم يتم إنجازها، حيث قال مقرر اللجنة، صلاح مناع، إن النائب العام أطلق سراح متهمين بالفساد مثل "أوكتاي، وداد بابكر"، بتوجيهات من "البرهان وحميدتي"، ولم تكن تلك هي المرة الأولى، فقد أصدرت لجنة التفكيك بياناً، قبل أسابيع، تتهم فيه النيابة العامة بالتباطؤ في التحقيق مع رموز النظام المباد، الذين طالتهم قرارات إزالة التمكين. ويبدو أن النائب العام اكتفى بالصمت، أو اللجوء إلى إصدار بيانات لا تلامس محور الاتهامات، أو كما فعل في آخر بيان أصدرته النيابة، رداً على الاتهام الذي وجهته "لجنة التفكيك" بالتماطل وإعاقة عملها وعدم التحقيق في حوالى (200) بلاغ، حيث قالت إن جل ما تم إعلانه في مؤتمرات التفكيك، هو نتاج جهود كبيرة مبذولة من النيابة. وتساءل البيان بدوره عن قضايا أخرى تم إيداعها من قِبل لجنة التفكيك ولم يتم البت فيها. "لجنة التفكيك" لم تكن الوحيدة التي وجهت سيلاً من الاتهامات الخطيرة بحق النائب العام. في وقت سابق، كان قد قدم أعضاء نادي النيابة مرافعة اتهام للرأي العام في مواجهة للنائب العام، بالإضافة لمذكرة لمجلس السيادة، وأشاروا في جملة حديثهم إلى أن مولانا "الحبر" ليس لديه رغبة في تحقيق العدالة. "نادي النيابة" كان قد أوضح بالتفاصيل في مذكرته التي قدمها للمجلس السيادي، نوفمبر الماضي، ما قال إنها تجاوزات النائب العام في قضايا رموز النظام البائد، وقضايا شهداء ثورة ديسمبر، ولجان التحقيق، ولجان النزاعات القبلية. حيث أشارت المذكرة، مثلاً، إلى أن النائب العام طلب ملف بلاغ قضية المتهم، طارق سرالختم، من المحكمة بعد إحالته وأُفرج عنه بالضمان وسمح له أن يغادر السودان عبر مطار الخرطوم. وأبان نادي النيابة، أنه عندما شاع الخبر وتناولته وسائل الإعلام، إحالة "الحبر" البلاغ للمحكمة، مؤكدين أن قانون الإجراءات الجنائية لا يخول للنائب العام إعادة ملف الدعوى الجنائية بعد إحالتها للمحاكمة، إلا إذا كان الأمر متعلقاً بنظر استئناف مقدم من الأطراف. كذلك، ذكر النادي التجاوزات في قضية "المهتم عبد الرحمن الخضر"، الذي كان يُلاحق بقضايا نهب مال عام، إحداها أمام نيابة الفساد التي أكملت التحري في قضية "قطارات ولاية الخرطوم"، ووجهت التهمة للمتهم توطئة لإحالة البلاع للمحكمة، وقال "أعضاء النادي"، إن النائب العام تدخل وقام بضم البلاغ لبلاغ آخر، ما يعني وقف تقديم المتهم للمحاكمة، معتبرين أن ذلك جاء للحيلولة دون وصول البلاغ للمحكمة. ولعل من أخطر التهم التي وجهها نادي أعضاء النيابة ل"الحبر" آنذاك، كانت حول قضية النقل النهري، حيث قالوا إن هناك لجنة تحقيق كانت تختص بمخالفات النقل النهري، تدخل النائب العام في عملها، وأضاف توصية لم تجزها لجنة التحقيق حتى يستفيد شخص كان "النائب العام" محاميه وممثله أمام المحاكم، مشيرين إلى أن ذلك التدخل أدى لحصول موكله السابق على مبلغ (8) ملايين دولار من حكومة السودان دون وجه حق. في سياق الرد على كل تلك التهم، كان أيضاً "الحبر" يفضل الصمت، في حين كان يحاول مناصروه تجريم نادي النيابة، بحجة أنهم فلول للنظام المباد. ويشار إلى أن "تاج السر الحبر" المولود في منطقة الخليلة شمال بحري عام 1948، عُرف عنه قبل تقلده منصب النائب العام، عدم انتمائه لأي حزب سياسي، سوى الانتماء للتيار الديمقراطي العريض، وكان قد برز اسمه في مهنة المحاماة، وضمن من عملوا بنقابة المحامين إبان الانتفاضة. ويقول مقربون منه، إن "الحبر" لا يخلو من روح قتالية على الرغم من عدم انتمائه الحزبي. لكن بالمقابل، يرى المرشح السابق لرئاسة القضاة، عبد القادر محمد أحمد، أن التهم التي وجهت من قبل نادي النيابة للنائب العام، ثقيلة وخطيرة جداً في حقه، فهي تدمغه بالتآمر ضد الثورة، وتعمد طمس البينات والمساعدة على الإفلات من العقاب، ولا يمكن دحضها بالقول إن أعضاء نادي النيابة كيزان ومعيقون للمرحلة، مشيراً إلى أن الدفوع التي قدمها النائب العام حول الموضوع كانت ضعيفة ومتناقضة، وبعضها يؤكد جزءاً من التهم وواقع الحال يشهد على الجزء الآخر. وقال أحمد، في حوار مع إحدى الصحف المحلية الإسفيرية، أمس، إن تصريحات "صلاح مناع" الأخيرة، حول اعتراف النائب العام بتلقيه أوامر لإطلاق سراح بعض المتهمين، لا تترك مجالاً لأحد للدفاع عنه، وأضاف: "خير نصيحة يمكن تقديمها له، هي أن يتقي الله في دماء الشهداء، ويستقيل اليوم قبل الغد". وأكد أحمد، أن قعود النيابة عن القيام بدورها أدخل الثورة ولا يزال في الكثير من المطبات، مبيناً أن النائب العام يتحمل المسؤولية التاريخية، ولن يكون مقبولاً منه التحجج بأنه لا يملك مساعدين، وهو الذي يحول دون تعيينهم، أو أنه لا يملك الكوادر المطلوبة من وكلاء النيابة، وقد تم التصديق له قبل عدة أشهر بتعيين أكثر من أربعمائة وكيل نيابة. وفي السياق، أوضح الخبير القانوني المعروف "سيف الدولة حمدنا الله"، أن ما جاء على لسان "مناع" باستجابة النيابة العامة لتدخلات رأس الدولة بإطلاق سراح متهمين، من بينهم التركي "أوكتاي" و"وداد بابكر"، يقع تحت مسؤولية النائب العام. وأشار حمدنا الله، في تعليق له في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أمس، إلى أن هذه الأفعال لا تقف عند حدود الواجب الأخلاقي الذي يوجب عليه الوفاء بمطلوبات الثورة ودماء الشهداء، ولكنه يتعدى ذلك بترتيب مسؤولية جنائية تستوجب ملاحقته جنائياً عليها، طبقاً لنص المادة (89) من القانون الجنائي السوداني. الحداثة