تطورٌ كبيرٌ في اتجاه التصعيد السياسي، والدبلوماسي، بين السودان وإثيوبيا، فالحشد العسكري من الجهتين لا يزال مستمراً، ولا يخلو من المناوشات بين الفينة والأخرى، وتتصاعد أيضاً في الاتجاه الآخر حرب البيانات والمعلومات، والتحركات الدبلوماسية؛ ففي الوقت الذي أصدرت فيه الخارجية الإثيوبية بياناً اتهمت فيه السودان بالتعدّي على أراضيها في منطقة الفشقة الحدودية، أصدرت أيضا الخارجية السودانية بياناً طالبت فيه أديس أبابا الاعتراف باتفاقيات الحدود، ووصل الأمر إلى استدعاء سفير الخرطوم لدى أديس أبابا، بغرض للتشاور – على حد قول الخارجية السودانية. وقال معاذ تنقو رئيس مفوضية الحدود في السودان، في تصريحات لقناتي العربية والحدث، إن السودان لا يفكر مطلقاً في شن حرب ضد الجارة إثيوبيا، وإن السودان سيسلك كل الطرق الدبلوماسية والقانونية، مشيراً إلى أنَّه ربما لجأ لمحكمة التحكيم الدولية، في حالة تعنت الجانب الإثيوبي في موقفه الرافض للاعتراف باتفاقيات الحدود، فيما بدأ الجانب الإثيوبي فيما عدَّه مراقبون خلطاً الأوراق، فقد قال وزير الري الإثيوبي، إن ملء السد في مرحلته الأولى قد أنقذ السودان من فيضان كارثي، وهي إشارة واضحة إلى أن أديس ابابا باتت تفكر في خلط الملفين بغرض الضغط على الخرطوم. دبلوماسياً رفضت الحكومة الإثيوبية، من قبل مبادرة للوساطة الأوروبية إبان زيارة وفد الاتحاد الأوروبي للخرطوم وأديس أبابا في خلال الأسبوعين الماضيين، في حين أنها طالبت تركيا بالتوسط في الملف، خلال زيارة وزير الخارجية الإثيوبي لأنقرة أمس الأول. فلماذا رفضت أديس أبابا الوساطة الأوروبية، وطالبت بالتركية، وهل ستقبل الخرطوم إذا ما طرحت تركيا مبادرة وساطة في هذا الاتجاه؟ أسئلة طرحناها على محللين سياسيين ومهتمين بشأن ملف الحدود السوداني الإثيوبي. قال الصحفي والخبير في ملف الحدود السودانية الإثيوبية عبد الجليل سليمان، حول طلب أديس أبابا بوساطة تركية: "بهذه الخطوة؛ تحاول إثيوبيا أن تبحث عن وسيط يدعم وجهة نظرها ويساند موقفها، فزيارة دمّقي موكنن نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية إلى تركيا؛ تحت عنوان افتتاح مقر سفارة إثيوبيا الجديد في العاصمة أنقرة؛ تستبطن داخلها؛ بحسب تسريبات صحفية عديدة "ملف العلاقات السودانية والإثيوبية"؛ وطلب توسطها في الأزمة الحدودية بين بلاده والسودان حول منطقة الفشقة". وأضاف سليمان: "حال صحت هذه التسريبات، فإنّ مشروع الوساطة التركية المحتملة، قد ولد ميتّاً، لجهة إن انقرة لا تمثل وسيطاً محايداً في هذه الحالة، فتركيا، تعتبر من ناحية؛ ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين؛ وتتولى ذراعها الاستثمارية القوية في أفريقيا، وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، وشركات تركية أخرى إنشاء مشاريع ضخمة للطاقة والبنية التحتية في إثيوبيا، بجانب دورها في تنشيط التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 400 مليون دولار سنوياً، وتتولى الآن شركة "يابي ميركيزي"، التركية تشييد خط حديدي بين مدينتي أواش و ولديا (شمال شرقي) إثيوبي بطول 400 كيلو متر كلفة إجمالية 1.7 مليار دولار". وحول علاقة الخرطومبأنقرة يقول عبد الجليل: "لا تكاد تركيا تقدّم مشروعاً اقتصادياً واحداً للسودان، فيما تقدّم له أيدولوجية الإسلام السياسي وتدعم رموز النظام الإخواني السابق، وتستقبلهم وتفتح ذراعيها للأموال السودانية المنهوبة وتوفر الحماية لسارقيها، وبالتالي فأنقرة ليست وسيطاً مقبولاً على الإطلاق من الجانب السوداني، بل ربما مرفوض بشكل قاطع". ونبه عبد الجليل إلي أنَّ وزير خارجية إثيوبيا؛ هو من يقود التصعيد ضد السودان في ما يتعلق بالخلافات حول منطقة الفشقة السودانية، وهو الذي يضغط على رئيس الوزراء آبي أحمد علي في هذا الصدد؛ فالرجل هو من يقود الحرب على تيغراي عبر مليشيات الأمهرا "القومية الإثيوبية" التي ينتمي إليها؛ والتي تدعي حقوقاً تاريخية في الفشقة، وهذا أيضاً يقلل من جهده في هذا الملف؛ وبالتالي من الوساطة التركية المحتملة. الكاتب الصحفي والمحلل السياسي وائل محجوب أكد منذ اللحظة الأولى رفض الخرطوم للوساطة التركية، ولكنه علل ذلك بسبب آخر: "رفض الإثيوبيين لوساطة الاتحاد الأوروبي دون مبرر، وطلبهم لأخرى تركية، يمثل شرطاً تعجيزياً، وهم يدركون مسبقاً رفض الخرطوم لها"، وحول رفض الخرطوم قال وائل محجوب "العلاقات السودانية التركية لا هي جيدة، ولا سيئة؛ هي اقرب للتجميد، بسبب العلاقة مع الولاياتالمتحدة في ظل رئاسة بايدن؛ الذي يحاول دائماً تحجيم دور المحاور المحاور العربية في منطقة القرن الأفريقي سواء أكان ذلك في جهة محور الإمارات والسعودية، أو محور قطر التي يجمعها تحالف راسخ مع تركيا وإيران، ولهذا السبب تحديداً فإن السودان سيرفض ذلك، بلا شك". مداميك