بالرغم من أن الجميع يعرف من الذي فض إعتصام القيادة العامة وإعتصامات الولايات بالتزامن، ومن الذي قتل الثوار وكبلهم وألقى بجثثهم في النهر، ومن الذي إغتصب الثائرات وأرتكب أفظع الجرائم بحق المعتصمين السلميين في العاصمة والولايات الذين ينادون بالحرية، السلام والعدالة من أبناء شعلنا الطيب. وكل من كان في الخرطوم في ذاك اليوم أعتقد أنه شاهد عيان بأن مليشيات الجنجويد هم الذي سيطروا على شوارع وأزقة الخرطوم وعواصم الولايات لثلاثة أيام، وهذه المليشيات يقتل من يشاء، يعذب من يشاء ويختطف من يشاء. وبالرغم من كل هذه الأدلة وكقضية قضية حق فلابد للقانون أن تجري مجراه وأن تسلك القضية السبيل المتبع والمتعارف عليها دوليًا، وتماشيًا مع ذلك ومعظم الناجيين من المجزرة وذوي الضحايا كانوا متفاؤلين خيرًا باللجنة التي شكلها رئيس مجلس وزراء الفترة الإنتقالية الدكتور عبدالله حمدوك في يوم 20 أكتوبر من العام 2019 برئاسة الأستاذ والخبير القانوني د. نبيل أديب، إلا أن هذه اللجنة طلبت تمديد فترة عملها عدة مرات رغم كفاية الأدلة من أول يوم سماع للشهود والضحايا الناجيين من المجزرة، بدواعي أن جائحة فيروس كورونا عطل سير عمل اللجنة كثيرًا، وأن المعدات اللوجستية المعدة لفحص الوسائط قد تأخر وصولها لفريق لجنته، ويرى بعض المهتمين بشأن تحقيق العدالة والكثير من الضحايا بأن اللجنة غير نزيهة في عملها ويشككون فيها بدواعي تدخل مرتكبي الجريمة في سير التحقيقات على راسهم حميدتي. وجميعنا يعرف بأن المكون العسكري وعلى رأسها الجنرال عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق أول خلا محمد حمدان دقلو هم من يعرقلون عمل اللجنة، إذ حددت اللجنة عدة جلسات لسماع لهم وكأعضاء في المجلس العسكري الحاكم أنذاك للإدلاء بشهادتهم إلا أنهم رفضوا ولم يتم التحقيق معهم حتى اللحظة، وبالرغم من أن الناطق الرسمي للمجلس العسكري الجنرال شمس الدين كباشي قد إعترف بأن المجلس العسكري هو من فض الإعتصام بمقولته الشهيرة "حدث ماحدث" أبان مؤتمره الصحفي الذي عقده عقب إرتكاب مجزرة فض إعتصام القيادة العامة في الثالث عشر من يونيو 2019 التي تعتبر دليل قاطع لإدانته هو ومجلسهم الباطش في إرتكاب فظائع مجزرة القيادة العامة. وبالرقم من التوثيق الشامل للمجزرة بعدسات الثوار وشهادة كل من كان موجود في الخرطوم في صبيحة الثالث من يونيو إلا أن إعتراف قائد ثاني مليشيات الجنجويد المسمى جزافًا في الخرطوم بالدعم السريع الفريق خلا عبدالرحيم حمدان دقلو أثناء مخاطبة ذويه المعتصمين بمدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور في الثالث من فبراير الجاري برفقة عضو مجلس السيادة المدني محمد سليمان الفكي، تعتبر إعتراف كافي لإدانتهم حيث قال بالحرف الواحد "نحنا فضينا ستة إعتصامات بالتزامن في يوم واحد" حيث كان يشير في خطابه إلى أعظم إعتصام على مر العصور "إعتصام القيادة العامة"، وأن إعتصام أنصاره وذويه إن لم يكن له طرف فيه وداعم له لكان فضاه في لحظات. وهنا بينة قاطعة النذير في إثبات الجريمة المرتكبة في حق أبناء شعبنا وعلى لجنة أديب إستدعاء هذا المعتوه الجاهل الذي يقود الآلاف من المليشيات المسلحة المجهزة بأحدث عتاد حربي في المنطقة وسخرت لهم موارد الدولة دون حسيب ولا رقيب من المعادن، الزراعة، الثروة الحيوانية والموارد البشرية. أضف لذاك إعترافات حميدتي والبرهان المتكررة بشأن وضرورة ففص إعتصام القيادة العامة بحجة الظواهر السالبة بمنطقة محيط الإعتصام "كولمبيا" وتعطيل حركة نقل السلع بإغلاق المعتصمين لخط السكك الحديدية الرابط بين الخرطوم وعدة ولايات، كل هذه التصريحات سبقت وعقبت جريمة فض إعتصام القيادة العامة. وعند مطلع هذا العام "2021" ظهرت فيديو بجودة عالية مصورة جوًا من طائرة دون طيار نشرها مصدر مجهول توثق للمجزرة بشكل كامل، حيث أظهرت تفاصيل دقيقة للجريمة قبل حدوثها منذ إن توجهت مئات السيارات التي تتبع لقوات الدعم السريع بكامل عتادها من بحري عبرت الكبري ودخلت وتوجهت إلى منطقة القيادة، وكانت الفوج الأولى من السيارات هي سيارات تويوتا ذات الدفع الرباعي "البيك أب" المعروفة بالتاتشرات محملة باسلحة ثقيلة، حاصرت شرفاء القوات المسلحة في القيادة ومحيطها حتى يضمنوا من أي عملية دفاع للمعتصمين أثناء إرتكاب المجزرة كما حدث في الأيام الأولى من الإعتصام، حيث تصدت شرفاء القوات المسلحة لأكثر من هجوم نفذتها كتائب ظل المخلوع. وبعد محاصرة التاتشرات للقيادة وفصل بين المعتصمون والقيادة، جاءت بكاسي بيضاء مسرعة تتبع لتفس القوات بمحاذة القوات الأولى بعضهم يرتدون زي الدعم السريع المعروف والبعض الآخر يرتدون زي شرطة شغب مليشيات الدعم السريع التي تشبه لحد كبير زي شرطة العمليات، حيث بدأت قواتهم في إطلاق نار كثيف للمعتصمين والضرب المبرح، وأظهرت الفيديو مشاهد مؤلمة لوقائع المجزرة حيث وثقت بوضوح لحظة إطلاق الرصاص من مسافة قريبة على الثائر "قصي حمتو" الذي كبلوه بالحجار بعد إستشهاده وألقوه هو وزملاءه في النهر، حيث جرفت الماء جثثهم الطاهرة بالخرطوم بحري وإنتشلتهم شرطة الدروشاب وسلمتهم لمشرحة أم درمان وإختفظت بهم المشرحة كجثث مجهولة إلى أن تبيت في وقت لاحق بأن الجثامين الطاهرة للشهيد قصي ورفاقه. وتعتبر أيضًا هذا الفيديو توثيق لا شك فيه بأن مليشيات الدعم السريع هم من فضوا الإعتصام، وإتهمت جهات لاحقًا بأن الفيظيو المسرب تم تسريبها الإستخبارات البريطانية، ولكن لا أعلم الجهة التي كانت تملك الطائرات المسيرة في ذاك الوقت وقام بالتصوير ولكن نتمنى بأن يقدم بشهادته للجنة فض إعتصام القيادة العامة حتى تثبت تورط من إرتكبوا هذه الجريمة النكراء.