بمجرد دخولك إلى مبنى مركز شباب الصحافة، يلفت انتباهك التشكيليون الشباب؛ وهم يخطّون على الجدار لوحاتهم الباذخة، هذا الإرث الثوري العظيم. هكذا ستُعايش عزاء شعوب السودان الثائرة، في موتى مشرحة ودمدني، وقتلى كل السودان، وهي تبكي إهدار الدم، ونزف الأرواح بالمناحات الحزينة، وبختم كتاب الله الكريم ترحماً، و(دق طار المدايح) و(النحاس)، لإعلان مشاعر الغضب باسترخاص الروح الآدمية السودانية، تشاهد وجوه الحضور لتتأكد تماماً أن استمرار هذا الاسترخاص للحياة، مرفوض. نظمت لجان مقاومة الصحافة، بالاشتراك مع حملة الحق في الحياة، ومبادرة مفقود، ومبادرة من قتل بهاء، وتجمع الأجسام المطلبية (تام)، يوم عزاء لأرواح مجهولي الهوية، الذين تم اكتشاف جثامينهم بمشرحة ود مدني الشهر الماضي، وذلك مساء اليوم الجمعة، 26 فبراير 2021، واشتمل اليوم على عدد من الفقرات وسط حضور جماهيري كبير، حيث بدأ البرنامج بالتوقيع على قماش العزاء ابتدره والد الشهداء الصادق سمل وشقيق الشهيد بهاء الدين نوري والفنانة نانسي عجاج، وآخرين، بالتزامن مع ابتدار فنانين تشكليين جداريات وإنشاداً عرفانياً، كما شمل البرنامج صلاة الغائب، وكلمة شيخ الطريقة البرهانية، وإمام مسجد الصحافة غرب مربع 19. وفي مسرح الاحتفال استمع الحضور إلى كلمات من الجهات المنظمة، واشتركت جميعها في التأكيد على ضرورة تحقيق العدالة وكشف الحقائق مجردة ومواصلة المقاومة من أجل تحقيق ذلك، كما استمع الحضور إلى تنوير قانوني قدمه المحامي زهير أمام، حول قضايا العدالة الانتقالية، وضرورة كشف الحقيقة وفقاً للأدلة المتاحة، والتي تشمل جرائم فض الاعتصام. وقالت الكاتبة كلتوم فضل الله في تعليق ل(مداميك) "إن التوقيع على قماش العزاء يعني أن نعيد قراءة تاريخ عنف الدولة، وأن لا مستقبل دون عدالة ولا تعافي وطني بلا إنصاف للضحايا ولذلك حضرنا". وحيّت ممثلة الحملة ويني عمر في كلمتها شهداء المقاومة السودانية وضحايا تاريخ العنف والحروب والإبادة وجميع ضحايا العنف السياسي للدولة، وأوضحت أن حادثة مشرحة ودمدني أعادت جملة من التساؤلات، فيما يخص نتائج لجان التحقيق في المقابر الجماعية، في ظل هذا الصمت الرسمي، مؤكدة أن المقاومة، لطالما أن الكرامة الإنسانية ما زالت مهدرة وحياة الناس مهددة بالقتل والخطف والاختفاء.