تجددت مخاوف سكان العاصمة السودانية الخرطوم، من الوجود العسكري الضخم الذي حول المدينة لثكنة عسكرية منذ سنوات، بجانب المقار العسكرية الرئيسية وسط المناطق السكنية؛ وذلك بعد إجراءات الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية في السودان وعدد من الحركات المسلحة التي أرسلت جيوشها الى العاصمة لإكمال الاتفاق، ورغم الترحيب بصناع السلام وعودتهم للمشاركة في إعادة بناء الدولة بعد سقوط النظام السابق؛ الا أن المخاوف من الانتشار العسكري ظلت قائمة، ما دفع قادة هذه الحركات للتأكيد أن قواتهم تعمل بتنسيق مع الأجهزة العسكرية الرسمية ولم تأتي لتغزو العاصمة. على ضوء الانفلاتات والأحداث العسكرية المتعددة التي وقعت في العاصمة طوال السنوات الماضية؛ ظلت المطالبات مستمرة بتحويل المناطق العسكرية خارج الاحياء، ثم جاء دخول مليشيات الدعم السريع الحكومية وانتشارها الواسع على مناطق مختلفة واحتكاكها مع المواطنين الذي نتج عنه عدد من الجرائم، والمعروف ان قوات الدعم السريع كانت تقاتل الحركات المسلحة التي أصبحت جزءا من الحكومة الآن، ووجود قواتها جنبا الى جنب مع قوات الحركات المسلحة؛ جعل مراقبين يحذرون من وقوع احتكاكات غير متوقعة بين الجنود الأقل انضباطاً. ويرى الخبير القانوني صالح محمود في حديث ل(مداميك)، أن الترتيبات الأمنية من الموضوعات المهمة في سلام جوبا، واشار الى انها منصوص عليها وتشمل الدمج والتسريح، وانها مسألة فنية تخضع لمعايير دولية ومحلية، ونوه الى ضرورة ان تتم برعاية دولية لتقليص عدد القوات وفقا لتلك المعايير. وقال صالح ان المثير للجدل هي المادة التي تسمح للاطراف بالاحتفاظ بقواتها لمدة 40 شهراً، واعتبرها فترة طويلة لا تسمح بالدمج ولا الوصول لقوات ذات عقيدة قتالية واحدة، ونبه الى ان هذه الفترة تتعارض مع توقيت المؤتمر الدستوري والانتخابات، وتوقع استفادة الحركات من هذه القوات كقوة انتخابية بعد ان اصبحت تمارس السياسة، وتسائل: هل يُسمح لتلك القوات ان تُستخدم لهذا الغرض؟. واضاف محمود ان هذا الواقع يحتاج لمشاورات كبيرة خاصة في ظل الفترة الانتقالية البسيطة، مبينا انه في حال لم يتم الدمج ومعالجة انتشار السلاح فإن المهددات الامنية تنذر بالانفجار. ومن جانبه قال المحلل السياسي الطاهر بكري ل(مداميك)، إن الوجود العسكري بالخرطوم يشكل هاجساً امنيا كبيرا للمواطنين، ورؤية سالبة لمجتمع الخرطوم، ويعرضه لمخاطر محتملة نتيجة لاسباب اكد انها تراكمية منها التباين السياسي بين الفصائل المسلحة، وتدني الوعي وسط المجندين، بجانب الفروقات البيئية التي جاءوا منها، والتي اشار الى انها تختلف عن بيئة العاصمة الخرطوم، فضلا عن حالة الغبن التاريخي بين الفصائل المسلحة ومليشيات الدعم السريع، مشيرا الى ان هذه الاسباب كافية لاندلاع نزاع في ظل الهشاشة السياسية التي تعاني منها البلاد. وحذر الطاهر من العمل المنظم لقوى الثورة المضادة والتي تسعى بكل قوتها لاحداث تفلتات امنية بالخرطوم، معتبرا ان وجود هذه القوات يشكل كرتا مضمونا يمكن ان تلعب به كعنصر للفوضى، وشدد على اهمية تنظيم عملية الترتيبات الامنية بوضع تلك القوات خارج المدن وليس بمدينة كبيرة كالخرطوم. واكد ان الترتيبات الامنية عملية فنية تتطلب الكثير من العمل والخيارات والحسابات، وصولا لمعادلة سليمة تضمن ضم كافة العناصر ودمجها في القوات المسلحة الموحدة، واستدرك قائلا: (هذا الاجراء يحتاج لمدى زمني طويل، ريبما تحدث انتهاكات وقد تتحول لمشاكل امنية عميقة). وعاد الطاهر ليؤكد ان طبيعة الجنود وبيئتهم الريفية والخلوية تختلف عن بيئة المدن، الامر الذي ربما يؤدي لحدوث نوع من عدم التفاهم والصراعات الشخصية مع المواطنين، ونوه الى ان مستوى الانضباط التكتيكي لتلك القوات على مستوى الافراد ضعيف، مما يعني ان كفة الانفلات الامني راجحة، وتابع: (في المجمل هذه الاسباب ربما تكون شرارة لازمة امنية يصعب تداركها رغم التطمينات التي تبثها القيادات السياسية لهذه القوات).