إن ترسيخ دولة القانون كمفهوم يحتاج إلى العمل والتشاور مع جميع أطياف المجتمع وقوى الثورة بشكل أخص، لكن يرى كثير من المراقبين أن القوانين أصبحت تعد ويدفع بها عبر وزير العدل للمجلسين دون مشورة أو رأي من جهة لها الحق في ذلك، فقد فوجئ السواد الأعظم من القوى الثورية بمشروع قانون الأمن الداخلي بالسوشيل ميديا بعد أن دفعت به وزارة العدل لمجلس الوزراء دون إجراء أي مشاورات حوله كشأن كثير من القوانين. وبحسب مهتمين، فإن قانون الأمن كان أملاً مرتجى ليعبر عن الثورة ومراميها، لكنهم يرونه مُخيّباً للتوقعات بصورته التي تسربت إلى السوشيال ميديا، بحيث تضمنت نصوصه منح جهاز الأمن جميع السلطات السابقة لجهاز النظام المباد من قبض واحتجاز وتفتيش في حراساته الخاصة، كما نص القانون في تعريف ضابط الجهاز بأنه من كان يعمل في الجهاز السابق بما يعني إعادة استيعاب ذات الأشخاص من يعدون من منتهكي حقوق الإنسان، كما منح القانون رئيس مجلس السيادة صلاحية انتداب قوات الاستخبارات للجهاز. ومنح الجهاز حصانات واسعة ومحاكم خاصة وسلطة سحب حتى القضايا من أمام المحاكم العادية. وكشفت مسودة لقانون جهاز الأمن الداخلي لسنة 2021 أن الجهاز الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية سيعمل تحت قيادة مجلس السيادة وتحت إشراف وزير الداخلية، بينما أحيل عشرات الضباط من جهاز المخابرات العامة للتقاعد. ونص القانون على أن يكون الاعتقال والتحفظ لمدة 48 ساعة غير قابلة للتجديد، على أن تكون سلطة الأعتقال بأمر مكتوب من المدير شخصياً على أن يتجاوز الحجز لدواعٍ أمنية 24 ساعة بموافقة المدير، على أن يخطر وكيل النيابة المختص كتابة إذا لم يفرج عنه بعد مضي مدة الاحتجاز، وفي كل الأحوال يجب ألا تزيد فترة التحفظ عن 72 ساعة بموافقة مكتوبة من النائب العام أو من يفوضه. وحال تبين لمدير الجهاز أن بقاء المحتجز لأمر ضروري لإكمال إجراءات قانونية معينة يجب أن ترفع توصية بذلك للنائب العام أو من يفوضه على أنه في كل الأحوال يجب ألا تزيد مدة التحفظ عن 7 أيام يحال خلالها المتحفظ عليه ليوضع في حراسات الشرطة بعد اتخاذ إجراءات جنائية ضده أو يطلق سراحه. وكانت الوثيقة الدستورية قد نزعت هذه السلطات من جهاز الأمن والمخابرات وقصرت مهامه على جمع المعلومات وتحليلها بعد أن تحول اسم إلى "جهاز المخابرات العامة". من جهته انتقد الخبير القانوني صالح محمود، في تصريح ل (مداميك)، تجاوز الحكومة للوثيقة الدستورية واعتبر توقيع "مجلس الشركاء الانتقالي" "التشريعي المؤقت" على إجازة قانون الأمن الوطني بالتجاوز غير القانوني، واعتبره نهجاً غريباً ويمثل تجاهلاً للمواثيق التي وضعتها الحكومة نفسها. وأكد أن الخطوة اتجاه غير معلن للدخول في مرحلة دكتاتورية جديدة، لقطع الطريق أمام الثورة، واستباق للمؤتمر الدستوري ولحسم أمر القانون حال قيام المجلس التشريعي، ولم يستبعد أن يكون تمهيداً لإجراء الانتخابات في ظل هذه القوانين التي وصفها بالقمعية. وفي ما يختص بعملية جمع المعلومات التي نص عليها القانون، أشار صالح إلى أنها ينبغي أن تقتصر على الجمع والتحليل ثم تقديمها للجهات التنفيذية. ونوه إلى أن فكرة التحري مرفوضة ومُخالِفة لروح القانون في تصور الثوار. وقال صالح إن سلطات الأمن ذات الصلاحيات السياسية تكرس للدولة الشمولية واستخدام القمع، ودلل على ذلك بالتوافق على الاحتجاز لمدة 72 ساعة. من جانبه، عدّ القطاع القانوني للتجمع الاتحادي القانون خرقاً لكل المبادئ والقيم التي عبرت عنها ثورة ديسمبر المجيدة وتمسك بضرورة إيقاف القانون. وطالب بإعادة النظر فيه عبر مختصين يخرجونه بما يعبر عن الفصل بين السلطات وسيادة حكم القانون. وكشف عن خروقات في المادة (10) بأن تكون للجهاز سلطات التحري الواردة في قانون الإجراءات الجنائية، ثم أيضاً منح مدير الجهاز صلاحية القبض في المادة (11)، وبهذا تصبح سلطة الجهاز فى القبض على المواطنين سلطة قانونية، ويستطيع المدير أن يمنحها لضباطه دون الالتزام بنصوص قانون الإجراءات الجنائية التي تمنح حق إصدار أمر القبض للنيابة المختصة، وبذلك يصبح نص المادة (11) مخالفاً لنص المادة (10) ومطلقاً ليد الجهاز في القبض على من أراد دون أي رقابة قانونية عليه حتى ولو من النائب العام، علما بأن مواد القبض المطلق قد تم إلغاؤها من قانون جهاز الأمن والمخابرات لتعود بذات ما نص عليه في المادة (11)، وأن ذلك يعدّ تحايلاً لاستعادة سلطات جهاز الأمن في القبض دون رقابة. وكان ينبغي الاكتفاء بسلطات الجهاز المنصوص عليها في المادة (10) والتي تمنحه سلطات التحرى والتفتيش والقبض وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، إذ يكون استخدام هذه السلطات تحت رقابة النائب العام بعدم صدور أمر قبض في حق أي مواطن إلا بأمر وكيل نيابة مختص وينسحب ذلك على التفتيش وأن لا يحبس إلا بحراسة. مداميك