أقلام متحدة ينسب للمفكر الإيراني على شريعتي قوله: "إياك أن تسكت عن الظلم من أجل أن يقال عنك رجل السلام" وفحوى هذا التحذير الواعي، أنّ السكوت عن الظلم، لن يحقق السلام البتة، وأنّ التنازل المجاني عن إنجاز العدالة على "عتاولة" المجرمين، من ضعفٍ أو عن طيبة، وإدعاء السماحة يعتبر تجني في حق الضحايا، يولد الغبن، ويورث البغضاء الدفين، وأن الوفاق لا ينبغي أنّ يكون على حساب أرواح الشهداء ودماء الضحايا، من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين لا حول ولا قوة لهم إلاّ بالله. لا نظن أنّ هنالك ثمة خلاف حول ضرورة المصالحات المجتمعية والوطنية الشاملة، لكن منطق الأشياء، وصريح النصوص الدستورية، تذكر بوضوح أنّ العدالة الإنتقالية التي من شأنها الإقرار بالجرائم من قبل كافة الأطراف، ومن ثم المحاكمات، ومن أراد وطلب الصفح لينظر فيه من أصحاب الحق الخاص، ثم المصالحات، ولكننا ما نراه الآن، أنّ الحكومة الإنتقالية، من ضعفها وقلة حيلتها، تركن إلى فرض أمر واقع، بقبول التعامل مع رموز الإجرام، دون مساءلة، بل تسول لها نفسها الرذيلة في التلويح بمنحهم مناصب دستورية، دون أدنى إعتبار لمشاعر الضحايا؟ في إستهتار مفضوح بالعدالة. الشيء المؤسف، والأمر المخزي، أنّ الحكومة الإنتقالية، بصمتها المريب، تقنن إحتلال مغتصبين لحواكير وجنائن وحيازات بقوة السلاح، وآلة الدولة، فقد سقط النظام المجرم البائد قبل أكثر من عامين، ولا يزال المحتل الغاشم "يقدل" ويستعرض عنجهيته في أراضي وحيازات الغير، دون أن يجرؤ أحد على تذكيره بجرمه، ناهيك عن مطالبته بالمغادرة بسلام، حتى دون محاسبة أو تعويض!! والشيء المحزن أنّ ينشغل رموز ثورية بتطيب خواطر فلول النظام البائد، ويهرولون لمعانقة القتلة الأشرار دون وازع، ظناً منهم أنهم بفعلتهم المشينة هذه يكونون رجال سلام! والأمر الصادم، أن ينصرف رموز ثورة مسلحة إلى الإستماتة في الدفاع عن ثيوقراطية كاسدة، وايدلوجيا بائرة خبرها الشعب السوداني، وثار ضدها في ثورة شهدها العالم أجمع، ومحاولة الاصطياد الإنتخابي المبكر في مياه الاسلامويين الآسنة، ضارباً بهموم النازحين، وآلام المظلومين عرض الحائط، بصورة أثارت الدهشة والإستغراب!! الحكومة الإنتقالية، وشركائها في الثورية يقفزون فوق إستحقاقات إتفاق جوبا للسلام، ويبتسرونها في مناصب دستورية، ولسان حالهم يقول للشهداء "المرحوم غلطان" وللنازحين، ننتظر العون الدولي للنظر في آهاتكم!! ويحثونهم بضبط النفس حيال مغتصبي أراضيهم! الواقعية والنواميس الكونية، يفرضان، على كافة المكونات المجتمعة في إقليم دارفور، أن تتقبل بعضها البعض، وأن تتقاسم الأرض والموارد الطبيعية حسب الأعراف المتواترة، والمتوارثة عبر عشرات الأجيال، وخلال آلاف السنين، هذا في إطار الكليات المجتمعية، ولكن على مستوى الأفراد، لا مناص من تحقيق العدالة فيمن يرتكبون الجرائم الجنائية، مهما تكون شأنهم، ومهما كانت نفوذهم أو مكانتهم الإجتماعية، وإلاّ فليصمت الناعقون بشعارات السلام، الطامحون في السؤدد بتنازلات لا يملكونها، إذ أن هذا المسعى الخطر، لا محالة سيفجر براكين الغضب الثوري مجددا، بصورة لا يمكن تصورها، سيما لا يزال هنالك القابضون على رشاشاتهم، المتحسسون قبضتهم، يراقبون المشهد الإنتقالي بريب، على مقربة من مائدة، توزيع الفيء الثوري غير المتوقع، والشيء المؤسف حتى أبناء النازحين أصبحوا خارج القسمة الثورية. على أصحاب الضمائر الحيّة، والجهات المنصفة، عدم الصمت على محاولات الحكومة الإنتقالية وشركائها القفز فوق جماجم شهداء الإبادة الجماعية، وألاّ تسمح بزحزحة تحقيق العدالة الإنتقالية من موقعها في صدارة أولويات ما بعد سقوط نظام الإنقاذ الغاشم، والتحذير من خطورة تمييع هذه الأولوية بتفجير براكين ثورية، تكفر بأي أتفاق سلامي مستقبلي مع المركز.