منذ شهر تقريباً كانت دولة الإمارات العربية المتحدة؛ قد تقدمت – بهدوء ضمن ملف الحدود السودانية الإثيوبية – بمبادرة لاحتواء الموقف المتوتر بين الجانبين، ما سُمي وقتها بمبادرة تقسيم أراضي الفشقة السودانية، التي وجدت رفضاً كبيراً على المستويين الشعبي والرسمي، في السودان، كان آخرها التصريحات الرافضة للسيد مالك عقار عضو مجلس السيادة الانتقالي، للدرجة التي وصف فيها مراقبون سياسيون المبادرة بالمولودة الميتة. وكان العاهل الإماراتي قد استدعى الجنرال البرهان ووزير رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر في زيارة استغرقت أربعاً وعشرين ساعة، تغيرت بعدها التصريحات الرسمية؛ خجولة، تشير في مجملها إلى عدم وجود مانع من قبول المبادرة الإماراتية، وكل التصريحات كانت قد أُلحقت بعبارة "لكن بشروط" آخرها تصريحات وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر، والتي شرحها في ثلاث نقاط رئيسة، تتمثل في تكثيف العلامات الحدودية وفقاً لاتفاقية الحدود بين البلدين في العام 1902 و1903 و1972، وإيجار الأراضي المتنازع عليها للاستثمار وفقاً لنسب متفق عليها، إضافة إلى إيقاف التصعيد الإعلامي في هذا الشأن, إلاّ أن قانونيين قد أوضحوا أن ما حدث في العام 1972 بين وزيري الخارجية في البلدين، ليس اتفاقاً بالمفهوم القانوني، وإنما مذكرات تفاهم، سمحت للمزارعين الإثيوبيين بممارسة الزراعة، إلى حين فراغ اللجنة المشتركة المكونة آنذاك، من رفع توصياتها بشأن تكثيف الحدود، وهو ما لم يحدث حتى اليوم. وفي رده على سؤال حول الاتفاقية، في حوار أجرته معه قناة فرنسا 24، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان: إن "الحكومة الانتقالية ترحب بكل مبادرة تسعى لحل تفاوضي، ويجنب المنطقة الصدامات العسكرية"، وهي إشارة واضحة لقبول المبادرة، وفي ذات السياق قال شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي أمام حشد من جنود القوات المسلحة، في أيام العيد: "إنه لا تنازل عن أراضي الفشقة، مهما كلف الأمر، وإن القوات المسلحة مصممة على استعادة كل الأراضي السودانية، دون تنازل عن أي شبر منها"، وهي تصريحات توضح مدى التناقض الذي يحكم مسار الفترة الانتقالية، وتشير إلى تعدد التصريحات المتباينة بشأن المبادرة الإماراتية، حتى داخل المؤسسية العسكرية نفسها. وفي الوقت الذي ألمحت فيه وزيرة الخارجية والقيادية بحزب الأمة القومية مريم المهدي بأن الحكومة لا مانع لديها في التعامل مع المبادرة الإماراتية، بشرط أن تتناول معها أزمة سد النهضة، للاستفادة الثلاثية من المشروع، استبقها الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البربر بالقول: "راج الكثير من اللغط حول المبادرة الإماراتية بشأن قضية الفشقة والحدود مع إثيوبيا، نرحب بكل المبادرات من الدول الصديقة والشقيقة التي تؤكد على حقوق السودان في السيادة على كامل أراضيه، الشعب السوداني بموارده البشرية قادر على استثمار كامل أراضيه بنفسه دون التنازل عن أي شبر منها، الشعب السوداني سيكون منفتحاً على كل الجهات المستثمرة وفق قوانين الاستثمار الوطنية، لا مجال لخلق أي نوع من الاحتلال الجديد بأي شكل من الأشكال أو تحت أي مبررات". كل هذه التصريحات يمكن أن تقرأ أيضاً في جو التنافس العالي بين رؤوس الأموال الوطنية، فقد راج أن أسامة داؤود رجل الأعمال المعروف وراء المبادرة، وظهر إبان استقبال محمد بن زايد البرهان في الاستدعاء الأخير. إلاّ أن محللين سياسيين اتفقوا على استخدام الإمارات لكروت ضغط لمبادرتها، أو بالأدق مشروعها للهيمنة طويلة الأمد؛ على منطقة بهذا الحجم، وأرض بهذه الخصوبة، مستغلة الصراع بين السودان وإثيوبيا حوله، ولا يمكن تفهم هذا التغيير في المواقف؛ سوى بالخضوع للابتزاز، أو التهديد، أو استخدام الإمارات أصدقاءها في السودان من رأسمالية، لتمرير المخطط الذي لا يقبل به عاقل مستقل الإرادة. إذن لماذا رفضت الحكومة الانتقالية مبادرة الإمارات، حول الفشقة في البداية، ثم عادت وألمحت بقبولها المشروط؛ بعد زيارة البرهان وخالد عمر، وقبلهما حميدتي، وفي زيارة غير معلنة للإمارات، ما الذي حدث؟ وما الجديد؟ وهل ثمة ضغوط ربما مورست على الجانب السوداني؟ لعل الأيام حبلى، وستكشف لنا العصا التي رفعتها الإمارات وهي تمد جذرتها. مداميك