ا في ديسمبر من العام 2018 تفجر بركان الغضب المحبوس ليعلن عن قيام ثورة سودانية عارمة لم يشهدها السودان طوال تاريخه الممتد في بحور التاريخ، والمتعدد الثورات الانتفاضات، تلك الكتلة من الغضب اتخذت أشكال تعبيرية مختلفة، فكانت تظاهرات الأحياء والمواكب، والوقفات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات، وكانت الكلمة عنوان الثورة الأبرز، بالشعر والسجع والعبارات المباشرة القوية والتي صوبت نحو (الفيل) لا ظله، فأوجعته وأجبرته على سفك الدماء والاغتصابات التي تناقلت صرخاتها وسائل الإعلام ووسائل لتواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن أبرز شعارات الثورة كان وما زال سلمية سلمية ضد الحرامية، ولكن هذه السلمية لا تعني الاستسلام بأي حال من الأحوال، ولا تعني الخطاب اللين المايع تجاه الذين أجرموا أو الذين ساندوا المجرمين في تحقيق مآربهم، فكان شعار "الحل في البل، وأي كوز ندوسه دوس"، الشعاران اللذان لفتا أنظار العالم لما حملاه من معانٍ عميقة واختصار لكل طرق المقاومة في عبارة من ثلاث كلمات، يوما قاطعت المذيعة الحسناء في إحدى القنوات العالميةالزميل محمد الاسباط المتحدث باسم تجمع المهنيين وقتها مستفسرة عن ما تعنيه جملة "الحل في البل" فكان الاسباط حاضر البديهة سريعا في رده أن العبارة تعني "الضغط العنيف" ويا له من ضغط حير العالم!. في صبيحة اليوم طالعت عمود رئيس تحرير صحيفة التيار الأستاذ عثمان ميرغني بعنوان " هل شتم الجيش بطولة؟"، استنكر فيه صاحب "حديث المدينة" اللغة العنيفة من الثوار تجاه الجيش، وقال: إن الثورة تفتقد إلى الزعيم الأب الروحي، وأن شعاراتها كثيرا ما تكون صادمة وطنيا وتعوزها الحصافة، ضاربا عدة أمثال بثوراتٍ مجاورة وأخرى بعيدة، فذكر زعماء (كيوت) مثل سعد زغلول ونيلسون مانديلا والمهاتما غاندي. عثمان ميرغني الذي شهد إعتصام القيادة العامة، وكان أحد الوجوه الإعلامية التي حللت مسار الثورة منذ انطلاقتها عبر القنوات الفضائية، بل خطب في جمع من الناس دخل الإعتصام وقدم وصايا عديدة، بل واقترح أن يكون وزير إعلام الثورة السابق فيصل محمد صالح رئيسا للوزراء، شهد بحور الدم المسفوك على الطرقات واقتحامات البيوت والحرمات والعنف المفرط تجاه شباب بصدورٍ مفتوحة لا يحملون إلا الكلمة والهتاف الذي قابلته العصابة الحاكمة برصاص الغبن والجبن، والذي توجته بالعار الأكبر بفض إعتصام القيادة العامة السلمي الذي لم تحتمل كلماته، بينما كان الشباب يكتب حباب الطلقة والصدور مفتوحة يشهد بذلك شارع النيل وغيره. فهل يريد عثمان بعد كل هذا أن يقف الشباب بكل (كياته) ليقولوا لمن أطلق عليهم الرصاص وقتل رفاقهم واغتصب رفيقاتهم (من فضلك ولو سمحت وعذرا)، والجيش الذي قاعدته تقول (الشر يعم والخير يخص) في ثورتنا هذه نعرف من وقف وقال لا في وجه من قال نعم، ومن حرك قواته ووقف في ودافع عن المعتصمين ومن حرك مدفعه الرشاش وصوبه نحو القوات المعتدية حتى أصيب ولم يترك سلاحه، ومن استشهد وأنامله مخضبة بالحناء قبل أن يرى طفله الأول، هؤلاء كلهم من الجيش، فالخير يخصهم وعبارات الثناء تخصهم، أما الذين تحمل رقابهم دماء الأبرياء فالشر لهم والعبارات غير المهذبة كذلك، حتى يقضي القاضي في أمرهم، والبيننا دم!. يا مهندس عثمان إن الغضب لا يُهندس ليأخذ شكلاً معينا أو طريقة فيسمى ثورة، الثورة في اسمى تجلياتها هي (التيار) العارم الذي يقتلع الأشياء ليصنع واقعا جديدا تريده الجماهير ولو لم تحصل عليه فأبشر بالمزيد من الهزات الارتدادية والمزيد من الثورات، لأن الزعيم المهندس الذي يحتوي هذا الغضب ويخرج منه شوائب الكلمات التي لا تزعج العسكر لم يعد موجودا ولا يقبله هذا الجيل المتمرد على السائد كله، كلنا رأينا كيف وثبت الأحزاب على ظهر الغضب وحاولت هندسته ولكنها في النهاية فشلت في ذلك لتصبح منقادة وليست صانعة للحدث ولا تستطيع أن تغيير من مسار الأحداث إذا ما أرادت الجماهير قول (الحل في البل) إلا أن تقول معها (المجد للساتك). جينا من رحم البسالات جونا من بره الأجاويد خلينا بالنا على البلاد ختولنا في الجرح المراويد