نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تحليلا عن الأوضاع الصعبة في إقليم دارفور غرب السودان الذي شهد اشتباكات قبلية خلفت مئات القتلى والجرحى وعشرات آلاف النازحين خلال الأشهر الماضية. وذكرت المجلة أن هذه الأحداث الجديدة تأتي بعد أحداث دامية أخرى شهدها الإقليم في السنوات السابقة، وبدأت عام 2003. وبعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير توقع الكثيرون توقف العنف في دارفور، وبدلا من ذلك اشتعلت الاشتباكات، ونزح نحو 250 ألف شخص بين يناير وأبريل من العام الحالي. وتحدى البشير لسنوات مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحقه وحق أربعة حلفاء مقربين على خلفية الصراع في الإقليم، والذي أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون من ديارهم. وتقول المجلة إن دوامة العنف المتصاعدة في دارفور أحبطت آمال السكان بإحلال الأمن والاستقرار من قبل السلطات الجديدة. وأوضحت أن الإطاحة بالبشير عام 2019 رفعت التوقعات بالنسبة لسكان دارفور العرب وغير العرب على حد سواء في أن تحقق السلطات الجديدة مصالحهم بشكل أفضل. واندلعت الحرب لأول مرة في دارفور عام 2003 عندما حمل متمردون من غير العرب السلاح ضد حكومة البشير. وبعدها تم إرسال الجيش لقمع التمرد، وسلحت الحكومة السودانية بعض المجموعات من العرب، وأنشأت ميليشيات الجنجويد. وبعد تأزم الأوضاع ووصولها إلى حد جرائم الإبادة، أرسلت الأممالمتحدة قوات حفظ سلام. وعانت قبيلة المساليت أكثر من غيرها من الهجمات، وهي القبيلة الرئيسية تاريخيا في غرب دارفور، وأعضاؤها هم أحفاد حكام سلطنة قوية قاومت الاستعمار في عشرينات القرن الماضي، وفقا للمجلة. وبدأ العنف بالانحسار في غرب دارفور عام 2010، مما سمح لبعض النازحين بالعودة إلى ديارهم، وفي كثير من الحالات وجد العائدون أن العرب قد استقروا في أوطان أجدادهم. وبحلول مايو 2019، كان التحول السوداني قد بدأ في السودان، وبدا إقليم دارفور مستقرا لدرجة كافية جعلت بعثة الأممالمتحدة تقرر سحب عناصرها. وبعد نحو ستة أشهر، وفي ديسمبر تحديدا، هاجم مسلحون عرب معسكر كيريندينج وقرية نيورو في ثلاث مناسبات منفصلة بين عامي 2019 و2021. وطلب أهالي المساليت من وحدة الدعم السريع المحلية الحماية، ولكن دون جدوى، وأدرك المساليت أن القوات الحكومية لن تحميهم وبدأوا في تسليح أنفسهم للمعركة، وجمعوا الأموال من اللاجئين والمهاجرين المساليت في أميركا الشمالية وأوروبا، واشتروا بنادق وقذائف. وعندما هاجم قرابة 500 مقاتل عربي قرية مستري في يوليو 2020، كان المساليت جاهزين، وقتل ما بين 60 و80 منهم في الاشتباكات، لكنهم "صدوا الغزاة وقتلوا العديد من مقاتليهم" وفقا للمجلة. ودافع مقاتلو المساليت أيضا عن معسكر كيريندينج في المرة الثانية التي تعرض فيها للهجوم في يناير 2021. وقد حرق المقاتلون العرب المعسكر، وقتل المساليت نحو 200 منهم. الخرطوم تعلن إرسال قوات نظامية "لحفظ الأمن في دارفور" وفي أبريل الماضي قرر مجلس الأمن والدفاع السوداني إرسال قوات نظامية لحفظ الأمن في دارفور، بعد تكرار أحداث العنف القبلية. وفي الثالث من أبريل الماضي، قتل 87 شخصا وأصيب نحو 200 بجروح، في اشتباكات بين العرب والمساليت بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، استمرت ثلاثة أيام. وعلقت الأممالمتحدة أعمالها الإنسانية في الجنينة، وألغت رحلاتها الجوية إلى المدينة التي تستخدم مركزا لتقديم المساعدات الإنسانية إلى 700 ألف شخص. وتعهد مجلس الأمن والدفاع السوداني بتقديم الضالعين في أحداث الجنينة إلى المحاكمة. كما قرر توفير مساعدات إنسانية للمتضررين. وفي يناير الماضي قتل 129 شخصا على الأقل وشرد 108 آلاف بعد اشتباكات قبلية مماثلة. وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى المدينة، لكن سكانا قالوا إن أغلبها انسحب منذ ذلك الحين، وسط تشكيك في دور قوات الدعم السريع المنتشرة بالإقليم. ويقول التحليل المنشور بالمجلة إن انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وعملية الانتقال السياسي في الخرطوم ساهمت بزعزعة الاستقرار في دارفور، والقادة الجدد فشلوا في معالجة الأزمة. كما لم يسفر اتفاق السلام في أغسطس 2020، والذي كان من بين بنوده التزام الحكومة بالإشراف على إخلاء الأراضي المحتلة خلال الحرب، مما يتيح العودة الآمنة للنازحين مثل المساليت، عن تحقيق أي شيء على الأرض، ولم يحل المشاكل القائمة. وترى كاتبة التحليل أنه خلال هذه الاضطرابات، أثبتت الحكومة الانتقالية الجديدة في الخرطوم أنها غير فعالة، ولا يزال يتعين عليها تنفيذ العديد من بنود اتفاق السلام لعام 2020 وحماية سكان دارفور. وتعتقد الكاتبة أن جزء من المشكلة هو أن بعض المسؤولين عن جرائم الماضي ما زالوا مسؤولين، فبالإضافة إلى الفريق أول محمد حمدان دقلو القائد العسكري البارز ، حارب اللواء عبد الفتاح البرهان، كبير المسؤولين العسكريين الانتقاليين، في دارفور، ويزعم أنه شارك في هجمات ضد مجتمعات غير عربية، على حد قولها.