هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    من يبتلع الهلال… الظل أم أحبابه؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالفيديو.. بلقطات رومانسية أمام أنظار المعازيم.. عريس سوداني يخطف الأضواء بتفاعله في الرقص أمام عروسه وساخرون: (نحنا السودانيين الحركات دي أصلو ما جاية فينا)    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر باريس: كواليس وأشواق ومتاريس
نشر في الراكوبة يوم 30 - 05 - 2021


تقديم
من المعروف في وزارتنا العتيقة، وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أنَّها مسئولة عن إعداد المشروعات، والبحث لها عن تمويل داخلي وخارجي، ومسئولة من متابعة تنفيذها مع الوزرات والوحدات الفنية المختصة، ومسئولة من مراقبة بنود صرفها، ومسئولة كذلك من معالجة الديون الخارجية التي اُستدينت لإنشاء هذه المشروعات التي تمَّ إعدادها وتنفيذها.
هذا هو الشغل اليومي لتنفيذيِّي الوكالات المتخصصة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الذي نعرف من واقع عملنا السابق بها. والنَّاظر للجيش الجرَّار الذي ذهب لمؤتمر باريس (105 بعد الغربلة)، لا يجد من بينهم تنفيذياً واحداً من وزارة المالية (وزير المالية ليس بتنفيذي بل هو صانع سياسات من ضمن الطاقم السياسي) بالرغم من أنَّهم هم المنوط بهم التجهيز للمؤتمر.
وكل من يدعي بأنَّه قام بنفسه للإعداد للمؤتمر (خالد عمر بحسب الفيديو أدناه (1))، فهو يريد أن يُحمد بما لم يفعل، وفوق ذلك فهو جاحد وغامط لحق آخرين هم ملح المعلومات التي تم إرفاد المؤتمر بها على علاَّتها؛ لكونها تعوزها المنهجية والعلمية ولا تعدو كونها "تلاقيط" اسفيرية في أغلبها وهي معلومة بالضرورة للفئات المستهدفة من الدائينين الغربيين وغيرهم، وقد قام بها في المقام الأول أُناس غير ذوي اختصاص في إدارات (تُسمَّى) اقتصادية خارج وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي.
وأعجب لمؤتمرين يريدون مناقشة ديون السودان الخارجية وعلاقات السودان بالمؤسسات المالية الدولية والدائينين، ولا يقومون بدعوة تنفيذييِّ الوزارة القائمين على الأمر الآن (اكتفوا برأى الإدارة الاقتصادية في وزارة الخارجية – كونها وزارة قحت القابضة)، ولا بالاستفادة من خبرة أساتذتنا الأجلاء وزملائنا السابقين والحاليين: د. التجاني الطيب خبير البنك الدولي ووزير دولة سابق بالمالية، وزير الدولة بالمالية السابق الفاتح على صديق، ووكيل التخطيط المكلف الحالي د. أمين صالح يس؛ لكونهم الأكثر تخصصاً وإلماماً بموضوع المؤتمر. ومن عجبٍ، في المقابل، قاربت قوائم المرشحين لمؤتمر باريس من رجالات الإدارة الأهلية والطرق الصوفية والمحاسيب والأصدقاء المقربين لدوائر مجلس السيادة ورئاسة مجلس الوزراء ال 400 شخص كما هو مفصل أدناه.
واعلموا يا رعاكم الله أنَّ هذا البلد لن تقوم له قائمة، إذا لم يقده علماؤنا في الجامعات ومهنيونا في الوحدات التنفيذية المختلفة، وأن يتبعهم السياسيون لا أن يتبعوا السياسيين. ومن أجل ذلك اقترحنا مراراً وتكراراً تكوين آلية إجماع سوداني للفترة الانتقالية، يؤمُّها العلم/والعلماء والمهنيون، ويبارك صنيعها السياسيون للعبور بهذا البلد إلى جهة أمانه، قبل أن يتشظى بسلوك السياسيين التافهين العاطلين عن المواهب، الذين لا يرون من الوصول للسلطة إلاَّ ملئ الجيوب والبطون والفروج.
كواليس الإعداد والترشيحات لمؤتمر باريس
كما جاء بعاليه أنَّ محط اهتمام مؤتمر باريس هو من صميم ما يقوم به تنفيذيو وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الغير ممثلين أصلاً/وعمداً في قوائم المرشحين للمؤتمر، وهو أمر لم يُرضِ وزير المالية ولا وكيله الأول كما نما إلى علمِنا. وفي المقابل تم الترشيح للمؤتمر بطريقة فوضوية وغير علمية ولا مهنية من قِبَل وزير رئاسة مجلس الوزراء، والتي دفعت به هو ذات نفسه ومعه البرهان وحميدتي (تخيَّل) ومناوي، لترشيح أصدقائهم المقربين ومحاسيبهم والمكرهين من رجال الإدارة الأهلية ورجال الطرق الصوفية (الحاضنة المُكرهة خوفاً طمعا بواسطة حميدتيً) الذين لا صلة لهم بموضوعات المؤتمر المهني الدقيق التخصص لا من قريب ولا من بعيد، ولا هم من ضمن اتحاد أصحاب العمل السوداني الذين انتخبتهم فرنسا لمؤتمرها؛ وعلى إثر ذلك وصلت الترشيحات إلى 380 مرشحاً.
وهنا يجب التنبيه إلى أنَّ الحكومة الفرنسية قد قامت مسبقاً بتحديد عدد المشاركين لسفارتها بالخرطوم ليكون ما بين "66 إلى 80 مشترك على الأكثر، شريطة أن يكونوا على صِلة بموضوعات المؤتمر مهنيَّاً وعمليَّاً خلا 10 أسماء من أيقونات الثورة".
هذه الفوضى العارمة أثارت حفيظة الحكومة الفرنسية (ونحن هنا نكذِّب قول القائل أنَّ الحكومة الفرنسية لم تحتجَّ على الرقم المشارك؛ بل قد فعلت)، الأمر الذي اضطرها لتوجيه سفارتها بالخرطوم للالتزام بالعدد الذي حددته لها، وبالعدم سيتم إلغاء المؤتمر لا سيما في ظل جائحة كورونا واحتياطاتها. وعند هذا الحد قضت الحكومة الفرنسية وسفارتها أنَّها لن تستضيف جميع الحضور دون استثناءات، وعلى الباقين أن يتحملوا تكاليف سفرهم وإقامتهم كاملة.
هذا الأمر اضطر بعض الوزارات والوحدات الفنية (وزارة الزراعة مثالاً) ومعهم اتحاد أصحاب العمل (الغرفة التجارية مثالاً) تحديد قوائم منفصلة بأسماء مرشحيها للمؤتمر، وقامت بتقديمها مباشرةً وبصفة مستقلة للسفارة الفرنسية بالخرطوم؛ وذلك لأنَّ قائمة الحكومة من غير ذوي الاختصاص قد بلغت بالتمام والكمال الرقم المذكور بعاليه لو تعلمون.
وعلى ضوء ذلك قضت السفارة الفرنسية بالخرطوم أنَّها لن تمنح المسافرين فِيزات سفر رسمية على جوازاتهم، بل منحتهم تصريحات مرور للدخول إلى أراضيها (لاسيه باسيه) وإقامة لمدة 5 أيام فقط؛ والعهدة على الرواة (اللهم لا شماتة؛ فهذه التصاريح تمنح لعديمي الهُوية والذين لا يملكون جوازات سفر).
لقد ترتب على هذا الواقع المُشين، في المقام الأول، خلو المؤتمر من الأوراق العلمية والتقارير المهنية والضمانات التي تقدمها الدولة للمستثمرين الأجانب لانجاح استثماراتهم، خاصة أنَّ المعلومات التي قُدمت من قِبَل الحكومة السودانية معلومات اسفيرية من الويكيبيديا وغيرها وهي متاحة للمستثمرين أكثر مما هي متاحة لمن يظنون أنَّهم أذكياء جدد (من أمثال خالد عمر/سلك وغيرهم من أفراد قحت القابضة). وفي المقام الثاني، هذا الواقع أدي لفقدان الدولة السودانية لهيبتها واهتزاز صورتها عند الحكومة الفرنسية، وفضح تهافت ممثليها على اغتنام أيِّ سانحة تحقق فساداً ومنفعة شخصية كما كان يفعل الإخوانويون قطع الله نسلهم ونسل أشباههم من هذا البلد. وفي المقام الثالث لم ينتهي المؤتمرون في باريس إلى أي صيغة من صِيغ البيانات المشتركة تلزم المشاركين بما يمكن أن نسميه مقررات مؤتمر باريس (إذا بَهُتت المدخلات، بَهُتت المخرجات).
ولو لا لطف الله، وتقدير العالم للثورة السودانية وبسالتها المنقطعة النظير (وهو تقدير لا يخلو من الرغبة في كبح جماحها)، ولو لا صبر الغرب على رهان حمدوك لحمل النموذج المدني – العسكري في السودان على التغيير والقبول بتحمل مسئوليته – كبديل لكليبتوقراط الإسلام السياسي، لما رجع الوفد بالخُفِّ الواحد من خفيْ حُنين الذي رجع به، وهو القرض التجسيري الفرنسي.
أشواق حمدوك في أن يستفيد السودان من اتفاقية الهيبكس
اتفاقية الهيبكس موجودة ومتاحٌ الاستافدة منها عبر خطوات محددة وأزمنة معينة (برنامج مراقب من صندوق النقد الدولي مدته 6 أشهر، قروض تجسيرية لجبر ديون مؤسسات التمويل الدولية السيادية، ومن ثمَّ تشرع في تطبيق برنامجك المراقب مع الصندوق لكي يعطي الدول الدائنة الشارة الخضراء بعد الستة أشهر للشروع في معالجة الديون، وأخيراً تبدأ الاجتماعات مع المجموعات الدائنة لإعفاء الديون)، كما استفادت منها 42 دولة من الدول المثقلة بالديون منذ العام 2005. والسودان ليس بِدعاً من هذه الدول التي استفادت من الاتفاقية، وتظل في هذا الصدد أشواق حمدوك أشواق مشروعة في أن يجعل بلده تستفيد من هذا الإعفاءات، غير أنَّ ذلك ليس نهاية المطاف في حل المشكل السوداني، فمازال الدربُ طويلاً ووعِراً على هذه الأشواق خاصةً على المستوى الداخلي.
متاريس اتفاقية اليبكس
أول المتاريس أنَّنا نحتاج في المقام الأول أن نعرف حجم ديننا الخارجي على وجه الدقة؛ هل هو 60 مليار دولار، 63 مليار دولار، أم 74 مليار دولار كما في رواية أُخرى، وما هو حجم دين جنوب السودان منها؛ ذلك الذي حملناه على الانفصال. لا أحد يعرف على وجه الدقة من بين أولئك النفر الذين ذهبوا إلى باريس (أو من الذين تمت غربلتهم ومنعهم من الذهاب إليها) كم تبلغ ديون السودان الخارجية. وذلك لسببين: السبب الأول، عدم اصطحاب الأشخاص المتخصصين في الديون لمؤتمر باريس، والثاني هو عدم مضاهاة أرقام الدين الخارجي المذكورة بعاليه (60، 63، 74 مليار دولار، أو غيرها) مع الأرقام التي عند الدائنين. وبالتالي تعوز الذاهبون إلى باريس تفاصيل الأرقام الصحيحة الدقيقة للمجموعات الدائنة، إذ لكلَّ مجموعة دائنة طريقة مختلفة لمعالجة ديونها مع الدولة المدينة (ولعلَّ استاذنا الفاتح علي صديق يشتغل على هذا الأمر الآن، بعد أن أدركوا ضحى الغدِ أهمية دوره في الموضوع).
الترس الثاني في مسألة إعفاء الديون الخارجية، أنَّنا نعمل في إطار مناخ عام انحسرت فيه الإعفاءات الكلية للديون، وتضاءلت فيه الهبات والمنح والدعومات المجانية إلى أقل من1 % لكونها قد كانت ظواهر مرتبطة بالحرب الباردة ترغيباً وترهيباً من قِبَل أقطاب العالم، وما عاد دافع الضرائب الغربي يسمح بها الآن إلاَّ في حدود ضيقة.
وبالتالي في عالم اليوم لن نتوقع أن تكون هناك إعفاءات كلية من الديون خاصة تلك المرتبطة بمؤسسات التمويل الدولية. ولهذه المؤسسات حجتها في ذلك؛ إذ أنَّها إذا أعفت ديونها بالكامل لن تستطيع تقديم المساعدات المنوط بها تقديمها للدول الفقيرة في عدد من مجالات التنمية والتدريب ورفع القدرات وغيرها، ولذلك هِي تنظر لمبادرة اليبكس في إطار مجهودات الدولة التنموية الذاتية لمكافحة الفقر، أى في إطار مشروعها الوطني الداخلي (2).
الترس الثالث هو أنَّ عدداً كبيراً من الدول التي خُفِّضت ديونها في عام 2005 قد شهدت إرتفاعاً ملحوظاً في ديونها فيما بعد بسبب إملاءات مؤسسات التمويل الدولي لبرامجها التقليدية التي تركز على توازن ميزان المدفوعات وتحرير معدل سعر الصرف ومحاربة التضخم بصورة أكثر صرامة من ذي قبل؛ مما يؤكد أنَّ إعفاء الديون إذا لم يصحبه برنامج وطني استراتيجي لمحاربة الفساد، ولتنمية البلاد عن طريق زيادة الصادرات وتنوعِها بزيادة الإنفاق الاستثماري في القطاعات المنتجة ومحاربة البطالة "كما أوصى أيضاً المرجع (2) أدناه"، وكما أوصى جوزيف استقليتز في معظم كتاباته، وكما أوصت اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، فإنَّ هذه الدول لن تستفيد من ميزة إعفاء ديونها (3).
ونستثني من الدول أعلاه بطبيعة الحال دولة إثيوبيا/ملس زناوي "الذي مدحه جوزيف استيقليتز/Joseph Stiglitz في الصفحات من 24 إلى 52 في كتابه Globalisation and Its Discontents، ومدح تجربته، وتوسط له عند صندوق النقد الدولي عبر رئاسة البنك الدولي لتقبل ببرنامجه المخالف لسياساته وسياسات الصندوق وقد فعلت" التي تشهد، دون غيرها، انخفاضاً ملحوظاً في مديونيتها كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي منذ العام العام 2005 كما يشير المرجع (3) والمرجع (4)؛ وذلك أمرٌ مرتبط بالأساس بمخالفة سياسات البنك والصندوق الدوليين بسبب وساطة استيقْليتز، كما أنَّ لهذه المخالفة شواهد أُخرى على تحقيق النمو المنشود مستقاة من تجربة كوريا الجنوبية كما أوردها استيقليتز في نفس المرجع (5).
عليه سيرتكب الأمميون القائمون على الأمر الآن (ومعهم قحت القابضة كما هددت بفضح قبضها الإمارات) خطأً فادحاً إذا لم يُسَخِّروا الأموال التي وصلتهم حتى الآن في برامج تنموية لزيادة الإنتاج من السلع والخدمات التي تصب في خدمة سد فجوة الطلب الكلي، وفي زيادة الصادرات وتنوعها وخلق قيمة مضافة لها بالقدر الذي يساعد في تعزيز دورة متكاملة من معظمة البلد لاحتياطيها من العملات الصعبة لتغطي العملة المحلية لدي الجمهور ولمقابلة وارداتها والتزاماتها الخارجية.
وهنا أُريد أن أشير إلى خطرين إثنين سيضرَّان بحصائل الصادرات والإعفاءات المرتقبة. الأول: هو السفه الدبلماسي الذي تمارسه وزارة الخارجية السودانية المتمثل في أسفار الوزيرة المحمولة جواً، التي لم تستقر على كُرسيِّ وزارتها لمدة سبعة أيامٍ متتاليات منذ تعيينها، إلاَّ ورأيناها تطير إلى دولة من الدول. كأنَّها المبعوث الخاص لدولة عظمى حول مشكلة عالمية مصيرية تشغل بال العالم؛ وكأنَّنا لا نملك سفارات في البلدان التي تطير إليها بين الفينة والأُخرى. وأضف إلى ذلك سفر الوفود تلو الوفود الأخرى للبرهان ورهطه من قحت القابضة وبقية العسكريين (الرئيس الشادي المؤقت زجر الرسميين السودانيين قائلاً: كُفُّوا عن إرسال وفودكم للعزاء في اغتيال الرئيس دبي، فلنا ما يشغلنا في ترتيب بيتنا الداخلي).
فيا مريمنا المنصورة (ومن لفَّ لفَّها) استهدي بالله؛ فحصائل الصادرات على شحها بالكاد تكفي لنثريات رحلاتك الماكوكية، التي هي بالمقابل على حساب القوت الضروري لدافع الضرائب ووقوده وأدويته المنقذة للحياة ومصل الكورونا التي تحصد النَّاس حصداً في السودان؛ فيا حبيبتنا المنصورة إلْزمِ مكتبك؛ فالوطن في رمادة وطاعون؛ ولكِ في رئيسة ملاوي السابقة جويس باندا ألف عبرة إن كنتِ تريدين الإعتبار (حذاري أن تقولي: لابد من زيارتها إذاً).
أمَّا الأمر الثاني: فهو مناشدة مناوي لإعطائه 700 مليون دولار بعد أن نُصِّبَ، بطريقة ما مبهمة التفاصيل بالنسبة لنا، حاكماً لإقليم دارفور الذي لم يقم بعد مؤتمر الحكم المحلي بشأنه. فعلى أخونا مناوي والحكومة الانتقالية أن يعيا وعياً تاماً أنَّ المبلغ المذكور لن يُعطى له إلاَّ بعد مراجعته بالصورة الصحيحة في ضوء احتياجات أقاليم أُخرى أضعف حلقةً من دارفور، وفي إطار خطة عشرية لتنمية الإقليم ومسائله العاجلة، والتي يجب أن تكون مجازة من المجلس التشريعي للإقليم والمجلس التشريعي القومي بعد قيامهما، لتصب في خدمة أصحاب المصلحة في الإقليم، والتي منوط بها بالأساس سد فجوة الطلب الكلي للإقليم والمساهمة في زيادة صادراته وتنوعها وخلق قيمة مضافة لها، مع وجود برنامج اسعافي مجاز من المجلسين للقضايا الملحة.
الترس الرابع الذي يمنعنا من الاستافادة من اتفاقية الهيبكس هو عدم قدرة الدولة على كبح جماح التضخم الانفجاري (363.7% في أبريل)، وعدم قدرتها السيطرة على تدهور قيمة العملة المستمر في مقابل العملات الأجنبية بالرغم من تعويم الجنيه السوداني (واحد دولار = 415.86 جنيه كسعر رسمي، ويساوي 470 جنيه سوداني في السوق الموازي). وهذا يعكس فيما يعكس عدم قدرة/رغبة الدولة في السيطرة على الكتلة النقدية التي جلها خارج النظام المصرفي (96%)؛ وهذا الواقع له علاج واحد فقط لا يطيب لحراس المعبد القديم قيام الدولة به؛ وهو تغيير العملة، ومن غيره لن نستفيد من اتفاقية الهيبكس.
خاتمة
لا نمل التكرار في التبصير بأنَّ حالة الانكشاف الاقتصادي التي يمر بها السودان الآن ذات شقين: الشق الأول هو انكشاف داخلي يتمثل في عجز الدولة عن تغطية الطلب الكلي من السلع والخدمات للجمهور والدولة لمدة أقلها ستة أشهر، وهو ما يعني موت البعض منا بالمسغبة (وهذا الجانب لا يهم مؤسسات التمويل الدولية كثيراً، ولا تعترف به أصلاً ولا تذكره في تحليلاتها)؛ والشق الثاني هو انكشاف خارجي يتمثل في عجز الدولة عن تلبية مسئولياتها تجاه العالم الخارجي من ديون وتحويلات أرباح الاستثمار الأجنبي وغيرها (وهذا الجانب هو الذي تحفل به مؤسسات التمويل الدولية وتقيم له المؤتمرات في ألسعودية وألمانيا وباريس، وغيرها).
وبالتالي إذا مالت الدولة لعلاج الانكشاف الخارجي (كما يفعل الأمميون السودانيون والليبراليون الجدد الآن)، نقصت أخلاقها وإنسانيتها لأنَّ هناك أُناساً يموتون، وإذا مالت لعلاح الانكشاف الداخلي أرهقها العالم بزيادة خدمات الدين وسدَّد عليها المنافذ. والحل بطبيعة الحال يكمن في زيادة الصادرات وتنوعها، لأنَّه كفيل بتغطية الانكشافين من جراء قدرة الدولة على بناء احتياطي نقدي من العملات الصعبة يغطي العملة لدى الجمهور وجميع الواردات والتزامات الدولة الخارجية.
إذاً، كلمة السر في زيادة الإنتاج – لا سيما زيادة سلع الصادر وتنوعها، وليس فقط في الانفتاح على العالم الخارجي الذي لن يكون بالمجان.
[email protected]

(1)

(2) https://www.imf.org/external/np/exr/ib/2001/071001.htm#III.
(3) https://countryeconomy.com/national-debt
(4) https://www.jubileescotland.org.uk/case-studies/ethiopia/
(5) Stiglitz, Joseph 2002, Globalisation and Its Discontents, Alan Lane, pp 24 – 52.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.