لو رأيتُ وجهك فقط ، لآمنت ، لأنه ما وجه كذاب، ولو سمعت حديثك لأسلمت ، لأنه ليس حديث دجال ، ولو رافقتك لأيقنت أنك الصادق المصدوق ، فلا يعرف الهوى لك سبيلا، ولا يتخذ الضلال لك طريقا . كنتُ لزمتُ بابك، وسبقت غيري ، ونلت شرف خدمتك ، وفضل ملازمتك، كنت حملت نعالك ، وصببت لك وَضوءك، وهيأت لك فراشك، وأسرجت لك دابتك . لا أدري كيف كفر بك من رآك، وكيف كذبك من سمعك، لا أدري كيف لم يحمدوا الله أن خلقهم في زمان أنت فيه ، ففرطوا في فضل الصحبة ، وأضاعوا شرف السبق للإسلام . لا أتفهم كيف جبذ ذلك الأعرابي ثوبك حتى أثّر في عاتقك ، كيف طاوعته نفسه ليفعل ذلك ،ولو كنت حاضرا ذلك المجلس ، وشاهدت تلك الفعلة التي فعلها وهو من الخاطئين ، لقفزت عليه ، وأخذت بتلابيبه، وربما لم يفلت مني، وفي جسمه عضو يتحرك . ولو شهدتُهم وهم يرمون سلا الجزور على جسمك الطاهر – وأنت تصلي عند الكعبة – لن أتركهم حتى أفصل رقابهم عن أجسادهم . ما بال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا ، ما بالهم فرطوا في هذا الفضل ، ما بالهم لم يحمدوا الله أن أوجدهم معك سيدي ، ما بالهم؟! ماكنت سأناديك من وراء الحجرات لأزعجك وقت قيلولة ، يرتاح فيها ذلك الجسد الذي تسامى فوق كل شيء. ما كنت سأترك أحدا يجعل صدرك ضيقا بما يقولون ، ولا بما يمكرون ، فليهذب أحدهم كلامه ، وهو في حضرة نبيه ، وإلا فليصمت . ما كنت سأكثر عليك من السؤال ، والاختلاف عليك، كما فعل السابقون مع أنبيائهم. ما بال هؤلاء القوم لا يستغلون سانحة سيد ولد آدم بين ظهرانيهم ، ولا يغتنمونها فرصة فرص منحها الله لهم ،فلم يستغلوها، خابوا وخسروا. ما كنت سأترك أحدا يشغلني عنك ، لا ولد ولا زوجة ما كنت سأدع شيئا يبعدني عنك ، لا مال ولا عمل كل دقيقة معك مكسب ، سأغتنمها سأسعى لخدمتك ،وللدفاع عنك ،وللنهل منك. لا أدري كيف يتلكأ أحدهم عندما تأمر أمرا ما ، ولا أدري –ابتداءً- كيف ينتظرون إلى أن تأمر، ناهيك أن يتلكؤوا في التنفيذ . لا أدري كيف طابت نفوسهم أن يعذبوك ، ويكسروا رباعيتك حتى ينزف منك الدم الطاهر. لا أدري كيف طابت نفوسهم ليرجموك بالحجارة ، ويدموا ساقيك الكريمتين. جئت إلى عندهم تدعوهم وتهديهم، فلم يؤمنوا ولم يخلّوا بينك وبين الناس . كنت سأكون أول المستجيبين فأنت رحمة للعالمين ونعمة مسداة رحمتَهم ورأفتَ بهم ، فأنت ( بالمؤمنين رؤوف رحيم) ، ورحمتَ غير المسلم ،وغير الإنسان ، فأنت ( رحمة للعالمين) يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ***فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت الشفيع الذي تُرجى شفاعته *** على الصراط إذا ما زلَّتِ القدم