نبكي شوقا ونغني له اعز مكان وطني السودان وحقا فالسودان اعز مكان وان ابتلانا الله بالشقاء معيشة. فلا يمكن تبديل الوطن بكل جنات الدنيا. وهكذا هي الاوطان في الوجدان نعشقها حتي الثمالة وان عصفت به ظروف الحياة. وحقا فالوطن عزيز. واذكر وانه وحين اغراق حلفا تلك المدينة الساحرة و بفيضان السد العالي اللعين. خرج اهلنا يهتفون لتلك المدينة الجميلة. حلفا دغيم ولا باريس فالوطن عزيز في النفوس. والسودان اخوتي هو أجمل بلاد الدنيا وهي مقولة نرددها خارج حدود الوطن كثيرا. لكن للاسف الشديد تسقط تلك المقولة عند عودتنا له. فحين تقرأ في المجلات والكتب عن " أجمل بلد في العالم" أو تتاح لك إمكانية زيارته، أول ما تكتشف عند نزولك في إحدى مطاراته، أن لمواطنيه قيمة و شأن. و أن كل ظروف العيش و الكرامة ملائمة كي يتجمل الوطن و يزيد جمالية في عيون ساكنيه ويترك فيه المسؤول انطباعا ايجابيا لدى المواطن. ولكن القبح المصطنع كل جماليات الوطن. وبدأ" بالمطار الذي لا يستحق ان يطلق عليه دولي فهو ليس كذلك. فهو من اسوء مطارات افريقيا علي الاطلاق وقد استحق سخرية اخوتنا المصريين انه (اوضه وبرنده). بالاضافة لسوء الخدمات الذي ظل يلازمه طويلا. فلم اري في حياتي مطارا بدون صالة استقبال للمودعين. حيث يبقي المودعون خارح مباني المطار. ناهيك عن صالات السفر القبيحة والتي لا تحمل اي لمسات جمالية علي الاطلاق. ودعنا نخرج من المطار الي الشارع وليلا فالظلام دامس علي طول الطريق وان تفرقت بعض اللمبات هنا وهناك. وكم تفاجأنا بلسعات الباعوض حتي الصباح وقد كنا في شوق لنومة هنية بعد تلك السفرية الطويلة والمرهقة. ويتناوب الذباب العمل صباحا وحتي الغروب. في الصباح خرجنا والشوق يقتلنا واذ بدكان الحله وقد اصبح رفوفه فارغة . ومنظر الشوارع بشع حيث اكوام النفايات برائحتها الكريهة وقد سدت كل الطرقات. صفوف في مكان امام المخابز امام محطات الوقود امام محلات توزيع الغاز امام السفارات الطرقات مليئة بآثار التروس حجارة في اطراف الشوارع وهي تعرقل دوران الاطارات. متسولون في كل مكان. كبار سن ونساء يحملن الاطفال. فلم يكن هذا هو السودان الذي كان. فأين اخوتى نخيل بلادى و سواقيها ؟ وأين سنابل قمحها و اشجار هشابها. اين النيل ومياهه الهادرة. حقا لقد تبدلت بلادى مسخا. فلم أعد اعرفها وقد توسطها برج يقال له الفاتح. وياللهول فلقد افتقدنا كل جمال امدرمان وبحرى والخرطوم. وحلت علينا ثقافات وفرضيات دخيله وركشات وامجادات وندى القلعه ولوسي وبت الجبل واركى مناوى واحمد هارون وكشيب و عبد الحى وشارع الستين وعفراء وشارع الهوا. ظاهريا تبدو لنا حياة الناس طبيعية فالشوارع مزدحمة. والابراج قد تكاثرت قليلا ورافعات البناء فى كل مكان. و المدن تعج بالاجانب. ولكن حقا أفتقدنا كل جمال الوطن والذى فى الحقيقة هو دين الحكماء كما يقول شاعر هندى فهل تبقت فى حياتنا مآلات نلوذ اليها من عذابات حياة ملؤها الخوف من غد كئيب ؟ وهل بقى فى السودان جمال وقد اكتست كل الوجوه حزنا وعبوسا. – يقول جبران خليل جبران يا ايها الذين حاروا فى سبيل الاديان المتشعبة وهاموا فى اودية الاعتقادات المتباينة فرأوا حرية الجحود اوفى من قيود التسليم ومسارح النكران اسلم من معاقل الاتباع اتخذوا الجمال دينا واتقوه ربا فهو الطاهر فى كمال المخلوقات انبذوا الذين مثلوا التدين لهوا والفوا بين طمعهم بالمال وشغفهم بحسن المآل وياايها الذين ضاعوا فى ليل التقولات وغرقوا فى لجج الاوهام ان فى الجمال حقيقة نافية الريب مانعة الشك ونورا باهرا يقيكم ظلمة البطل تأملوا يقظة الربيع ومجئ الصبح ان الجمال نصيب المتأملين . لا اريد اخوتى ان ينطبق على قول الشاعر ايليا ابو الماضى : والذي نفسه بغير جمالٍ – لا يرى في الوجود شيئاً جميلا حقيقة لم ترى عيناى شيئا جميلا فى بلادى سوى بسمات اهلى الطيبين وكلماتهم الحنونه. ورغم كل المعاناة و الزيادات المهولة فى اسعار الخبز اليومى ورطل اللبن وربطة الجرجير والذرة والسكر والصابو ن وزيوت الطعام والمواصلات. ورغم الفساد العام وسرقات الاراضى والمحسوبيه والجهويه والتمكين . يبقي وطني اعز مكان في قلبي. فقط كي لا أنسى يجب ان اقول ان جمال الوطن الذي يسكننا قبل أن نسكنه نحن يكمن في كرامة مواطنيه أولا ! عشت وطني……