* رغم غلبة الإفك السياسي؛ فإن مُستثنيات الثقافة والآداب والعلوم والفنون على ندرتها؛ تشفع لتلفزيون السودان ببعض التقدير.. ذلك رغم طول آماده في تدعيم الطغاة والوقوف في صف الجلادين وعتاة التسلُّط والإجرام من حكام السودان.. فصار اسم (المجروس) مناسباً لمظهره ومخبره.. فهو تلفزيون العسكر في معظم عهود الحكم.. ولأن العسكر لا دماغ عندهم يقبل النقد والتوجيه والرأي المُخالف (لصالح الشعب) ظلوا يسيطرون على إدارات التلفزيون (سيطرة السيِّد على العبد) من أجل المقعد.. ينصبُّ همَّهم على التعامل مع المبنى بما حوى كثكنة تتبع لهم؛ ينال الشعب منها هوامش (رضا) فإن لم يرضَ فهذا شأنه. * نشرت صحيفة (المواكب) أمس تحقيقاً حول قطع بعض برامج التلفزيون ب(توجيهات عليا) وهي بالمُسمَّى الأصح (توجيهات سفلى) تصدر من أسافل تتعالى مصالحهم الخاصة فوق مصلحة الوطن. * تناول التحقيق بعض النماذج لتدخلات السلطة في برامج التلفزيون.. منها ما جرى من قطع متعمّد لحلقة برنامج (المشهد) في الأسبوع الماضي؛ والذي كان مُعدّاً للنقاش حول راهن السودان السياسي والإقتصادي في ظل رفع الدعم عن المحروقات؛ بكل تأثيرات هذه الخطوة على المواطن.. ولكن الحلقة لم تكتمل؛ إذ تسلّطت عليها الحكومة الفاشلة الوضيعة بعسكرها ومدنييها وتم إلغاء البث.. وكأن الحكومة بهذه الحركة يمكن أن تنسل من حرج الواقع المأزوم الذي تتمادى في صنعه بمنتهى العَته. * التحقيق بخلاف ما تقدّم؛ يبصرُنا بالنماذج الرديئة التي تحتل التلفزيون بدءاً من مديره.. وهي نماذج (للهوان) الذي يمشي على أرجل.. وقد كنا نظن أن (الثورة) التي علّمت الكثيرين الشجاعة والجرأة إنعكست على جماعة التلفزيون؛ فإذا بهم يتحاشون المطبات التي قد تقطع عيشهم في ظل حكومة (الأبوات)! (2) * بحسب التحقيق الذي أجرته الزميلة النشطة لبنى عبدالله بصحيفة (المواكب) فإن إيقاف حلقة برنامج (المشهد) بتلفزيون السودان كان بسبب إنتقاد أحد ضيوف البرنامج للحكومة و(إتهامها بالعجز وعدم مقدرتها على وضع حلول للمشكلات الإقتصادية وعدم وجود رؤية وبرنامج واضح؛ وأيضاً إتهم ضيف الحلقة رئيس الوزراء حمدوك بالضعف). * لا أدري ما هو المثير والخطير في الحديث بين القوسين؟! فالحكومة أسوأ من كل ما قيل وما يقال.. لكن ما يلفت الإنتباه أكثر في التحقيق هم (طاقم البرنامج).. فالمُخرِج يقول أنه غير مسؤول عن ما حدث فقد تلقى توجيهاً من المُنتج بقطع الحلقة؛ والأخير ردّ على الصحفية كالآتي: (أنا مذيع ما منتج.. أنا غير مسؤول عن البرنامج.. ولو سمحتي أبعديني من الموضوع دا). أما مدير الإدارة السياسية بالتلفزيون فيقول أنه كان مريضاً في اليوم الذي بُثت فيه الحلقة؛ وعندما إتصل بالمنتج لمعرفة الأمر ذكر له أنه تلقى توجيهات من جهات عليا بإيقاف بث البرنامج..! لماذا لم يقل المنتج (للصحيفة) أنه تلقى توجيهات عليا؛ وانتظر حتى خرجت الحقيقة من غيره؟! وهل بمثل هذا الخوف يمكن أن ينتظر الشعب من تلفزيونه شيئاً سوى التكريس للفرعنة والتطبيل؟! * قطعاً الجبن يمنعهم من توضيح ماهية الجهات العليا التي تتدخل في البرامج بمنتهى العبط.. هل هذه الجات تعني رئيس مجلس الوزراء أم المكون العسكري في مجلس السيادة أم تابعه المدني؟! * الإجابة بوضوح على ما تقدّم أراها مُهمة.. لكننا أعتدنا من كوادر تلفزيون السودان على تفريخ (الصامتين) بمنتهى المياعة تجاه أي باطل؛ بإعتبار أن (الرزق) عند الحكومة..! وهكذا تربية (الكيزان) ليس فيها يقين بالله..! وأظن أن البرهان أو حميدتي عند إدارة التلفزيون أولى بالخوف من الله. * المواقف الرخوة مصدرها الأول المدير العام للتلفزيون؛ مروراً بالذين تحته في الإدارات الدنيا.. وقطعاً لا ننتظر من شرذمة تعوّدت على الجبن والطاعة العمياء أن تتخذ خطوة صلبة عقب إيقاف برنامج بأسباب واهية (دكتاتورية) ومستفزة.. فلو كانوا يستشعرون شيئاً إسمه الكرامة لتوقفوا عن العمل فوراً؛ أو أصدروا بياناً على الأقل يرفضون فيه تعسف السلطة ويفضحون (الجهة السفلى) التي أوقفت البرنامج. * أما المدير العام الذي أوصد بابه تجاه تحقيق الصحيفة فسيظل الجبان الأول في مكانه الأردأ؛ علماً بأن التحقيق أورد مختلف الشكاوى صدرت من العاملين ضده؛ منها ما يتعلق بتجاوزاته في الترقيات والتعيينات وتردي بيئة العمل.. كما وصفوا الإدارة في عهده بالفوضوية. * بلا شك؛ هو كذلك؛ فقد تم تعيينه من قِبل فوضويين وقتلة. أعوذ بالله المواكب/ الأربعاء الخميس. [email protected]