منذ أن غابت (شمس النظام البائد) في المشهد السياسي السوداني وانهار (عرش) الإسلاميين) على رؤوسهم عبر غضبة ديسمبر المجيد، ظلت المملكة العربية السعودية (الحليف القديم) للنظام المخلوع تمارس فضيلة (التودد) والاقتراب من مفاصل حكومة الثورة، وهي تحاول كذلك إعمال موازينها ومعاييرها الخاصة حتى تقف في (المسافة) التي تحددها وتسمح بها مصالحها واستراتيجيتها الخاصة في التعامل مع (مكونات) حكومة الانتقال ..ولكن ربما لديها موقفها الخاص والثابت وربما (الأزلي) تجاه الشعب السوداني لا تبدله (المعادلات السياسية), ولا حتى تعاقب الأنظمة والحكام ..!! هكذا اختطت دبلوماسية (المملكة) لذاتها هذا المنهج وأنتجت عبره خطاباً سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً (مفتوحاً) ..!! ولذا فإننا ربما لم نشهد لهذه الدبلوماسية تفاعلاً أوتحركاً سابقاً بمثل ما نشهد اليوم ..حيث ظلت المملكة وعبر دبلوماسيتها هذه وتحت قيادة سفيرها بالخرطوم (علي بن حسن جعفر) والذي أطلقت عليه الأوساط الدبلوماسية والسياسية في السودان لقب (عميد) السلك الدبلوماسي، فاقتربت قيادة (المملكة) في فترته الحالية كثيراً من كافة الملفات والقضايا السودانية، بما فيها الملفات الشائكة والحساسة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي ..!! شاهدنا كثيراً, كيف أن هذا السفير (الماكوك) يتحرك وبطاقة ربما غير معهودة في منظومة سفراء المملكة الذين عملوا داخل السودان سابقاً ..البعض يعتقد بأن هناك نشاطاً دبلوماسياً (سياسياً) إضافياً على صعيد المكونات (العسكرية) وأطراف شركاء السلام داخل حكومة الانتقال، بل وصل هذا الحراك حتى (المنظومة القبلية) .. ولكن هذا التحرك في نظر بعض المراقبين أعطى انطباعاً بأن هناك حالة استرخاء أو (فتور) في شكل العلاقة بين الحاضنة السياسية والتوجهات العامة للمملكة في التعامل مع حكومة حمدوك ..!! لكن يبدو أن هناك عملية (اختراق) جديرة بالاهتمام جرت تفاصيلها بالأمس وكسرت (حاجز) الفتور والتراخي، كما يراه البعض في علاقة الدبلوماسية السعودية بالمكون (المدني) في حكومة الانتقال, ووجه الاختراق هذا يمكن أن نستشف ملامحه في (اللقاء المشترك) الذي تم بالأمس بين البعثة الأممية المتكاملة في السودان وعدد من البعثات الدبلوماسية في السودان، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة ودولة الإمارات والنرويج ..!! وبحسب مخرجات هذا اللقاء فإن البعثة الأممية خرجت بدعم سعودي قدره (مليون دولار) لإعانة هذه البعثة وتمكينها في إنفاذ برامجها الخاصة بعملية الاستقرار والسلام، ودعم مشروعات الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي وبناء السلام وحماية المدنيين وتنسيق المساعدات الإنسانية ..!! ولهذا فإن المملكة تبدو حريصة على أن يكون لها دور وإسهام فاعل في المشهد السياسي، والتحولات المرتقبة في الخارطة السياسية والتي ربما سيبدأ تشكيلها منذ الآن مع دخول البعثة الأممية السياسية مرحلة التنفيذ الفعلي لبرامجها بحسب التفويض الأممي، وطلب حكومة حمدوك بمساعدات سياسية (ومدنية) دعماً لفترة الانتقال ..!!