حذرت صحيفة "سترايتس تايمز"، من أثر السد الإثيوبى على سكان السودان، لافتة إلى احتمالات تكرار الجفاف المدمر الذى وقع فى العام الماضى مع عملية الملء الأول للسد. وفى تقرير نقلته الصحيفة الإنجليزية عن وكالة "بلومبرج"، قالت إنه مع بدء إثيوبيا فى تحويل 13.5 مليار متر مكعب من المياه من نهر النيل الأزرق إلى سدها الضخم الجديد المثير للجدل، وبدء المرحلة الثانية من ملء الخزان الذى تبلغ تكلفته 4.5 مليار دولار أمريكى، تتصاعد مخاوف أثر التوترات فى المنطقة، ومخاوف الجفاف فى السودان مثلما حدث العام الماضى. وقالت الصحيفة إن السد الإثيوبى يغير سلوك النهر الطبيعى والمعهود منذ أزمنة عديدة، محذرة من أثر ذلك على عشرات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون على ضفاف نهر النيل، البالغ طوله 6.427 كيلومترًا، والذين يعتمدون عليه فى إمدادات المياه. وأشارت "سترايتس تايمز" إلى أن تصعيد التوترات بشأن سد النهضة يأتى فى وقت حساس جدًا بالنسبة لرئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد، والذى يرى فى هذا المشروع فرصة لتعزيز وضعه السياسى داخل البلاد بعدما تراجعت أسهمه السياسية بشكل واضح خلال الفترات الماضية، مع ما شهدته إثيوبيا من تراجع اقتصادى، إضافة إلى وقع حربه العرقية على أبناء عرقية التيجراى فى إقليمهم الواقع شمال إثيوبيا. ونوهت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الحاصل على نوبل للسلام، انخرط فى حرب عرقية بإقليم التيجراى، تسببت فى مقتل الآلاف وتشريد عشرات الآلاف، إضافة إلى أزمة غذاء مهينة، واستعان فى حربه ضد الإثيوبيين بمقاتلين من إريتريا المجاورة، إضافة إلى الحرب الحدودية مع السودان. وتطرقت الصحيفة إلى معاناة أبناء السودان جراء العبث الإثيوبى بمياه النيل، وذكرت بقصة للفتاة السودانية أمل حسن، وعائلتها فة الروصيرص السودانية، على بعد حوالى 60 كيلومترًا من الحدود الإثيوبية، لافتة إلى أن العائلة السودانية فقدوا إمدادات المياه إلى منزلهم العام الماضى بسبب مشروع السد. وأكدت "سترايتس تايمز" أن السد الإثيوبى الذى يقيم محطة طاقة كهرومائية تبلغ طاقتها 6 آلاف ميجاواط، أصبح سببًا لكارثة عطش وتدمير أرواح فى إفريقيا. وتروى الصحيفة قصة أمل حسن، التى كان عليها أن تمشى أكثر من ميل لجمع المياه فى أوعية من ضفة النهر، بعدما تسبب سد النهضة فى توقف محطات معالجة المياه فى الروصيرص، واضطرت الفتاة وعائلتها لشرب المياه غير المعالجة، وأصابتهم بالأمراض. وفى زيارة إلى منزل الفتاة، قالت: "حاولنا إضافة الكلور إلى مياه النهر حتى نتمكن من الشرب، وكل يوم ، كنت أساعد أهلى فى عملية غلى الماء فى محاولة للتخلص من شوائبه القاتلة". وفى الوقت الذى تقول فيه إثيوبيا إن السد ضرورى لمعالجة نقص الطاقة والحفاظ على الصناعات التحويلية لديها، تحذر السودان من أن ملء الخزان سيحرم أبناء الجنوب السودانى من تدفق المياه التى يحتاج إليها للحفاظ على الحياة والزراعة وإنتاج الكهربا. ونوهت الصحيفة إلى تداعيات عدم إبرام معاهدة فى 13 يوليو 2020، عندما أغلقت إثيوبيا بوابات السد بسبب هطول أمطار غزيرة على المرتفعات الإثيوبية، وتم جمع 5 مليارات متر مكعب من المياه فى خزانه، مضيفة أن الجانب الإثيوبى لم يكلف نفسه بتنبيه السودانيين، الذين يديرون سدا أصغر بكثير تابع لهم فى اتجاه مجرى النهر فى الروصيرص، ما أدى لجفاف مياه الروصيرص. وأشارت الصحيفة إلى أن محطة مراقبة تقع على الحدود بين إثيوبيا والسودان أظهرت كيف انخفض منسوب مياه النيل بمقدار 100 مليون متر مكعب بين 12 و 13 يوليو، بحسب سجلات الحكومة السودانية. وأضاف تقرير "بلومبرج"، أنه آخر مرة انخفض فيها المياه إلى هذا المستوى المنخفض فى عام 1984، وهو العام الأكثر جفافًا على الإطلاق. كما حذرت الصحيفة من العبث الإثيوبى بمياه شعوب إفريقيا، مؤكدة أنه فى اتجاه مجرى نهر النيل، جفت ست محطات لمياه الشرب فى العاصمة الخرطوم، مما ترك معظم سكان المدينة البالغ عددهم 5 ملايين نسمة بدون إمدادات من المياه لمدة ثلاثة أيام. وتوقفت أنظمة الرى على طول ضفاف النيل عن العمل، مما أدى إلى إتلاف المحاصيل. وتابع التقرير، أن الإجراءات الأحادية التى اتخذتها إثيوبيا حرمت السودانيين من تعديل مستويات المياه فى سد الروصيرص، وخزان أصغر على نهر النيل الأبيض، للتعويض عن ملء سد النهضة، حسبما كشفت وثيقة حكومية سودانية اطلعت عليها وكالة "بلومبرج". وأكد المسؤولون الحكوميون والمقيمون على طول ضفاف النيل الأزرق وخبراء الهيدرولوجيا نفس الأزمة فيما يتعلق بكيفية حدوث الملء. وقال مصطفى حسين، رئيس فريق التفاوض الفنى السودانى بشأن السد، إن إثيوبيا كان من الممكن أن تقلل الضرر من خلال ملء سد النهضة تدريجيًا فى أغسطس عندما يكون هطول الأمطار غزيرًا، بدلاً من الاحتفاظ بخمسة مليارات متر مكعب فى غضون أسبوع فى يوليو. كما حذر تقرير "بلومبرج" من أن الفيضانات والجفاف ليستا المسألتين الوحيدتين فيما يتعلق بأزمات سد النهضة، لافتا إلى ما حدث فى نوفمبر الماضى، عندما فتحت إثيوبيا إحدى البوابات السفلية لسد النهضة لمدة 42 دقيقة، وأطلقت 3 ملايين متر مكعب من المياه، الأمر الذى أضر بمحطات تنقية المياه والسدود السودانية بسبب تكتلات الطمى والرواسب، وهو ما كشفت عنه رسالة كتبها وزير الرى الإثيوبى سيليشى إلى نظيره السودانى. وحسبما نقلت "سترايتس تايمز"، فإنه بعد دقائق من فتح بوابة السد الإثيوبى، سجلت محطة "الديم" السودانية للمراقبة، الواقعة على الحدود الإثيوبية، ارتفاعًا مفاجئًا فى الرواسب المتدفقة فى اتجاه مجرى النهر، وتسبب الطمى الثقيل فى سد أربعة من التوربينات السبعة فى سد الروصيرص، مما تسبب فى انقطاع التيار الكهربائى حتى الخرطوم، وفقًا لمديره عبد الله أحمد.