تعرضت في الحلقات السابقة لمواقف المجلس العسكري المتواطئ مع الاسلامويين، ثم ناقشت تلكؤ وبطء الحكومة الانتقالية في التعامل مع القضية النقابية، وضرورة ممارسة الديمقراطية النقابية الحقيقية عن طريق الانتخابات. وانتقدت عدم وضوح موقف الحاضنة السياسية من النقابات، وقد يصل الاتهام ضدهم من بعض النقابيين لأنهم يعادون الحركة النقابية، ولا يريدونها مستقلة مالكة لزمام أمرها. وفي الحلقة الأخيرة ركزت على التيارات الرئيسية المتصارعة حول القانون. واليوم سأبدأ مناقشة مواد القانون الذي اجازه مجلس الوزراء، الغريب في جلسة طارئة، رغم ان مسألة القانون تراوح مكانها لمدة زادت عن العامين. المثل الشعبي السوداني البليغ يقول " الجواب بتقري من عنوانه". وهذا المثل ينطبق تماما على القانون المجاز، فقد سمى " مشروع قانون نقابات العمال لسنة 2021″. حسب النص الرسمي الذي صدر. رغم البراءة الظاهرية للعنوان، الا ان وراء تحديده بهذا الشكل منطلقات نظرية، ومواقف عملية، وصراعات استمرت طويلا. وراء الاسم بيروقراطيو وزارة العمل ذوي الهوى الانقاذي (بصدق واقتناع أو لأكل العيش) من جهة. ومن الجهة الأخرى تيار استعادة النقابات العمالية والنقابات المستقلة. التيار الأول من أصحاب الهوى الانقاذي، هم من يتمسكون بقانون 2010. وهو تعديل طفيف للقانون الأساسي لعام 1992، تمشيا مع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. وقانون 1992 (أسوا قانون للنقابات مر على بلادنا)، هو منتوج ما سمي بمؤتمر الحوار النقابي (1990). ذلك المؤتمر الذي انعقد تحت شعار أسلمة وتأصيل العمل النقابي. وفي سبيل الأسلمة تمادوا في الادعاء، بلا حرج، ان مجتمعات المسلمين، عرفت النقابات قبل أوربا بخمسمائة عام. ما يهمنا هنا قرار الموضوع بتعريف العامل بانه كل من يأخذ اجرا. فوكيل الوزارة عامل وبواب نفس الوزارة عامل. ويمضي المسلسل ليكون وكيل وزارة التربية والتعليم رئيسا لنقابة المعلمين. وكذلك من الطبيعي ان يكوم بروفسير الطب غندور، صاحب العيادات والكليات الجامعية والعمارات عاملا، بل، ويا للحسرة، رئيسا لاتحاد العمال. اما التيار الثاني، وفي إطار منهج يساري يعادى نقابات المهنيين، ويصر ان النقابات هي للعمال فقط، ولا يحق للمهنيين تكوين نقابات أو المشاركة في قانون النقابات. وبهذا يلغي، بجرة قلم، كل ما قامت به نقابات المهنيين من اجل بلادنا، في مجالات تخصصاتهم المختلفة دفاعا عن الخدمات الصحية، ومطالبة بإصلاح النظام المصرفي، وكل الخطط الهندسية لمواجهة الكوارث، وتصديهم لقضايا الإصلاح الاقتصادي وغيرها من القضايا التي لا يتسع المجال هنا لتفصيلها. ولا أود ذكر نضالهم السياسي من اجل الديمقراطية، فهو معروف وموثق. بعد كل ذلك تأتي فئة، لا نشك في ولائها النقابي، لتقرر بجرة قلم انه لا يحق للمهنيين البقاء في قانون للنقابات. والآن نأتي لبيت القصيد، فبماذا عرف القانون العامل: " يقصد به أي شخص طبيعي يعمل لدى صاحب عمل بأجر أيا كان نوعه، ويشمل الموظف والمهني والتقني والفني والبحار وصائد الأسماك والعمال الزراعيين، وكل من يقوم بعمل يدوي أو فني أو يعمل لحساب نفسه أو في القطاع غير المنظم، كما يشمل من يعمل بصورة دائمة، أو محددة الأجل، أو مؤقتة، أو موسمية". باختصار هذا التعريف فارق كل تعريفات العامل في القوانين النقابية قبل انقلاب الاسلامويين في 1989. (نواصل). [email protected]