سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع تنكب طرائق معالجة الأزمة هل يبقى حمدوك ومريم وخالد أهلاً للشكر والثناء؟!!
سبل الخروج من القوقعة مع استفحال أزمة مسار شرق السودان
نشر في الراكوبة يوم 25 - 07 - 2021

إذا ما صح التقدير الذي اورده عملاق الحواسيب (IBM) بان البشرية كانت تراكم خبراتها ومعارفها الي الضعف كل قرن من الزمان حتي مطلع القرن العشرين، غير أنها الان باتت تنحو لمضاعفة ارثها المعرفي كل اربع وعشرين ساعة مع التطور التقني المذهل الذي يشهده مجتمع المعلومات والاتصال (Information Communication Society) فيمكننا ونحن نرقب المالات المحتملة لأزمة شرق السودان ان نفضي الي حكم مفاده بان العديد من بقاع السودان بما فيها الشرق مازالت تقبع في حقبة ما قبل المهدية ؟!!. هذا التقدير الموسوم بالتخلف المريع الذي يشمل ولايات الشرق ، ولا يقتصر عليها وحدها ، لا يعتبر من قبيل الاحكام المتعسفة سيما مع تفشي مظاهر الكراهية (XENOPHOBIA) والاحتراب والقتل بين مختلف نحل السودان وقبائلة .
ولا شك ان ما يجري في شرق السودان فوق كونه يعد ردة محققة عن مقومات السودان الواحد الموحد وفق دعائم المواطنة الحقة، فهو يعد انتكاسة كبري علي نهج الامام المهدي الذي وضع الاسس لبناء مجتمع سوداني موحد تحت راية العقيده والمواطنة يسمو علي جدلية القبائل والطوائف المتناحره ليسلمنا وطن واضح القسمات والمعالم اسمه السودان يجعل من الامام المهدي وثورته احد اعظم المعالم في تاريخ السودان المشهود.
منهج الامام المهدي في احداث حراك سكاني هائل علي امتداد السودان كان من اهم العوامل التي اسهمت في تشكل السودان الحديث علي نحو ما نشهد من مظاهر للتماذج الاجتماعي والثقافي بين مختلف القبائل والاجناس مما يرجي له ان يعمر ويثمر لمصلحة بناء امة سودانية موحدة مع العلم ان مبحث كهذا ما يزال يعد من ضمن المجالات غير المطروقة مع اعتناء كتاب التاريخ غير المنصف بالنظر الي تراث المهدية وتوصيفها فقط باعتبار كونها سلسلة من الغزوات لتحرير السودان من المستعمر في عهدي المهدي وخليفته عبد الله دون التامل في (البعد الديموغرافي) للثورة المهدية الذي لولا تحققه علي صحائف التاريخ لظل السودان يرسف في غيابة العصور الوسطي. مجال كهذا ينبغي ان يحظي بعناية فائقة لاستجلاء ابعاده وسبر أغواره ليس علي مستوي البحوث والدراسات المعمقة فقط وانما احتقابه والتعويل عليه في سياق معالجة قضايا السودان وتحدياته العظمي وفي مقدمتها الازمة الناشبة في شرق السودان التي تعد ، بما يكتنفها من تعقيد، أحد أخطر التحديات التي يختبرها السودان خلال الفترة الانتقالية إن لم يكن أخطرها علي الاطلاق. ولو اسعفني الجهد والوقت لانجزت بحثاً في هذا المجال الذي لم يرتاده العلماء والباحثون بعد علي نحو كاف بيد ان ذلك لا يمنع من حض الجامعات ومراكز البحوث والدراسات وسائر المفكرين بالاشتغال بهذا المبحث الاستراتيجي اي البعد الديموغرافي للثورة المهدية والكيفية المثلي لاستلهامه وتطبيقه في واقعنا المعاصر وهذا تحد ليس قاصراً علي حزب الامة فقط وإنما هو تحد مشرع أمام علماء السودان كافة باعتبار أن تراث الثورة المهدية ليس أمراً قاصراً علي حزب الامة أو كيان الانصار فحسب وانما هو تراث قومي قمين بالاعتبار من أهل السودان كافة.
لقد كان ظن حمدوك قائما أن مجرد ارسال وفد ، علي النحو الذي شكل به، سوف يجعل أهل الشرق يخرجون مرحبين بالوفد مما يسهم في علاج القضية علي نحو جذري ، وهو ظن خاطئ بالطبع ، ولا نزعم بذلك من باب الانتقاص من مكانة الدكتورة مريم والاستاذ خالد سلك ولا التشكيك في قدراتهما ولكن التعامل مع قضية الشرق وتبسيطها علي هذا النحو المخل لن يسعف المركز أبدأً في صياغة مشروع المعالجة الشاملة علي نحو ما يأتي بيانه لاحقاً.
وفي ظل المعالجات الخاطئة التي تتنكب طرائق المعالجة السلمية بما فيها ابتعاث الدكتور حمدوك للوفد الوزاري لشرق السودان للنظر في قائمة المطالب التي تفضل بها الشيخ محمد الامين ترك ناظر عموم البجا امتثالاً لمؤتمر سنكات فينبغي التأكيد علي جملة من الحقائق البدهية التي نري من الاهمية احتقابها في سياق المعالجة الشاملة لازمة الشرق ويمكننا بسط ذلك فيما يلي:
أولاً: في اعقاب هذا المدخل النظري فاننا ندعو متخذي القرار في اروقة الحكم فضلاً عن طوائف المعارضة ومراكز البحوث والدراسات ومؤسسات المجتمع المدني لا بل مختلف الاليات الرسمية والطوعية العاملة في مجال السلام لمناهضة المناهج العقيمة المتبعة حالياً لحل مشاكل السلام الاجتماعي التي لم تثمر شيئأ سوي المزيد من القتل وسفك الدماء. ويصبح من الضرورة العمل علي تبني مناهج علمية رشيدة بالتضافر والتنسيق المحكم مع مختلف شركاء السلام والياته المعتمدة مما يمكن ان يشكل منهجاً سليماً وإطاراً للحل لمعالجة قضايا السودان بعامة وازمة الشرق بخاصة.
ومن أجل ذلك دعونا نتوسل بمداخل صائبة لمقاربة تحدي اقرار السلام بابعاده الواسعة بما فيها الامن الانساني (HUMAN SECURITY) ونحن نعتزم معالجة أزمة مسار شرق السودان.
ثانياً: رغم الحديث الذي ساقه زعيم البني عامر الناظر (دقلل) في تشخيص مظاهر أزمة الشرق باعتبار كوننها أزمة كراهية أو ما يمكن أن يصطلح علي تسميته ب (XENOPHOBIA) ، وهو محق بالطبع، فإن ذلك لا يصلح وحده أساساً لمعالجة أزمة الشرق بتعقيداتها المهولة وإنما يتطلب موقف الشرق المأزوم وضع خارطة طريق كلية تستهدف معالجة الازمة بابعادها الانثروبولوجية والثقافية والسياسية والامنية والاقتصادية بحيث تشارك في وضعها سائر نحل الشرق واجناسه وقبائله عبر مؤتمر جامع وصولاً لمشروع حل شامل يشمل ، مسار الشرق ، ولا يقتصر عليه وحده.
كما أن الموقف يتطلب تشجيع دور ريادي يتسم بالشجاعة والحنكة من قبل كبار زعماء الشرق وفي مثدمتهم الناظر ترك ، والناظر دقلل، فضلاً عن ناظر الامرار وهم قيادات غالب المكونات السكانية لشرق السودان ، وليس كلها بالطبع، للائتمار في مكان واحد باسطين أيديهم باتجاه بعضهم البعض ، والتعاون علي البر والتقوي ومنفعة قبائلهم وأهليهم ، مما يعين سكان الشرق كافة علي تجاوز حالة الكراهية والبغضاء التي تظلل مجتمع الشرق في الكثير من الاحايين، وذلك يشكل المسعي الصحيح لاحتواء التصعيد والتأزم المرجح مع اي نذر للخلاف في شرق السودان ، ويمكن مختلف الاطراف علي صوغ اتفاق يحظي برضاء اهل الشرق ويلبي طموحاتهم ، ويجنبهم أن يؤول الاطار السياسي الذي تم اقراره في اتفاقيات جوبا للسلام لتسوية قضايا الشرق الي قضية خلافية عظمي يصطرعون حولها مما يضع أهل السودان أمام حيرة عظمي تجاه ما يجري في الشرق؟!!.
ثالثاً: ليس ثمة شك في أن التعقيد المصاحب لأزمة الشرق يقتضي عدم التعويل علي الجهود الرسمية لوحدها مع ضرورة السعي لاستصحاب خبراء البلاد ومثقفيها وفي مقدمتهم ابناء الشرق أنفسهم ، ونسوق علي سبيل المثال لا الحصر، الدكتور طارق كردي الخبير الدولي في مجال اللاجئين والاقليات وفض النزاع، وبروف اوشيك ابو عائشة والدكتور عبد القادر حسين اختصاصي الامراض العصبية ، والاستاذ صديق ضرار الذي تتلمذنا علي يده في حقبة الثانوي العام، وزملائنا بروف محمد الامين محمد اسماعيل المدير الاسبق لجامعة النيلين، والدكتور أبوبكر همداي والدكتور شريف ابوفاطمة والاستاذ محمد شريف فكي والاستاذ عبد العزيز الانصاري المقيم بألمانيا لكيما يسهموا بعلمهم وخبراتهم في معالجة الازمة وهو دور مأمول من صميم اختصاصات المجتمع المدني في مجالات الحث والنصح والمناصرة (LOBBYING AND ADVOCACY ) مما يرجي للإخوة المذكورين ومن سواهم من نشطاء الشرق أن يضطلعوا به في إطار مبادرة متكاملة للدبلوماسية الشعبية تستهدف معالجة أزمة مسار شرق السودان.
رابعاً: مع جزيل التقدير لمبادرة السيد رئيس الوزراء المتمثلة في ارسال وفد لشرق السودان لمعالجة الازمة المستفحلة هناك مع تنامي نذرها الوخيمة الا اننا نحسب ، بكل تواضع، أن هذا النوع من المبادرات التي يرتجي لها أن تكون كسباً ايجابيا يصب في رصيد حمدوك والوفد المبتعث من قبله مما يستوجب الشكر والثناء ربما تكون موعودة بالاخفاق والفشل ؟!! . ونحن اذ نفضي الي حكم كهذا لا يسعنا سوي ان نبين الحيثيات التي يمكن ان تشكل مدخلا للفشل باسطين في ذات الوقت بعض المعالم والمقترحات التي نراها ضرورية علي طريق المعالجةالشاملة.
خامساً: من بدائه الاشياء انه يتعذر علاج اي داء من الادواء اذا ما اخفق الطبيب في تشخيص العلة علي نحو صائب وهذا الامر ينسحب علي سائر العلل سواء كانت سياسية او اقتصادية أو امنية ، ومن الجلي بمكان انه لم يتم حتي الان تشخيص ما يحدث في شرق السودان علي وجه الدقة بواسطة الجهات المعنية علي المستوي السيادي والتنفيذي فضلا عن الحاضنة السياسية للفئات الحاكمة مما يجعل مشروع الحل بعيد المنال. أزمة الشرق لا يمكن تلخيصها او اختزالها في مجرد عراقيل او معوقات تعتري تنفيذ اتفاقية مسار الشرق التي تم توقيعها بواسطة فريق من اهل الشرق في اطار اتفاقية جوبا لسلام وانما يكمن جوهر الازمة في اعتراض فريق آخر من اهل الشرق نفسه علي مجمل الاتفاقية ويرفضها جملة، وفي هذا فان الفريق الرافض يدفع بجملة جديدة من المطالب تستهدف نسخ الاتفاقية القائمة وابرام اتفاقية جديدة في موضعها فضلاً عن مخاطبة أجندات جديدة تتجاوز مطالب الشرق الولائية الي مخاطبة أجندات علي المستوي القومي. واذا ما صح هذا التحليل فان هذه يجعل من ازمة الشرق من مجرد خلاف علي تفاصيل الاتفاقية الي قضية أوسع مدي لا تتعلق بمصير الاتفاقية نفسها بل تتعداها الي ما سواها من القضايا القومية .
سادساً: من حق اي فريق معتبر في شرق البلاد ان يتحفظ علي اتفاقية مسار شرق السودان ويطالب باعتماد مسار تكميلي يستدرك وجوه النقص والقصور المحتمل في ثنايا الاتفاقية اذا ما ترسخت لدي هذا الفريق قناعة بان الاتفاقية لا تمثله او تلبي طموحاته لاي سبب من الاسباب خاصة اذا لم يكن مشاركاً في صوغها في مرحلة التفاوض، او في حالة نشوء اعتقاد لدي فريق بعينه من اهل الشرق بان الاتفاقية تعتبر قاصرة ولا تستوعب اشكالات الشرق وتحدياته العظمي علي النحو المرجو مما يستوجب تعديلها فهذا أمر لا غضاضة فيه ولا يمكن إنكاره . وفي هذا السياق فإن مخرجات مؤتمر سنكات التي عبر عنها الناظر ترك ناظر عام قبائل البجا ورهطه تعتبر مبرراة ومقبولة مع بعض الاستدراكات هنا وهناك ومع ذلك فليس من الحكمة المطالبة بنسخ الاتفاقية باكملها جملة وتفصيلاً لأن في هذا إهدار للجهد والوقت مما يؤذن باعادة مسار الشرق الي نقطة البداية وذلك لان البداية من الصفر تعني اجهاض الجهود المخلصة التي بذلها فريق من ابناء الشرق انفسهم وفي مقدمتهم الاستاذ اسامة سعيد الذي ننوه بجهوده في المحافل الدولية ومن ضمنها المجلس الدولي لجقوق الانسان في الاعتناء بقضايا ولايات شرق السودان وضمان الحقوق المشروعة لاهله. والحال كذلك فلا باس أن يطالب الناظؤ ترك وقومه باخضاع مسار الشرق لتقويم موضوعي معمق يستهدف استدراك ما يمكن ان يكون قد اعتراه من وجوه النقص، والبناء علي جوانبه الايجابية عبر بروتوكول اضافي (ADDITIONAL PROTOCOL) مما يسمح باستكمال الاتفاق الراهن في مؤتمر موسع ، كما أسلفنا، يلتئم في اطاره ممثلو اقاليم الشرق بالقدر الذي يحظي برضاء ومباركة اهل الشرق جميعاً . وفي هذا الاطار ندعو الجميع بما فيهم رعاة اتفاقية سلام جوبا ومجلسي السيادة والوزراء والحواضن االسياسية في جماعات قحت وأطياف المعارضة فضلاً عن زعامات الشرق امؤيدين لمسار الشرق واالمناوؤين له علي حد سواء …ندعوهم جميعا الي الاستئناس بلمنهج التكميلي (COMPLEMENTARY APPROACH) الذي اعتمده الزعيم الراحل الامام الصادق المهدي والاسترشاد بحكمته في التعاطي مع مخرجات الحوار الوطني الذي جري داخل السودان. إذ يحفظ التاريخ للسيد الصادق بما جبل عليه من حكمة ووعي' أنه لم يبادر الي تبني موقف رافض لنتائج الحوار الوطني رغماً عن كون حزبه لم يكن مشاركاً في صوغها لما أدركه من اشتمالها علي بعض مظان الفائدة لاهل السودان ، علي المستوي النظري، مما يجدر قبوله وعدم تنحيته جانباً بالكلمل ، وإنما دعا الصادق الي إجراء (حوار تكميلي) خارج السودان حتي يتسني لطوائف المعارضة في الخارج فضلاً عن مكونات نداء السودان وحركات الكفاح المسلح التي لم يتسن لها المساهمة في صوغ مخرجات الحوار الوطني داخل البلاد لاسباب معلومة المساهمة في بلورة مخرجات حوار وطني يشمل الجميع (INCLUSIVE NATIONAL DIALOUGE ) بحيث تضمن منابر الحوار (الاساسي والتكميلي) مشاركة جميع السودانيين داخل البلاد وخارجها ولا تستثني أحداً (NO ONE LEFT BEHIND) . ويحفظ التاريخ للشيخ المرحوم الترابي وحزب المؤتمر الشعبي موقفا ً قريباً من مبادرة المهدي بتجاوزهما لتراث القطيعة مع المؤتمر الوطني رغم ما لقيه منسوبي الشعبي من رهق وتضييق ومشقة في مسعي لاحداث التغيير المنشود سلماً بلا كلفة باهظة من الضحايا، ولكن مما يؤسف له أن النظام السابق مضي في خطته علي نحو ما يريد مؤثراً قطف ثمار الحوار وتجييرها لمصلحة حزب واحد الا وهو الحزب الحاكم ورئيسه ، وهكذا ادار المتنفذون في نظام الانقاذ اذناً صماء وعيناً عمياء لمقترح الصادق المهدي وفي معيته نداء السودان ،كما تنكروا لمبادرة الترابي بالاقدام علي مبادرة الحوار الوطني بصدر رحب وعقل مفتوح . ولو قدر لقادة نظام الانقاذ ان يصغوا لمقترح السيد الصادق باعتماد (حوار تكميلي) ، ومبادرة الترابي (بانفاذ محرجات الحوار الوطني وفق ما جاء في وثيقة الحقوق والحريات بلا تحريف) فلربما ظفرنا آنذاك بمخرجات حوار جامع يحظي برضاء السودانيين علي اختلاف تنظيماتهم واحزابهم ، ولكان مقدرا لمسار التاريخ ان يسير في اتجاه مغاير ولكن إرادة الله كانت نافذة والمقدرلا بد يكون؟؟!!. ولذا ينبغي علي القائمين علي امر الحكم اليوم الاتعاظ بتجارب التاريخ القريب والاسترشاد بحكمة قادته الذين انتقلوا لرحاب العناية الالهية وهم يقبلون علي مقاربة ازمة الشرق وما سواها من أزمات السودان المستفحلة مع ضرورة استصحاب اهل السودان كافة، الا من ابي، في مشروع الحل والا فاننا سوف نكون موعودين بالولوج الي جحر الضب مرا راً وتكراراً ؟!.
سابعاً: اذا ما صحت الفرضيات المذكورة باعلاه فان هذا يفضي تلقائياً الي مطالبة مجلس الوزراء بعدم الاستقلال بمعالجة أزمة مسار الشرق لوحده بمعزل عن الاجهزة الاخري في الدولة مع الحرص علي إيكال أمر معالجة الأزمة الي الرعاة الاساسيين لاتفاقية مسار الشرق فضلاً عن مجلسي السيادة والوزراء ومجلس الشركاء والحاضنة السياسية حتي يكون في مقدورهم النظر، كل في مجاله، في كيفية التوصل لحلول مستدامة لمسار الشرق من واقع رفض قطاع كبير للاتفاقية.
ثامناً: ربما يقدر البعض أن المحفل المناسب للتعامل مع ازمة الشرق بتعقيداتها المتعددة لا يكمن بالضرورة في اطار مجلس الوزراء وحده لان المجلس يعني في الواقع بانفاذ سياسات وخطط وبرامج تلقي القبول والرضي من جماهير الشرق قاطبة في اطار اتفاقية مجمع عليها الامر الذي لا يجعل من مجلس الوزراء جهة اختصاص او محل تخويل في المقام الاول للتعامل مع هكذا مشكلة، وانما ينبغي ان يقع علي عاتق مجلس السيادة ومجلس شركاء الفترة الانتقالية فضلا عن الحاضنة السياسية المفترضة لحكومة الفترة الانتقالية مسئولية التعامل مع معضلة مسار الشرق وهذا يحتم علي هذه المؤسسات كل في اطار اختصاصة ان تفرد اجتماعات خاصة لدراسة المشكلة دراسة معمقة بالتشاور والتنسيق مع شركاء السلام والوسطاء الذين اشرفوا علي توقيع اتفاقيات السلام شاملا اتفاقية مسار الشرق للنظر في كيفية التعامل مع مشكلة التعثر الملازم لانفاذ الاتفاقية علي مستوي شرق السوان. وفيما نري عجزا بائنا عن اجتراح طريق الحل وفق هذه الرؤية فلم يكن بعيداً ولا مستغرباً ان يحظي قرار الحكومة التنفيذية ممثلة في رئيس وزرائها بتعيين السيد عمار واليا لولاية كسلا برفض عنيف ادي لسقوط العديد من الضحايا لا بل كاد يؤدي لحرب اهلية بين قبائل الشرق ومكوناته التي شهدت انقساما حاداً ما بين مؤيد لتعيين الوالي المحسوب علي قبيلة بعينها وبين معارض شرس لهذا التعيين . لقد كان عزل والي كسلا امرا حكيما ليس من باب كونه لا يصلح للولاية وانما من باب الوعي باهمية درء الفتنة عن طريق عزل وال اضحي بنفسه يمثل مشكلة قابلة لتفجير السلم الاجتماعي لولاية مناط به حكمها بالعدل وهكذا فقد كان الاولي بعمار ان يستقيل او يقال لا لعيب في شخصه وانما من باب الحرص علي تفادي مشكلة مرشحة بالتازم الي ان يتاح وضع الاطار السليم لمعالجة معضلة مسار الشرق بما فيها الكيفية التي يتم عبرها ومن خلالها تعيين ولاة ولايات شرق السودان. وفي تقديري ان الاحتجاجات العارمة التي صاحبت تعيين والي كسلا كان من شانها ان تشكل جرساً للانذار المبكر مما يجعل مجلس السيادة والوزراء والحاضنة السياسية يتنبهون منذ وقت مبكر للمخاطر المحتملة لازمة الشرق وبالتالي يسارعون الي التعامل معها بوعي واقتدار ولكن هذا التناغم لم يحدث بين المعنيين بالامر مما افرز العديد من المضاعفات الخطيرة.
تاسعاً: أما اذا افترضنا جدلاً ان هذا التحليل غير صحيح وان مجلس الوزراء له دور ومسئولية حصرية يتحتم عليه القيام بها الامر الذي حدي به لارسال وفد الي شرق السودان برئاسة الاستاذة مريم الصادق وزير الخاررجية وعضوية الاستاذ خالد سلك وزير شئون الرئاسة ومن سواهم فان معالجة علي هذا النحو من قبل رئيس الوزراء بدورها لم تلق التعاطف المطلوب من جانب الكثير من الدوائر السياسية في الحكم والمعارضة فضلا عن اوساط الراي العام حيث يري الكثيرون ان القرار قد جانبه التوفيق من حيث الشكل والمضمون مما يمكن ان يفضي الي فشل المهمة التي ابتعث الوفد الوزاري لانجازها في نهاية المطاف، وقد بدأت نذر ذلك بالفعل حيث كان الوفد الحكومي يحسب بان مهمته موعودة بالنجاح بمجرد ولوجه لاقاليم الشرق راجياً أن يستقبله الناس بالورود والرياحين بيد أن هذا لم يحدث حيث ووجه الوفد بالعديد من المواقف الصعبة ومن ثم عاد الي المركز محمملاً بتركة من المطالب المثقلة التي يصعب اعتمادها أو قبولها ، ومع ذلك فاننا لا نريد ان نتعجل في اصدار الاحكام حول نجاح مهمة الوفد او فشلها وانما دعونا نمضي في تحليلنا هذا ونرقب ونري ما تسفر عنه الاحداث من مآلات محتملة.
عاشراً: تتتجلي مظاهر عوار الوفد الحكومي المكلف بمعالجة ازمة الشرق ، وفق تحليلنا المتواضع الذي يقبل التصحيح حال ورود خطأ في ثناياه، في ضعف التحضير لمهمة معقدة كان الاوفق أن يجري التحضير لها علي نحو أفضل ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي :
وفي هذا السياق يمكننا القول ابتداءا بأنه لا يعقل ان يعهد رئيس الوزراء برئاسة وفد مناط به معالجة مشكلة داخلية الي وزير الخارجية فيما كان الاوفق ابتعاث وزير ديوان الحكم الاتحادي علي راس المهمة اذا ما كان الامر في الاساس يتطلب تراس وزير لوفد عالي الخطورة هكذا.
ثم انه ليس من الانصاف في حق الدكتورة مريم ان تتكلف مهمة فوق طاقتها قبل ان يتسني لها الوقت لالتقاط انفاسها، سيما وانها قد عادت لتوها من جولة مرهقة جابت فيها اصقاع العالم من نيويورك الي موسكو في مسعي لكسب التاييد لموقف السودان بازاء سد النهضة، لكيما يتم تكليفها بالاضطلاع بملف الشرق قبل أن تفض حقيبتها حتي أو تقدم تقريرها عن هذه المهمة الخارجية الاستراتيجية ناهيك عن القيام باجراء التحضيرات اللازمة لنجاح المهمة ؟!!.
وفيما يقول المنطق البسيط ان المشغول لا يشغل، فان ابتعاث السيدة مريم علي رئاسة الوفد يعطي انطباعاً، نرجو له ان لا يترسخ في اذهان الناس، بانه لا يمكن التعويل علي وزير سوي الدكتورة مريم للتعامل مع اعقد المشكلات التي يعاني منها السودان بمختللف ابعادها ممثلة في سد النهضة وازمة الشرق وهذا فيه افراط في امر الدكتورة مريم وتفريط فيمن سواها من الوزراء الذين كان في مقدورهم الاضطلاع بمسئولية ملف الشرق التي تم إيكالها للدكتورة مريم.
ثم أن صدور تكليف كهذا للسيدة مريم برئاسة الوفد علاوة علي مافيه من مظنة ارهاق مع اشتمال المهمة علي كثير من التعقيد من شانه ان يحسب بصورة سالبة في غير مصلحة حزب الامة اولاً وفي غير مصلحة الدكتورة مريم ثانيا سيما وانها ووجهت (بتنقيدات) عديدة في مجمل تعاملها مع ملف سد النهضة بين يدي جلسات مجلس الامن وما سبقه وما اعقبه من زيارات عدة حيث لم تحظ الزيارات بالنجاح المرجو وفق تقديرات بعض أهل الاختصاص.
مسالة أخري لا تقل خطورة عن سابقاتها، إن لم تتفوق، وهي ان منصب وزير الخارجية يتطلب قدرا كبيراً من التركيز علي معالجة العديد من الملفات الاخري التي لا تحتمل التاجيل مع تعدد المهام الخارجية لوزير الخارجية وطول تسفارها الامر الذي ترك الكثير من القضايا الحساسة والمهام العاجلة قيد الانتظار مع عدم وجود وزير للدولة يتولي تصريف المهام الحساسة حال غياب الوزيرة . وهكذا اضحي اداء الوزارة عرضة للانتقاد الشديد من قبل المطلعين علي خفايا العمل الدبلوماسي والعارفين بخفايا الامور، ولذا يجدر اتاحة الفرصة للدكتورة مريم لإنجاز مهامها الاساسية المتعلقة بوزارة الخارجية وعدم تحميلها فوق طاقتها وارهاقها باعباء اضافية علي المستوي الداخلي مما يمكن ان يتسبب في تعريض اطار تفويضها الاساس في وزارة الخارجية للقصور للفشل سيما مع بقاء العديد من الملفات الحساسة التي تندرج في اطار اختصاص الوزارة للتعطيل أو الارجاء (PENDING FILES)، ونسوق علي سبيل المثال قضية إحكام التنسيق والتعاون مع البعثة الاممية ونظيؤتها الوطنية فضلاً عن حسم الفوضي التي تعج بها بعض وكالات الامم المتحدة العاملة بالسودان التي استغل منوبوها الدائمون من الكادر الدولي فرصة غياب الجهات الرقابية الي جانب عدم اعمال وظائف التعاون الدولي في الضبط والتقويم والمتابعة لكيما يعيثوا فسادا وغطرسا وغرورا من جهة عدم تكلفهم طاقة الرد علي شكاوي الموظفين واستجوابات وزارة الخارجية علي التجاوزات العديدة التي يقترفونها في حق الكادر الوطني وهم بمنجي عن المساءلة ، وياتي سلوك مسئولي صندوق الامم المتحدة للسكان ممثلاً في شخص السيد المدير القطري (مسيمو) ونائبه (متين) بالسودان كابرز الامثلة الدالة علي استخفاف الوكالات الاممية بحكومة السودان مما يستلزم وقفة جادة وتشكيل لجنة للتحقيق من قبل الوزارات المعنية ممثلة في الخارجية والتعاون الدولي والتنمية الاجتماعية بازاء هذه التجاوزات الخرقاء التي لا ينبغي السماح لها بالمرور هكذا من قبل حكومة تحترم نفسها ومواطنيها مثل حكومة ثورة ديسمبر .
حادي عشر: من دلائل انعدام التحضير او ضعفه، وفقا لافضل التقديرات تفاؤلاً، عدم الالمام او الاحاطة بتكوين وفد الشرق الذي يعتزم الوفد الحكومي التفاوض معه في شرق السودان ، فاذا ما علم السيد رئيس الوزراء بان تكوين الوفد خالي من النساء وهو الامر المتوقع في شرق السودان بتقاليده الصارمة التي لا تتيح كبير مجال لمشاركة المرء في الشأن العام الامر الذي لا نقره ولا نتفق معه بالطبع فليس من الحكمة إذاً ان يبعث حمدوك وفداً حكومياً تتراسه إمرأة هي الدكتورة مريم المهدي ولا يجئ حكمنا هذا من باب التقليل من شأن السيدة مريم ولا حتي من باب إنكار حق المراة السودانية ، مريم او من سواها من النساء، في رئاسة الوفود او تولي الولاية الصغري ناهيك عن الكبري لاننا علي المستوي الشخصي من اكبر المحتفين بالادوار العظمي التي لعبتها المراة السودانية من اقدم العصور مرورا بالثورة المهدية حتي يومنا هذا ، كما اننا لا نقل قناعة عن الكثيرين بأن المرأة السودانية سوف تسجل نجاحا مقدرا اذاما اتيحت لها الفرصة في تقلد منصب رئاسة الجمهورية . ولكن يستند حكمنا في عدم حكمة تولي مريم لرئاسة الوفد من باب كونه يشكل امرا صادما لوفد الشرق الذي لم يصرح جهارا عن استنكاره لهكذا قرار من قبل حكومة حمدوك وان اسرها الوفد في نفسه ، ومن الجانب الاخر كان مستغرباً ان تتساءل السيدة مريم المهدي عن خلو وفد الشرق من اية تمثيل للمراة متساءلة اين النساء في حين ان السؤال المنطقي الذي كان ينبغي ان يطرحه الوفد الحكومي برئاسة مريم علي نفسه هو : ما العلة وراء غياب نساء الشرق عن كثير من المحافل بما فيها منبر التفاوض بصفة عامة وليس هذا المنبر تحديداً ؟!! تساؤل في غير موضعه كهذا يجعل السيدة مريم ووفدها المفاوض وكانهم لا يدرون شيئاً عن الطبيعة المحافظة لمجتمع الشرق الذي لا يحبذ مشاركة المراة في الشان العام لاسباب ثقافية موروثة تتعلق بتركيبة هذا المجتمع ولو اجري الوفد الحكومي استشارات قبلية في اطار تحضي جيد مع الاشخاص المنتمين للشرق من امثال الدكتورة نور عبد الله الحسن حفيدة الناظر دقلل زعيم قببيلة البني عامر ، او الاستاذة هنادي حسين مدير منظمة تنمية المراة بشرق السودان، أو الاستاذة الناشطة تراجي مصطفي العالمة بأحوال الشرق وطبائع أهله لأنبئوهم بالخبر اليقين الامر الذي كان من شانه أن يسهم في تجنيب مختلف الاطراف في الوفد الحكومي ووفد الشرق المفاوض حرجا عظيما متبادلا كان في الوسع تجنبه. وفي هذا السياق ندعو السيد رئيس الوزراء للاستئناس باراء الشباب من امثال الدكتورة فاطمة ابنة الدكتور محمد الامين محمد اسماعيل المدير الاسبق لجامعة النيلين والدكتورة ابتسام محمد علي اختصاصي القلب لا سيما وان الدكتورة فاطمة التي تنتمي لقبيلة البجا قد احرزت المركز الاول في الشهادة الثانوية علي مستوي السودان مما حفزنا انذاك الي الاحتفاء بنجاها بمقال خاص بعنوان (المراة في شرق اسودان والخروج من القوقعة). ولو كنت في موقع حمدوك لدعوت فاطمة وما سواها من النابغات من شباب البجا للاسهام الفاعل في الارتقاء بوضع المراة البجاوية بعامة وتفعيل دور نساء الشرق في بناء السلام بخاصة. ما دفعنا لهذا الطرح ان جمهرة الراي العام والساسة تركوا امر زيارة الوفد الحكومي ونحوه جانباً وانصرفوا الي تناول تعليق مريم علي تكوين وفد الشرق من زاوية خلوه من النساء مما حدا بنا الي صوغ هذا المقال طمعاً في اعادة ترسيم قضية شرق السودان وجعلها تتموضع في الموضع الصحيح بعيداً عن التعليقات الانصرافية والتحليلات الساذجة.
ثاني عشر: الاغراق في التسطيح والتهويم في القضايا الانصرافية جعلت الساسة في اروقة الحكم وطوائف المعارضة لا بل قادة الراي في مختلف وسائل الراي العام ووسائل التواصل الاجتماعي ينشغلون بما تفضلت مريم باثارته من ملاحظات حول غياب المراة البجاوية في منابر التفاوض فيما كان يتوجب علي هؤلاء الانشغال بجوهر القضايا الرئيسة محل التفاوض والتي لم تحظ بنقاش معمق عبر اخضاع اتفاقية مسار الشرق نفسها لتحليل نقدي مكثف مما يتيح الحكم لها او عليها، وهي مهمة جليلة لم يتوفر عليها الوفد الحكومي، بكل أسف، لا من حيث التحضير ولا من حيث التكليف في اطار مؤكد للاختصاص؟!.
ثالث عشر: وفيما نستشرف دور ايجابي يمكن للمراة ان تلعبه في شرق السودان لتشجيع التعايش السلمي بين الاجناس والقبائل وترسيخ السلام وتوطيد اركان التعايش الاجتماعي فيحسن بنا الاحتفاء بالعديد من التجارب الناجحة والنماذج الجدية في التراث السوداني والعالمي فيما يلي مشاركة المراة في فض النزاعات وبناء السلام، فقد احتضنت وزارة التنمية الاجتماعية العديد من الانشطة وورش العمل في هذا المجال ويبقي التحدي الاكبر امام الاستاذ احمد ادم بخيت ان يعمل علي تحريك هذا الملف ونقله من الاطار النظري علي مستوي ورش العمل في القاعات المغلقة الي واقع عملي في المناطق المازومة التي تشكل بؤرا نشطة للنزاعات المزمنة في شرق السودان وما سواه من المناطق ولا ننسي في هذا المقام بالتنويه بمساهمات الاستاذة سامية نهار وصويحباتها في هذا المجال ، كما انه يجدر في هذا السياق التنويه بجهود مقدرة تم بذلها في سياق انشطة ما اصطلح علي تسميته بمجموعة العمل (TASK FORCE) حيث اشرفت بعض المجموعات النسوية بقيادة الاستاذة سامية الهاشمي والبروفسور نوال خضر والدكتورة تماضر أحمد والاستاذة مواهب محمد أحمد الحاج الزاكي وصفاء العاقب علي تطوير مبادرات لتفعيل دور النساء في احلال السلام في كل من ولايات دارفور جنوب كردفان والنيل الازرق اعمالاً للقرار الصادر عن مجلس الامن الدولي بالرقم 1325 وهي تجارب جيدة يحسن تكرارها مع وضع منطقة شرق السودان كاولوية قصوي في اي حراك مستقبلي يستهدف اشراك نساء الشرق في اي تسوية شاملة لازمة مسار الشرق . ولو كنت في مكان الدكتورة مريم لحرصت علي استصحاب جهود الاخوات المذكورات بعاليه من مجموعة العمل حول بناء السلام ومن سواهن من الناشطات في مختلف المحافل سيما وأن السيدة مريم لا يخفي عليها بالطبع طبيعة هذه المبادرات النسوية التي تستهدف تحقيق السلام من منظور نسوي لانها كانت جزءا لا يتجزأ منها ، ولعل السيدة مريم علي دراية بالدور الدبلوماسي الذي ينبغي أن تضطلع به مؤسسات المجتمع المدني النسوي لخدمة قضايا البلاد في مجالات بناء السلام واعادة الاعمار والتنمية.
رابع عشر: لا تخلو البلاد من بعض المبادرات العاملة في مجال رصد وتقويم اتفاقيات السلام ونذكر منها مبادرة المركز السوداني للديمقراطية التي يضطلع بها الدكتور عمر الخير ومجموعة من قيادات المجتمع المدني حيث انجزوا تقريرا يتناول تقويم تنفيذ اتفاقيات السلام، غير ان اغلب هذه المبادرات تكاد تغفل حقيقة تدني تنفيذ اتفاقيات السلام بعامة ومسار الشرق بخاصة مع عدم رصد التمويل لانفاذ الاولي ووضع الاخيرة في طور التجميد (On Hold) لكي نفاجأ بانخفاض نسبة التنفيذ وتدنيها الي حد كبير . ونحن اذ نحتفي بهكذا مبادرات تعتني برصد اتفاقيات السلام فاننا نحسب بأن دور المجتمع المدني لا يقتصر علي الرصد والمتابعة واصدار التقارير وانما ينبغي ان يضطلع المجتمع المدني بدور فاعل في فض النزاع وبناء السلام عبر جهود المنظمات فرادي وجماعات عبر اليات التشبيك العلمي (SCIENTIFIC NETWORKING) . وفي هذا السياق ندعو الناشط المعروف الاستاذ (محمد فول) ومن سواه من النشطاء لكي يضطلعوا بدور فاعل في هذا الاتجاه، ولم لا يبادر السيد فول وصحبه بتفعيل دور المجتمع المدني لبناء السلام خاصة وانه يلقي مقبولية لدي مؤسسات المجتمع المدني التي تحتاج لمن يقودها عوضاً عن التشرذم الذي تشهده حالياً في ظل افتقار المجتمع المدني لقيادة رشيدة من جيل الشباب تاخذ بزمامه الي بر الامان ؟!!.
خامس عشر: يلزمنا التاكيد تارة اخري بانه اذا كانت هنالك حاجة ملحة لإسناد مهمة وفد شرق السودان لمجلس الوزراء فحري برئيس الوزراء نفسه ان يضطلع بمسئولية قيادة الوفد المفاوض في شرق السودان وجدير به أن لا يوكل هذه المهمة الحساسة لغيره من الوزراء او المسئولين مع الحرص علي استصحاب الوزراء المعنيين واصحاب المصلحة من شركاء السلام في فصائل حركات الكفاح المسلح في معالجة معضلة مسار الشرق ، ويصبح هذا المسعي التشاركي مطلوبا بشدة من باب ان مسار الشرق نفسه جاء ثمرة لكفاح حركات الكفاح المسلح ولولا جهد الحركات وجهادها لما برز الي حيز الوجود مسار يعتد به لغرب السودان او جنوبه أو شرقه في حقيقة الامر.
سادس عشر: من دلائل الاضطراب في معالجة ملف السلام ورصد التقدم الفعلي علي صعيده انما يكمن في الافتقار الي عقل جمعي (MASTER MIND) يعمل علي احداث التناغم المطلوب لصناعة السلام واستدامة بنائه علاوة علي التنازع علي الجهة المحورية (FOCAL POINT) المناط بها ريادة خطة السلام مما تسبب في غياب الالية الرئيسة للسلام او تغييبها فالكل لا يكاد يلمس اثرا ملموساص للمجلس الاعلي للسلام او المفوضية التابعة له حيث لم يتم تعيين مفوض للسلام وفق إتفاقية السلام علاوة علي عدم وضع قانون المفوضية الذي جاء بعد ولادة قيصرية موضع النفاذ حتي الان وهي متطلبات ضرورية لا يمكن انجاز رسالة السلام ما لم يتم توفرها علي نحو لائق.
سابع عشر: ونختتم هذا المقال من حيث بدانا منوهين بدور الثورة المهدية في تحفيز المراة في مجالات الجهاد التي اضطلعت بادوار تاريخية قمينة بالفخر لمصلحة تحرير السودان وارساء السلام مما يحسن تمثله في حقبتنا الراهنة، ونسوق اسماء مثل رابحة الكنانية ووالدة بابكر بدري كنماذج باهرة ينبغي الاحتفاء بها وتمثل سيرتها في مسيرة النهضة والبناء في سودان الثورة حيث لم تتواني رابحةالكنانية عن الاقدام علي دور بطولي محفوف بالمخاطر لاستنقاذ جيش المهدي ، كما اضطلعت والدة بابكر بدري بدور مشهود سطره ابنها بابكر بدري بنفسه في مذكراته حيث كان لها القدح المعلي في حض زوجها وابنها علي الالتحاق بركب الثورة المهدية، ولم تتواني في حفز ابنها للانخراط في صفوف جيش الامير عبد الرحمن النجومي مخلفة لاحفادها بخاصة والاجيال اللاحقة بعامة قصص تروي وعبر تستخلص . غير ان مما يؤسف له ان بعض الاساتذة من جيل الاحفاد لم يكونوا علي قدر التحدي حيث كان دور أحدهم مخيباً لطموحات جيل الشباب وهم يرومون المشاركة في التغيير الذي انتظم الشارع الثوري، ليجهد ذات الاستاذ في الحؤول دون خروج طالبات الاحفاد للالتحام بالشارع في اطار ثورة ديسمبر حيث سجلت ذاكرة التاريخ ملاحقة الاستاذ المعني للطالبات داخل حرم الاحفاد وتعنيفهن مما أثار اشمئزاز المجتمع العلمي والحقوقي ؟؟!!. ولو بعث الاسلاف علي قيد الحياة ورأوا ما يحدث لكان لهم شأن آخر مع بعض الاساتذة من جيل الاحفاد !! ويبقي القول ان ما خلفه آل بدري من تراث مستمد من تضحيات الحقبة المهدية ونضالاتها لا ينبغي أن يؤول الي مجرد منهج نظري يصلح للتلقين في المعاهد والجامعات وانما ينطوي ذلك التراث من ألوان المواقف البطولية التي خطها الاسلاف مما يعتد به ويفتخر في مغالبة التحديات العظمي التي تمر بها بلادنا في مختلف الحقب والآجال.
الخرطوم في
24 يوليو 2021 م
د. فتح الرحمن القاضي،
رئيس مجموعة المدافعون السودانيون عن حقوق الانسان
Dr. Fath Elrahman Elgadi, Chairperson,
Sudanese Human Rights Defenders
Tel: +249912219666
E – Mail: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.