انسحابه المفاجئ من سباق الانتخابات الرئاسية، في العام 2010، دون إبداء أسباب واضحة، والصمت الذي أثاره، أحبط كثيراً من داعميه ومؤيديه، وخصم من رصيده الجماهيري أكثر بحسب مراقبين، إذ ما زال هذا السؤال يتجول في أذهان الكثيرين، إضافة إلى ميله لما يُسمّيه بالمصالحة الوطنية، مع الإسلاميين المعتدلين، ضمن تسوية سياسية شاملة. ياسر سعيد عرمان، والذي صدر قرار من رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، يقضي بتعيينه مستشاراً سياسياً بمكتبه. ويتقلّد عرمان حالياً تنظيميا منصب نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح مالك عقار، أبرز الفصائل الموقعة على اتفاق سلام جوبا مع الحكومة الانتقالية. وعرمان واحد من السياسيين السودانيين، المثيرين للجدل منذ انضمامه، وهو طالب جامعي للحركة الشعبية لتحرير السودان، ويمتلك عرمان خبرات سياسية كبيرة اكتسبها خلال تدرجه الطويل في صفوف الحركة الشعبية، مقرباً من زعيمها الروحي الراحل د. جون قرنق، وفي جبهات القتال أو في ردهات التفاوض، كما له سابق تجربة في العمل البرلماني إبان الفترة الانتقالية التي أقرتها اتفاقية نيفاشا بين النظام المباد والحركة الشعبية لتحرير السودان. فكيف ستكون ردة فعل الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، من تعيين عرمان المنشق عنها مع آخرين في 2017م، وتأثير ذلك على المفاوضات الحالية بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية فصيل الحلو؟ يقول الكاتب والمحلل السياسي زاهر عكاشة ل(مداميك) إن الحركة الشعبية تنظر للأمر من زاوية واحدة، وهي الحكومة الانتقالية، ومدى جديتها في إحداث اختراق حقيقي في مفاوضات السلام المتوقفة حالياً، وتعيين عرمان يأتي في إطار برتوكول السلطة ضمن اتفاق جوبا للسلام، وهو جزء من ائتلاف عريض يمثل الحكومة الانتقالية. يواصل عكاشة حديثه حول عرمان وعلاقته السابقة بالحركة: "أعتقد أن الحركة الشعبية كمكون يسعى إلى مخاطبة جذور الأزمة السودانية ضمن حوار سلام مع الحكومة، لن تتوقف في مسألة من هو المفاوض، وفي الأخير كل من يمثل الحكومة الانتقالية في المفاوضات، هو بالنسبة لها مقبول". يقول محللون سياسيون إن "انسحاب عرمان المفاجئ من سباق الانتخابات الرئاسية، في العام 2010، دون إبداء أسباب واضحة، والصمت الذي أثره، أحبط كثيراً من داعميه ومؤيديه، وخصم من رصيده الجماهيري الكثير، إذ مازال هذا السؤال يتجول في أذهان الكثيرين، بالإضافة إلي ميله لما يسميه بالمصالحة الوطنية، مع الإسلاميين المعتدلين، ضمن تسوية سياسية شاملة. بعض المحللين السياسيين، يرون أن تعيين عرمان مستشاراً قرار موفق، وسيدعم الحل التفاوضي مع حركة عبد العزيز الحلو، بحكم اتفاق الرجلين، الحلو وعرمان، على ثوابت الدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية، إلاّ أن موقف الحركة الشعبية جاء بتحفظات، من خلال تصريحات صحفية ل(الجريدة)؛ حيث قال القيادي بالحركة الشعبية جناح الحلو وعضو وفد التفاوض الدكتور محمد يوسف المصطفى: "حمدوك حر ويتحمل المسؤولية في التعيينات، وهذه مسؤوليته ولا شأن لنا بها ولسنا طرفا في حكومته"، وزاد المصطفى: "إذا جاء أحد منهم في وفد التفاوض الحكومي سيكون التفاوض بيننا غير مباشر، لن نرفض التفاوض، لكن سيكونون في غرفة ونكون نحن في غرفة أخرى والوسيط يأخذ كلامنا ويأتي لنا بكلامهم". الكاتب والمحلل السياسي محيي الدين جمعة، يقول ل(مداميك) إن تعيين عرمان لن يؤثر سلبياً على مجرى العملية السلمية وسوف لن تستقبل الحركة الشعبية هذا القرار باستغراب، فمن قبله تم تعيين مالك عقار عضواً بمجلس السيادة، ويضيف: "انعكس انشقاق الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار على مستوى قضايا والمرتكزات الأساسية لمشروع السودان الجديد، وموقف الحركة الشعبية موقف ثابت عبرته عنه في وثيقة الاتفاق الإطاري وأكده المؤتمر الاستثنائي لمجلس التحرير الثوري بكاودا ولا يتأثر الموقف بتعيين أو فصل أحد في حكومة الفترة الانتقالية، وهذه مسألة مرتبطة بمصير السلام". ولا يعتقد جمعة أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عيّن ياسر عرمان مستشاراً سياسياً له بغرض تعطيل عملية السلام، لكنه يقول: "ربما يأتي ذلك في سياق وحدة القوى والانسجام في أداء رئاسة الوزراء لمعالجة قضايا الفترة الانتقالية، ونعلم أن هناك خلافات بين مكونات قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية في التعاطي مع قضايا الفترة الانتقالية وخاصة في الملفات المُتعلّقة بالسلام وكذلك الترتيبات الأمنية وتوزيع الوظائف القيادية في الخدمة المدنية". أيضاً يتفق الصحفي والمحلل السياسي عمرو شعبان، مع سابقيه، في أن الحركة الشعبية لن تبدي أي ردة فعل تجاه هذه الخطوة، باعتبارهاً شأناً يخص الحكومة، وأن تعيين عرمان يجب أن يكون قوة دفع ورصيد جديد لدفع التفاوض باتجاه مخاطبة الأزمة الحقيقية، وهي نقطة يتفق فيها ياسر مع الحلو. ولكن شعبان عاد بالتعليق ل(مداميك) على توقيت تعيين عرمان مع إعلان تلفون كوكو رئيساً للحركة في جوبا، وتأثير ذلك على موقف الحلو من العملية السياسية برمتها. مداميك