تصطدم محاولات السودان لتطوير وتنويع قطاع التعدين بعقبات من بينها تحديات الاكتشاف والبحث والتنقيب التي تتطلب تمويلات كبيرة قبل تحفيز المستثمرين، وهو ما دفع الحكومة الانتقالية إلى وضع استراتيجية لتحقيق الاستفادة المثلى من القطاع الذي يدعم مخزون العملة الصعبة والنمو. الخرطوم – أعلنت وزارة المعادن الاثنين عن استراتيجية جديدة لتنويع إنتاج المعادن وإيجاد قيمة إضافية لها بما يعود بالنفع على بلد هو في أمسّ الحاجة إلى تنشيط القطاعات الاستخراجية لرفد خزينة الدولة الفارغة بعوائد مالية مستدامة. وتزايدت في السنوات الأخيرة ضغوط الأوساط الاقتصادية على السلطات لإنقاذ صناعة التعدين التي تشتد حاجة الخرطوم إلى عوائدها بسبب الشلل والفوضى، اللذين يعمّان الاقتصاد بعد عقود من السياسات المتخبطة. ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى وزير المعادن محمد بشير عبدالله قوله خلال زيارته لأحد مصانع جبل عامر لإنتاج الذهب إن "الدولة تعوّل على قطاع المعادن والوزارة ستعمل على تنويع المعادن وتنظيم الموارد والإنتاج". واعتبر أن جبل عامر يعتبر محطة مهمة للعمل بالوزارة لاسيما وأن به مخزون كبير من المعادن. وأشار في الوقت ذاته إلى أن المقصود بالتعدين ليس التركيز على الذهب وحده، ولكن يجب أن يشمل جميع المعادن لجهة أن هناك معادن لها عائدات أكثر من الذهب. ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع طيلة السنوات الماضية، فإن السودان عجز عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليه وزيادة احتياطاته النقدية من العملة الصعبة. في المقابل، هناك مشكلات تمويلية تواجه المستثمرين لأن القطاع يحتاج إلى طول نفس فهو يبدأ بعملية البحث والاستكشاف والتقييم وتطبيق طرق البحث الجيولوجية وعمليات التحليل المخبري ثم تأتي عملية الإنتاج في المرحلة الأخيرة. كما أن الاستثمار في قطاع التعدين فيه الكثير من المخاطرة، لأن عمليات الاستكشاف الباهظة قد لا تحقق العوائد المرجوة. ويعد قطاع التعدين من أبرز موارد السودان، ويسعى البلد إلى تنميته بهدف تعزيز إسهاماته في دفع الاقتصاد من خلال برنامج إعادة هيكلته. ويمتلك السودان ثروات هائلة من المعادن، لكن الحكومات المتعاقبة منذ استقلال البلاد عام 1963 لم تتمكن من استغلالها في إنعاش الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة السودانيين. وتنتشر أماكن التعدين التقليدي للذهب في أكثر من 800 موقع بمعظم ولايات السودان الشمالية والغربية، التي يبدو أنها لم تستغل بالشكل المطوب. وكثف السودان جهوده لتعزيز إيرادات البلد عبر الاستثمار في قطاع التعدين لمضاعفة الإيرادات ودفع الاقتصاد خاصة في ظل الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، والتي ضاعفت من حدتها أزمة كورونا. وظهرت منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير محاولات حثيثة من أجل تطوير قطاع التعدين الذي يعد من أبرز موارده بهدف تعزيز إسهاماته في دفع الاقتصاد من خلال برنامج إعادة هيكلته. ومنذ العام 2015، قفز عدد الشركات العاملة في مجال المعادن بالبلاد إلى 120 شركة محلية وأجنبية، في ظل اهتمام الدولة بهذا القطاع بعد خسارة عوائد النفط إثر انفصال الجنوب في 2011. ورغم هذا العدد من الشركات، فإن عدد تلك التي وصلت إلى مرحلة الإنتاج لا يتجاوز عشر شركات فقط باحتياطات تجاوزت 940 طنا من الذهب. وتؤكد عدة مؤشرات أن الجزء الأكبر من هذه الشركات لا تزال في مرحلة الاستكشاف وربما قد تكون توقفت بشكل مؤقت بسبب الظروف التي تمر بها البلاد حاليا. وتشير تقديرات الشركة السودانية للموارد المعدنية الحكومية إلى أن 86 في المئة من المساحات المقترحة في قطاع التعدين غير مستغلة. وكان المدير العام للهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية محمد سعيد زين العابدين قد أعلن الشهر الماضي أن الهيئة أجرت دراسات ومسوحات عن المعادن في عدد من الولايات طيلة الفترة الماضية. وقال زين العابدين خلال توقيع 9 اتفاقيات للتعدين عن الذهب والنحاس مع شركات وطنية وأجنبية إن "الهيئة تمثل الذراع الفني لوزارة المعادن وتقدم المشورة الفنية في مجال المعادن في البلاد". وشملت المسوحات الاستكشافية خام الحديد في منطقة الملاجة ومنطقة أبوطليح، إلى جانب إجراء دراسة جيوفيزيائية بولاية شمال دارفور وأخرى بجبال النوبة. وأعلن السودان في شهر ديسمبر الماضي عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركتي مناجم المغربية ووامبو صحاري الصينية، بهدف التنقيب عن الذهب في البلاد. وقال وكيل قطاع التعدين بوزارة الطاقة والتعدين محمد يحيى حينها إن "مناجم ووامبو صحاري ستعملان بالشراكة مناصفة في أعمال استكشاف الذهب والمعادن المصاحبة له في ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر". ولفت إلى أن الشركتين ستنفقان نحو 250 مليون دولار على أعمال الاستكشاف، خلال عامي 2021 و2022. ويعول السودان على الذهب لتعويض فقدانه 80 في المئة من موارد النقد الأجنبي بعد خسارة ثلاثة أرباع عائداته النفطية، إثر انفصال جنوب السودان في يوليو 2011. وبينما يعد البلد من ضمن أكبر ثلاثة منتجين للذهب في العالم، فإن القطاع غير المنظم للتنقيب يستحوذ على أغلبية الإنتاج، الذي يصعب إحصاؤه لعمليات بيعه وتهريبه بعيدا عن القنوات الرسمية. وقال مبارك أردول مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية في تصريحات سابقة للأناضول إن "98 في المئة من العقود في مجال التعدين تستهدف استخراج الذهب والباقي للمعادن الأخرى وأن معظم الشركات تعمل في مجال الاستكشاف والقليل منها في مرحلة الإنتاج". كما أشار إلى أن إنتاج بلاده الرسمي من الذهب لا يتجاوز 25 طنا سنويا، عبر شركات معالجة المخلفات والتعدين الصغير وشركات الامتياز الكبيرة. ووضعت الشركة السودانية للموارد المعدنية العديد من الخطط والسياسات للعام الحالي للمساهمة في تطوير وتنظيم التعدين التقليدي بالولاية الشمالية والمحافظة على سلامة المعدن واستخراج أكبر كمية ممكنة من الذهب.