تباينت الآراء وسط متعاطي السياسة من اليمين واليسار وأنصارهم ؛ بين قبول ورفض مبدأ وفكرة ( المصالحة الوطنية )، فقد عاد مشهد المصالحة الوطنية في السودان إلى السطح من جديد، فيما انتشر في الساحة السياسية من قبل بعد ان تسرّبت وقتها أخبارا تفيد بأن اتصالات تدور بين مسؤولين حكوميين وقتها وإسلاميين، بهدف الوصول إلى صيغة وتسوية سياسية، تضمن مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية، مقابل وقف العداء والتصعيد تجاه الحكومة الانتقالية، ثمّ الوصول إلى الاستحقاقات الدستورية بإقامة انتخابات حرة ونزيهة تضمن استقرار البلاد وتأتي بمن يختاره الشعب لحكم البلاد لانهاء حالة الاستعداء التي تشهدها البلاد بين المكونات السياسية. ومؤخرا انطلقت مبادرة المصالحة الوطنية في نسخة جديدة بعد ان فشلت المبادرة الاولى من ان تنال قناعات السياسيين حكومة ومعارضة لتتعمق الهوة السياسية الداخلية على نحو مريع. بيد ان للكثير من التنظيمات السياسية المختلفة رأئ واضح حول المصالحة مع التيار الإسلامي وبعضها ممثل في قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول بامر الثورة، والذي حكم البلاد 30 عاماً، مستخدماً قبضته الحديدية ومارس خلالها إقصاءا سياسيا ضد احزاب قوى المعارضة. مواجهة تيارين: وقد تباينت وجهات النظر حول موضوع المصالحة الوطنية بين بعض قيادات الاحزاب السياسية من الجانبين وشهدت العديد من المشادات بين الطرفين. وقد كان لدكتور امين حسن عمر القيادي الاسلامي راي مختلف حول موضوع المصالحة مقللا عن الحديث عنها في هذا الوقت مشيرا الى ان المطلوب في هذا الوقت اصلاح الدولة ونظامها السياسي المعطوب حسب وصفه وليس مصالحة بين الاسلاميين ونظرائهم في الحكومة الانتقالية. وارسل دكتور امين تغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي سخر خلالها من اليساريين وطالبهم خلالها بضرورة التعلم من الديمقراطية التي يدعون انهم يعتنقونها وقال انها غالبا ما تتحول عندهم لبقرة مقدسة لا تحلب ولا يقربها احد. بيد ان الاستاذ ياسر سعيد عرمان شن هجوما عنيفا عبر اليوم التالي على المبادرة وقال على الشعب ان يرتدي سترة واقية ضد الفلول والشمولية متهما اياهم بمحاولة قطع الطريق امام الفترة الانتقالية وتعطيل تنفيذ اتفاقية سلام جوبا، وقال عرمان ل(اليوم التالي) ان المصالحة كلمة اريد بها باطل لاعادة انتاج حزب المؤتمر الوطني، الفاشي غير انه موغل في دماء شهداء الامة السودانية الاخيار . وقال ياسر عرمان حتى لا يتم تشويه آرائي والسطو عليها من قبل الفلول كما تم تشويه الوطن والسطو عليه من قبلهم لثلاثة عقود، . محذرا في ان المصالحة مع (الوطني) ستعمل لاعادة إنتاج الانقاذ مطالبا بإزالة لجنة إزالة التمكين. وقال ان اامصالحة سوف تعمل إطلاق غول الصراعات القبلية ضد طوفان الثورة. مذكر بان الانتخابات المبكرة آلية لقطع الطريق على الإنتقال مشيرا الى ان هذان الأمران لا يغيبان عن الشعب وان الثورة تسندها عناية شعبية والهية وما ضاعت ثورة ورائها شعب. وزاد عرمان انه وبعد أن فشل من اسماهم بالفلول في القفز بزانة 30 يونيو 2021 نحو السلطة فإنهم بدءوا تحويل قواعد لعبتهم نحو المصالحة الوطنية مشيرا لليوم التالي بانها كلمة باطل أريد بها باطل لإعادة إنتاج حزب المؤتمر الوطني الفاشي، ولا يمكن ان نطالب بذهاب قادته للاهاي والتعامل مع المحكمة الجنائية في جرائم الابادة والحرب ونطالب بالمصالحة معه، مؤكدا ان المؤتمر الوطني لا يمثل التيار الإسلامي العريض، وهو صاحب الدولة الموازية وطالب بمحاكمة قادته وفق القانون لا اطلاق سراحهم وتمكينهم من التمهيد لثلاثين يونيو جديدة، ولا بد من بناء مؤسسات مهنية لكافة السودانيين. واكد عرمان بأن لجنة إزالة التمكين، تحتاج إلى تطوير وإصلاح وتقويم منهجي، وتحتاج إلى مجلس تشريعي يسندها لاستبدال ترسانة القوانين المسلحة التي وضعها حزب المؤتمر الوطني، وقال ان إزالة (لجنة إزالة التمكين ) تعني ترك المؤتمر الوطني حاكما من وراء حجاب، وترك الدولة الموازية. هذا جوهريا ما سيحدث. وحذر عرمان من إطلاق غول الصراعات القبلية، ضد طوفان الثورة مشيرا الى انها محاولة لامتصاص رحيق الثورة وتشتيت وحدة قواها ومحاصرتها من الريف، وهي ثورة انطلقت من الريف والمدن، ويجب أن نقاوم ذلك. مطلوبات عرمان: واكد عرمان ل(اليوم التالي) ان الدعوة لانتخابات مبكرة انما هي لقطع الطريق على الإنتقال وعلى تنفيذ إتفاق السلام وجمع السلاح في يد القوات المسلحة المهنية وفق الترتيبات الأمنية، وإصلاح وتحديث القطاع الامني والعسكري، وعدم اكمال التفاوض مع الآخرين، وهي روشتة للحرب وليست روشتة للانتخابات، موضحا بان اجندة من اسماهم بالفلول ترفض استكمال اجندة الثورة والتي هي مسؤولية الشعب والجماهير. رفض الاسلاميين: من جهته اكد د. اسامة توفيق القيادي الاسلامي ل( اليوم التالي) ان المصالحة الوطنية معني بها مصالحة مكونات قحت وان الاسلاميين غير معنين بها مشيرا الى انها محاولة شراء وقت فقط مثل سنعبر وسننتصر وتشكيل المجلس التشريعي. مؤكدا ان كل الامر (سواقة خلا وشراء وقت) قاطعا بان القضية ليست مصالحة وقسمة مناصب لانها بالتأكيد ستكون فاشلة مثل تجربة الحوار الوطني للانقاذ، وقال ان الاصلاح الدستوري يعني العودة لدستور 2005 م و الفصل بين السلطات، تنفيذية تشريعية، قضائية واعلامية، و سيادة دولة القانون والعدالة. مشيرا الى ان من عليه تهمة يقدم لمحاكمة عادلة او يتم اطلاق سراحه. منتقدا اداء لجنة ازالة التمكين ودورها الذي تلعبه وقال لا للفوضى القائمة الان بأسم لجنة التفكيك. تكتيك سياسي: ويرى محللين سياسيين ان مو ضوع المصالحة يتطلب حسن النية وان هذا مفقود حالياً، وان الخطاب الحالي هو نتاج لفشل أضطر معه البعض للتفكير في إجراء تكتيكي مرحلي، وان الدعوة للمصالحة لن تنجح طالما استمرت تكتيكا سياسيا تلجأ له الحكومات حين الضعف. وطالب سياسيون الحكومة بابرام مصالحة مع المواطن باصلاح شؤونه الحياتية قبل دعوتها لمصالحة سياسية. ويرى محللين سياسيين ان الحاضنة السياسية للحكومة في حوجة ماسة للمصالحة قبل البحث عن مصالحة مع الاسلاميين. وتساءل البعض بقوله ماذا تعني المصالحة ان لم تشمل التيار السياسي وسط الاسلاميين من عناصر المؤتمر الوطني وقياداته.. مزايدات وحسابات سياسية: وقال المؤتمر الوطني المحلول في بيان له ممهور باسم عبدالمحمود النور القيادي بالحزب ان المصالحة الوطنية مبدأ بلا شك يمثل خيار العقلاء والحكماء والناجحين ، ومن يريد الخير للبلاد والعباد فلن يرفض بأي حال من الأحوال هذا المبدأ ، ولن يألو جهدا في اتخاذه مسلكا .. فهي الطريق الاقصر والأقل كلفة لتحقيق الأهداف العليا ، وإذا تفتقت العقول عن سخاء اكبر فإنها تصبح السبيل الأفضل للوصول إلى ( برنامج وطني ) ينتشل البلاد من حالة الانهيار الكامل التي تعيشها الآن ، والتي يمكن أن توردها المزيد من المهالك لاحقا، وفقا للحزب اذا أردناها مصالحة وطنية شاملة بدون أجندات خفية وشروط تعسفية أو اقصاء لأحد الأطراف الأساسية .. وقال البيان ان بعض الذين يتحدثون ويروجون لمشروع مصالحة وطنية منقوصة ومشوهة ( تشمل الاسلاميين وتستبعد حزب المؤتمر الوطني !! ) ، هم في الحقيقة يروجون لخدعة وحيلة خبيثة لا تنطلي على أحد ، وهي مكيدة ومزايدة سياسية يتم طبخها وبثها عبر قنوات متعددة .. وبعض ما يتم بثه – تحت هذا العنوان – لا يعدو أن يكون نوعا من بالونات الاختبار لقياس اتجاهات رأي معينة ، وبعضها الآخر هو نوع من توجيه الرأي العام لخدمة اتجاهات محددة يراد لها أن تصبح واقعاً ، وبعض هذه الدعاوى تأتي ( مسمومة ) هدفها النهائي ليس مصلحة الوطن ، وانما خدمة مصالح ضيقة تعزز مكانة تيار معين على حساب تصفية تيار آخر ، وبمعنى أدق هي محاولة لضرب الذراع السياسي القوي للحركة الإسلامية ، وبث الفرقة والخلاف والشتات بين الاسلاميين ، حتى يسهل على القوى العلمانية – المتكتلة والحاكمة الآن – القضاء لاحقا وبسهولة على كافة مكونات التيار الإسلامي العريض واحدا تلو الآخر .. اليوم التالي