من السهل جداً أن يجد الإنسان عذراً لتبرير أو تغطية خطأه رغم ما في ذلك من تضليل وانتصار كاذب للذات. أخشى ما أخشاه أن هذا عين ما فعله السيد مبارك أردول بشأن ملابسات واقعة جمع تبرعات نقدية من بعض الشركات العاملة في مجال التعدين. الثابت بإقرار السيد أردول نفسه – والإقرار سيد الأدلة – أن سيادته خاطب شركات التعدين طالباً منهم التبرع بمبلغ محدد وفى خلال فترة زمنية محددة وأن تسلم هذه المبالغ لموظف مسمى يعمل تحت توجيهه وإدارته. في تبرير هذه الوقائع الثابتة، غرد إردول قائلاً أن هذه التبرعات تأتى في سياق مبادرة طوعية تحت عنوان "القومة لدارفور" وأن الشركة السودانية للموارد المعدنية التي يترأسها مجرد منسق فقط لهذه الحملة. للأسف لم يكن موفقاً في تبريره الذي حمل ما يكفى من أدلة قد توْدى لمسالته جنائياً، وهى أدلة غير قابلة لأى تفسير آخر يستند الى افتراض معقول سوى أن السيد أردول لم يحسن التصرف حسب مقتضيات وظيفته. الجزئية المتعلقة بالغرض أو الهدف من هذه التبرعات وعما إن كانت لتمويل فعاليات استقبال وتنصيب السيد أركو مناوى حاكماً لدارفور أم أنها لدعم حملة "القومة لدارفور" وإرسال قوافل إعمار بدلاً من المدافع، هذه الجزئية غير منتجة في التكييف القانونى لتصرف السيد أردول وأحسب أن التركيز عليها قد تصرفنا عن جوهر القضية. من الواضح أن السيد أردول حينما كتب رسالته لهذه الشركات كان يعلم أو ينبغي عليه أن يعلم أن موقعه ووضعه في إدارة الشركة السودانية للموارد المعدنية قد يؤثر على إرادة وقرار تلك الشركات من حيث الاستجابة أو الامتناع عن تحقيق رغباته بوصفه المدير العام. ليس من المهم قانوناً أن يكون التأثير فعلياً Actual إذ يكفى التأثير المفترض أو الحكمي Constructive لمن هو في موقع السلطة. إذن نحن أمام حالة واضحة من حالات التأثير غير المبرر عن طريق استغلال المنصب ويشار إليها ب Undue Influence لم يكتف السيد أردول بهذا التأثير الواضح بل أمعن في الذهاب بعيدا حينما حدد المبالغ المطلوبة والمدة الزمنية التي ينبغي توريدها مما تشكل قرائن ثابتة على أنها إتاوات إلزامية أكثر من كونها تبرع عن طيب خاطر. ثمة مأخذ آخر يتعلق بقدرة السيد أردول على العمل باحترافية وحياد والالتزام بالآليات الإدارية المتبعة، فقواعد حوكمة الشركات تنص على وجوب تجاوز سلوك المدراء متطلبات القانون والارتقاء الى رحاب الالتزام الأخلاقي الصارم بمعايير النزاهة والاستقامة والشفافية، فهل من الاستقامة التوجيه بتحرير شيكات باسم موظف يعمل وفق أوامرك؟ وما الضمان إذا تصرف هذا الموظف بهذه الشيكات؟ وما الذى يمنع أن تودع هذه التبرعات تحت حساب يتم فتحه وفق الأصول المتبعة؟ إذا ما أخذنا هذه المعطيات مجتمعة ففي تقديري الشخصي لقد ارتكب السيد أدول إهمالاً وخطاً شنيعاً يرقى الى الغش الجنائي. Great negligence is fault, great fault is fraud المثل الشعبي يقول "كان غلبك سده، وسع قده"، يبدو أن السيد إردول حينما غالى البعض واشتطوا فى الهجوم بلقن المشهد والوقائع مدعياً أن شركته كانت مجرد منسق لا غير وهو بذلك يودنا أن نسمح بما هو غير مقبول أن يكون أمراً قانونيا ومشروعا خاصة وأننا نعلم طبيعة عمل المنسق وأن الوقائع واضحة لا تقبل الافتراضات ولا الجدال Obvious facts are not in need of proof and that a wrong does not excuse a wrong. السيد أردول شاب طموح ومثقف وفاعل نتمنى له التوفيق، إلا أنه ومن خلال متابعتنا لأسلوبه في إدارة أكثر من أزمة ربما يحتاج لرفع قدراته في مجال الحوكمة والانسجام مع الممارسات والمعايير المستقرة كما ننصحه بالابتعاد عن الاستنصار بالجهوية والمناطقية في قضايا لا تحتمل هذه الإسقاطات. عبدالرحمن حسين دوسة