مرحلة الإفاقة من "البنج" أو التخدير بعد العمليات الجراحيَّة بأنواعها تُوصف بأنَّها فترة "إنتقاليَّة" تُشبه الحُلم لمن يَمرُّ بها. هلاوس مصحوبة بخيالات و أصوات و أضواء لما يدور حول الإنسان و به و آثار البنج و أحاسيس من الألم تبدو بعيدة و غريبة! حتى لحظة "الإفاقة التامَّة" و بدء تلاشي مفعول الجرعات الأولى من مسكِّنات الألم؛ فنشتكي و سلامة. الربيع العربي العاصف الذي حلَّ بأكثر دولنا تكلَّل بحكومات "مُؤقَّتة" لقيادة الدفَّة في مرحلة ما بعد الثورة "الإنتقاليَّة" تميَّزت جميعها بتجربة فترة "الإفاقة من البنج" أعلاه! شاهدنا بل عايشنا حكومات "تلبَّسَت" الحالة الثوريَّة أو علَّها -الحالة- هي من لبستها في سرعة إصدار القرارات المُتعجِّلة غير المدروسة و النطق بالأحكام و التصريحات "الجاعوريَّة" حتى من قبل أن تستوعب هي -حكومات الثورة- أن كيفيَّة الحكم و أُسُس إدارة الدولة! بل كشفت "الثورات" هشاشة تركيبة معظم الدول فينا و كأنها "كرتون" تسقط في الفوضى لحظة سقوط الأنظمة فيها؛ فلم نستغرب الدعوات هناك و هنا إلى كتابة و إعادة صياغة "الدستور"! و بنفس السرعة التي صعد فيها إلى سلطة بعد الثورة أشخاص منَّا بسبب أو لآخر كان سقوطهم دليل على قرب الإفاقة التامَّة! فالسكرة انقشعت و جاءت الفكرة ليصطدم الجميع بواقع الدولة و بحجم المسئولية و عبء تبعاتها خاصة و أكثرنا ورث خزائن خاوية فارغة من الأنظمة الساقطة! لنُقارن في نقاط سريعة و مرور أسرع بين بعض الثورات في دولنا "كذكرى" علَّ البعض منَّا ينتفع بها أو يتَّعظ منها. فمصر حكم العسكر أولاً ثم كانت الإنتخابات "شرعيَّة" ثانياً؛ فجاء الإخوان من خلف "الرئيس الراحل مرسي" ثم "قلَبَها" عليهم العسكر! و تونس هرب علي فصعد عسكر فكانت إنتخابات ثم مدنيٌّ جاء بعسكر! أما ليبيا ففوضى! و اليمن إبتلعه الحوثي! عندنا في السودان الثورة جاءت بعسكر للنظام في محاولة لسرقتها فقلَّبها العسكر على أنفسهم عدة مرَّات في خِفَّة رغم إشراك "المدنيِّين" بإتفاق "وثيقة دستوريَّة" معهم فيها! شعوبنا بسيطة رأت في "الربيع" الفرج مع سقوط جبروت الأنظمة لابُدَّ أن ينصلح الحال و تتحسن الأحوال و ذاك حقٌّ مشروع لها. المشكلة في "لعنة السلطة" فلا ندري أيَّ تفسير يَفكُّ لنا "طلاسم" عذاباتنا مع حكوماتنا المؤقتة إن كانت لتصريف أعمال أو حتى في مجالس السيادة الوصيَّة علينا! لماذا كل هذه "السَحلَفة" و البُطء و التعقيد حتى في القصاص العادل لشهداء الثورة؟! دعك من الوضع الإقتصادي و المعيشي و المياه و الدواء و الكهرباء و …و..! كأنَّ هناك عَقليَّات من الخُبث فيها تُريد بل تسعى أن تُشغِلَ الشعوبَ في حياتها عن حقوقها! مثال؛ بثُّ "محاكمات شو" لقادة النظام السابق عن إنقلابهم الذي جاء بهم إلى السلطة رغم أن الذين أنقُلِب عليهم شاركوا النظام بعدها و عن رضاً في السلطة! و الكثير غيرها؛ و "لجنة أديب" الحارثة في البحر! فهل نحن نحتاج "مَتحَفاً" لتكريم و تخليد شهداء الثورة أم الواجب علينا إعدام قادة النظام السابق و أولهم بشيرهم قصاصاً عادلاً حقَّاً لزاماً علينا بدل تسليمهم لمحاكماتها الجنائيَّة! فالنظام سفك قادته دماء و أرواح و أعراض إخوة و أخوات من جلدتنا و لحمنا و دمنا من شعبنا و بلدنا و من قتل روحاً واحدة فكأنه قتل الناس جميعاً فكيف بحرائم النظام اللامحدودة في حقِّنا! الواجب القصاص منهم هنا على أرضنا السودان و عاجلاً في محاكمات صادقة واضحة "ناجزة" سريعة. لا مُساومات هنا لا مُكايدات و اللهم نعوذُ بك من الشماتة.