* كما يقولون: ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، انفض السامر وانتهى حفل تنصيب السيد أركو مناوي حاكماً على عموم دارفور(10 /8 /2021) تنفيذاً لاتفاقية سلام جوبا، وهي الإتفاقية التي سعت إلى إِسكات أصوات البنادق والمدافع الرشاشة وأزيز الطائرات الحربية في سماء دارفور وجبال النوبة في أعقاب نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في إسكات أبواق النظام البائد والكتائب التي كانت تهدّد الثورة السلمية بالويل والثبور. * تحمّل إقليم دارفور الجزء الأكبر من فاتورة الحرب خلال سنوات النظام السابق حتى لحظة السقوط في ابريل 2019م، فامتلأت المقابر على امتداد الإقليم الشاسع الذي يفوق فرنسا من حيث المساحة، إمتلأت بأجساد الشهداء واكتظت المعسكرات بالنساء والاطفال والشيوخ الذين أُجبِروا على التخلي عن المزارع والمواشي ومراتع الصبا والالتجاء الى تلك المعسكرات حيث البؤس والحرمان والمصير المجهول.
* خلّفت الحرب اللعينة في إقليم دارفور تركة ثقيلة وآثاراً مروعة، من بينها التغيير الديمغرافي في الاقليم والمتمثِّل في استيطان مجموعات سكانية بديلة في القرى والحواكير التى أجبرت الحرب سكانها الأصليين إلى إخلائها والفرار إلى معسكرات النزوح على تخوم الفاشر والجنينة وكُتم ونيالا أو عبور الحدود الى تشاد المجاورة.
* الصور المنقولة من موقع حفل التنصيب عكست حجم الجمهور الغفير الذي حضر المناسبة في الفاشر أبوزكريا، يحدوهم الأمل في العثور على حلول ومعالجات لدى الحاكم الجديد للوضع الدارفوري المتأزم في كل المناحي، اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً. فبالرغم من التغيير السياسي الكبير الذي أحدثته الثورة في العاصمة والولايات إلا أن أخبار الانفلات الأمني والنهب والسلب والاقتتال القبلي في ولايات دار فور الخمس مازالت تتصدر النشرات في القنوات المختلفة .
* في خطابه في حفل التنصيب أكد رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان على عزم الحكومة الانتقالية على تنفيذ اتفاق جوبا والشروع فوراً في تكوين القوات المشتركة لحفظ السلام في الاقليم وكذلك إنصاف اللاجئين والنازحين وتعويضهم عن ما فقدوه وبسط الأمن (10 /8 /2021م).. نأمل أن تكون هناك خارطة طريق وبرنامج تنفيذي لإنزال وعود رئيس مجلس السيادة وتطبيقها على أرض الواقع. شعب الإقليم يتطلّع إلى رؤية ثمار ثورة ديسمبر على أرض دارفور.
* لم أطّلع على صلاحيات السيد/ مناوي في منصبه المستحدَث كحاكم لعموم إقليم دارفور وماهية العلاقة بين الحاكم والولاة الخمسة؟ وهل كان الإقليم الذي مزّقته الصراعات المزمِنة في حاجة إلى المزيد من التمزيق بهذه المناصب المستحدَثة؟ ألا يكفيه ما حدث له من تقسيم في العهد البائد والذي لم يكن بغرض التنمية وإنما لغايات المحاصصة والترضية.
* ورثت حكومة الثورة اقليماً مضطرباُ مقسماً يعاني الأمرّين، وبدلاً من البحث عن حل لأخطاء الماضي، قرّرت المضي قدُماً على نفس المسار، مسار التسويات والموازنات. وتعيين السيد/منِّي أركو مناوي في هذا المنصب المستحدَث يؤكد ذلك، واتفاق جوبا ليس منزهاً من الأخطاء.
* والآن وقد وقع الفأس في الرأس (وحدث ما حدث)، هل لدى السيد/ مناوي شئ يقدمه للإقليم؟ هل في مقدوره توظيف علاقاته مع عواصم العالم في جلب الدعم الخارجي لتنمية الإقليم؟
* لدى أهل دارفور طرفة قديمة من عهد سلطنة دارفور، وفيها أن السلطان كان له فيل ضخم مطلَق السّراح يقتحم المزارع ويتلف النباتات والحبوب ولا يستطيع المزارعون منعه خوفاً من بطش السلطان، ومع تزايد الضرر الواقع على المزارعين، اجتمعوا وقرروا الذهاب إلى السلطان في قصره وتقديم شكوى ضد الفيل، واتفقوا على صيغة الخطاب، وأن يتحدث الجميع معاً بصوت واحد. دخلوا على السلطان وألقوا عليه السلام بصوت واحد، وفي لحظة طرح الشكوى أحجم الجميع خوفاً من السلطان إلا رجل واحد منهم فقط نطق قائلاً: الفيل يا مولانا السلطان… فسأله السلطان: مالو الفيل؟ ولكي يُنقِذ نفسه من هذه الورطة قال الرجل: عايزين ليه طبيق (جوز) يا مولانا السلطان.
* فأهل دارفور، الذين عانوا كثيرا من جرثومة المحاصصة التي نتج عنها ولايات وولاة وجيوش من الموظفين وأعباء مالية وادارية بلا طائل ، ومع ذلك خرجوا للاحتفال بالحاكم الجديد وبأعبائه ومخصصاته ومواكبه، ولسان حالهم يردد قول أسلافهم المزارعين التعساء: عايزين ليه طبيق.
* شعب دارفور في هذه الساعة في أمس الحاجة إلى إحكام القوانين والنظم واللوائح لمجابهة التحديات المعيشية والأمنية والوجودية.. شعب دارفور في حاجة إلى الحِكمة لا إلى الحكّام. التحية،، [email protected] com