عادت من جديد قضية المفقودين وتكدس المشارح، إلى سطح الأحداث، بعدما تقدم خمسة من كبار أطباء التشريح باستقالاتهم، من لجان التشريح للجثامين المكدسة في المشارح بولاية الخرطوم. وأشار الأطباء المستقيلون، في مذكرة الاعتذار، إلى أنهم لا يريدون أن يكونوا أداة لما وصفوها بطمس وتضييع حقوق مجهولي الهوية والمفقودين، من خلال التغول والتدخل السياسي. وتضم قائمة الأطباء المستقيلين كل من "عقيل سوار الدهب، واستشاري الطب الشرعي محمد أحمد الشيخ، واستشاري الطب الشرعي والسموم عامر صادق محمود، واستشاري الطب الشرعي والسموم محجوب بابكر، واستشاري طب الأسنان الشرعي خالد محمد خالد. وكشف الأطباء في مذكرتهم التي اطلعت عليها (الحداثة)، عن عمليات تلاعب في أرقام جثامين في مشرحة التميز، ودفن جثث بدون عملية الاستعراف. ولفتت المذكرة، إلى أن هناك تغولاً وتدخلاً سياسياً عبر فرض نفوذ وزارة الصحة بولاية الخرطوم، في عمل الأطباء الشرعيين، مبينة أن الوزارة شرعت باستخدامها للسلطة في السير نحو إجراءات الغرض منها تهديد الطبيب الشرعي أو إذلاله. وأتى تحفظ الأطباء الشرعيين، بعدما أصدرت هيئة الطب العدلي الولائية بياناً شككت فيه في تقارير ونتائج توصل إليها عدد من الأطباء في تشريح جثمان الشهيد (ود عكر)، وهو الأمر الذي ذكره المستقيلون في خطابهم. وأوضح الأطباء، أن الوزارة قامت بمخالفة كل القوانين والأعراف والمُثل، بتجاهل حقوق الموتى ووضعهم في حاويات بفناء مشرحة التميز، دون غطاء أو ساتر من أشعة الشمس، أو عيون المارة في الطريق. بالإضافة لوضع عدد أكثر من مئتي جثة بداخلها رغم تعطلها وعلم المسؤولين منها أن سعتها التخزينية يجب أن لا تتعدى الثلاثين جثماناً، مما أدى إلى "تحلب" و"تعفن" كل الجثامين. وينتقد الأطباء كذلك، إهمال المشارح طوال الفترة من يناير 2020، مؤكدين أنه تم بصورة ممنهجة ومرتبة قُصد بها تشويه وطمس الحقائق التي تخبر عنها جثامين مجهولي الهوية في تلك المشارح. وقال الأطباء، في المذكرة؛ إنهم اكتشفوا "عملية تغيير ديباجات (أرقام) الجثامين بطرق مختلفة في مشرحة التميز، مما يعني إمكانية استبدال هذه الجثامين مع مفقودين، ليتم دفنهم خارج إطار القانون". ونوهت إلى قيام لجنة مُكلفة من النيابة العامة بدفن 23 جثماناً في 11 يوليو الفائت "دون أن يتم استكمال عملية الاستعراف"، على الرغم من توصية تقارير شرعية بعدم دفن هذه الجثامين. وأبانت المذكرة، أن وكيل النيابة محمد عبد الله، المُكلف من النائب العام "أصر على عملية دفن ال 23 جثة قبل إكمال الاستعراف"، موضحة أنه قام بتجاوز عملية استبدال أرقام الجثامين بطريقة خلقت عدم ثقة وسط الأطباء الشرعيين في مقاصده، وأدت إلى التشكيك في نواياه. كما أبدى الأطباء المستقيلون استياءهم من التضارب في اختيار اللجان، ما بين النيابة العامة، وهيئة الطب العدلي والمدير العام لوزارة الصحة الولائية، مما أثر سلباً في سير العمل بالمشارح. واشتكى كذلك الأطباء، من هيئة الطبي العدلي، وإدارة المشرحة التي قالوا إنها تقوم بخلق المعوقات والمتاريس، مستدلين بكمية الشكاوى والاستيضاحات والمضايقات الإدارية والاستقطاعات المالية ضد أطباء بعينهم، وصفتهم المذكرة بأنهم شكلوا جبهة الحق داخل المشارح لحفظ حقوق مجهولي الهوية. واشتكوا كذلك من قيام وزارة الصحة ولاية الخرطوم باستبعاد بعد الأطباء من عملية التشريح، رغم خبراتهم التراكمية دون إبداء أي سبب. وقدم الأطباء المستقيلون المذكرة لكل من عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، رئيس الوزراء، ووزير العدل ووزير الصحة الاتحادي، المدير العام للشرطة، والي الخرطوم، ومدير الصحة بالولاية. بالإضافة لرئيس لجنة المفقودين وتجمع أسر الشهداء، ولجنة هيئة الاتهام في قضية الشهيد "ود عكر". والحديث عن تلاعب في تبديل الجثامين، ليس جديداً، فقد أعلن أعضاء لجان اعتصام مستشفى التميز وخبير الاستعراف، خالد محمد خالد، في وقت سابق، عن محاولة تبديل وطمس لجثمان الشهيد "ود عكر"، وهو الأمر الذي كوَّن له النائب العام المكلف لجنة تحقيق ولم تصدر أي نتائج بعد. وفي السياق نفسه، أكدت لجنة أسر المفقودين، ومبادرة مفقود، في بيان مشترك، صدر أمس الأول، ما جاء في مذكرة الأطباء الشرعيين المستقيلين، كما انتقد البيان استبعاد عضوية لجنة أسر المفقودين ومبادرة مفقود من عمل اللجان ومتابعة التشريح. كما انتقد البيان، قرار النائب العام بإعادة عمل لجنة الأطباء، مشيراً إلى أنها نفس لجنة الأطباء التي قامت بتزوير تقارير جثمان الشهيد "ود عكر". وذكر البيان، أن ممثلة لجنة أسر المفقودين، سمية عثمان، حاولت الاتصال بمكتب عضو مجلس السيادة والمسؤول عن ملف المفقودين، محمد الفكي سليمان، لمقابلته وتوضيح ما حدث، ومعرفة ما يمكن أن يقدمه، ولكن لم تحدث الاستجابة المرجوة. وأوضح البيان، أنهم لا يعترفون باللجنة التي تعمل حالياً في تشريح الجثامين، مطالباً بإقالة كل من النائب العام المكلف، ووزير الصحة، ومدير الصحة بولاية الخرطوم، بالإضافة لمديري المشارح. ودعا البيان، إلى إعادة الأطباء الشرعيين المستقيلين، فضلاً عن التزام الحكومة بإعادة فريق الخبراء الدوليين وعودة عضوية لجنة أسر المفقودين ومبادرة مفقود ولجان المقاومة، لمتابعة عمل التشريح. وأمهل البيان، الجهات المختصة 72 تنتهي اليوم (السبت)، للاستجابة للمطالب، مهدداً بعدها بتصعيد ثوري بجانب تصعيد القضية إلى مجلس الأمن الدولي، واللجنة الدولية لشؤون المفقودين. الحداثة