جاء الإجتماع الأول لآلية المبادرة – اللجنة التنفيذية – يوم 26 أغسطس الجاري، متعثراً. وتبين ان عدداً مقدراً من عضوية اللجنة، قد فضل عدم الحضور. في المقالين السابقين، بينا ضرورة، نهج الطاولة المستديرة لهذا النوع من الفعاليات، التي تهدف الي نقاش مواضيع محددة, تحتاج الي حلول أو مخرج، يتيح الفرصة او يعبد الطريق للوصول الي هدف او أهداف يصبو اليها اصحاب المبادرات، والتي عادة تستهدف مجموعات من السكان او غالبية الشعب او عدة شعوب.. مقصدنا في تناول هذا الموضوع، لا ينحصر في اطار مبادرة "الطريق الي الامام" التي طرحها رئيس الوزراء. وفي الحقيقة، إن الإشكالات التي حوتها هذة المبادرة، هي في الواقع أهداف أساسية لقوي الثورة الفاعلة، أو بالأحري، غالبية جماهير الشعب السوداني، التي ثارت وقدمت تضحيات جسيمة من أجل إسقاط النظام الدكتاتوري الإسلاموي الفاسد. هذة الأهداف، تعثر تحقيقها، نسبةً لهيمنة كيانات سياسية وعسكرية علي مقاليد الحكم الانتقالي، التي هي في الواقع فاقدة للارادة السياسية لتحقيقها. ولما مرت سنتان منذ تكوين الحكومة الإنتقالية، وبعد إحتجاجات مليونية علي هذا الوضع المؤسف، رأي رئيس الوزراء، طرح المبادرة الحالية. ولا شك، ان في ذلك نوع من محاولة لحفظ ماء الوجه، ولنقل بتفاؤل وحسن ظن، تبرئة للذمة. وفي نفس الوقت، هي بلا شك مواجهة ناعمة لشركاء الحكم، علها تحرك المياه الساكنة! وتدفع الي الامام ، تنفيذ استحقاقات الفترة الانتقالية. بكل تأيكد، هذا تفاؤل عالي السقف، في ظروف حكومة المحاصصات الحالية، وسيطرة مجلس الشركاء علي مقاليد إتخاذ القرار، رضينا أم أبينا! في كل الحوال، ليس لدينا شك في الموقف الوطني لرئيس الوزراء. وفي نفس الوقت ليس لدينا شك في أن هذة المواجهة الناعمة سيكون حظها في النجاح قليلاً جداً. هذة الحقيقة تستند الي الأسباب التي بيناها في المقال الاول لهذة السلسلة. لكن لا ضير في ان نذكر بأن وجود بعض أزلام النظام البائد، وفاقدي الإرادة السياسية علي رأس، وبين اعضاء لجنة او آلية المبادرة، يعتبر حجر عثرة، بل وسبب رئيسي لإجهاض المبادرة برمتها ونسفها. هنا لنا أن نتسائل: ما هي مصلحة من هم أصلاً ضد ثورة الشعب، في تحقيق أهدافها؟؟ هذا وضع شاذ و يشبه ائتمان الذئب علي الغنم! وجاء إختيار رئيس اللجنة، اللواء معاش برمة ناصر، رئيس حزب الأمة، اختياراً يخنق المبادرة في بدايتها. ذلك لأن تحديد رئيس للآلية دون مشاركة أعضائها في الإختيار، من جانب مهني، أمر غير عادل في حقهم. ومن جانب سياسي، نترك التقدير للقارئ بناءاً علي أداء اللواء برمة عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة الصادق المهدي عام 1988. ومن ناحية اخري، يبدو ان اللواء برمة نفسه فاقد للإرادة السياسية لتنفيذ الاهداف المطروحة في المبادرة، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية. هذا أمر تؤكده تصريحاته الأخيرة حول ضرورة المسامحة في جريمة فض الاعتصام، منصباً نفسة نائباً عن أولياء الدم! ومبتسراً لمفهوم العدالة الإنتقالية في معني "الإفلات من العقاب"! نرجع الي موضوع الطاولة المستديرة وأهميتها في حالة كحالة مبادرة حمدوك، او اي تداول لقضية او موضوع، بين اصحاب آراء أو توجهات متباينة، لكن في نفس الوقت، لهم مصلحة في تحقيق حد أدني من التوافق الذي يحقق أهداف تهمهم كلهم. وأحسن الأمثلة هنا، التداول حول التحول الديمقراطي، تحقيق السلام، وضع او تعديل دستور الدولة، قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان الخ... وكل ذلك يعنينا في السودان في هذة المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد. وحتماً سيأتي قريباً، التداول حول الدستور، والعدالة الانتقالية وقضايا أخري تتطلب نقاشاً مجتمعياً واسع النطاق. ذلك يتطلب بالضرورة، اختيار الطريقة المناسبة للتوصل الي الحلول اللازمة للتحول الديمقراطي وفتح الافق للبناء الوطني. تاريخياً، يرجع مفهوم الطاولة المستديرة إلي نهج ابتدعه وروج له، بين مستشاريه، ملك بريطانيا الشهير، "آرثر" في العام 1155 ميلادي. والغرض الأساسي من ذلك هو تفادي أن يكون لأحد "البارونات"، أولوية تميزه عن الآخرين. وبذلك يتم التعامل بين المشاركين بمساواة. وفي الواقع، بينت التجربة أن هذا النهج، يساعد علي التركيز في "الموضوع" قيد النقاش، ومواجهة قضايا، اكثر من المواجهة بين أشخاص. تبين أيضاً من التجارب العديدة في الواقع ، أن نقاش الطاولة المستديرة، يعطي فرصاً عادلة للمساهمة بطريقة موضوعية، وبأقل درجة من "التسهيل". وبغرض التنظيم الجيد، يختار المشاركون في الطاولة المستديرة، أحدهم ليقوم بدور التسهيل. Facilitation. ومن الضروري ان يلتزم المسهل،Facilitator, بفرص عادلة للمشاركة حتي ياخذ التداول في الحسبان كل النقاط الهامة. في تقديرنا، إن النهج الذي اتبعته مبادرة حمدوك، باختيار رئيس ومقرر للجنة، يفقد المبادرة حظها من النجاح في إختراق العقبات، بطريقة تؤدي لاعتماد افضل الحلول للإشكالات المطروحة. أخيراً، ان المراجعة التي وعد بها القائمون علي تنظيم آلية المبادرة، بعد اجتماعهم الاول، قد تفيد، وتوفر لمبادرة "الطريق الي الامام" حظاً أوفر من التوفيق. لكن هذة المراجعة تحتاج إلي جراحة عميقة، شكلاً وموضوعاً. ذلك قد يؤدي الي تحويل المبادرة الي مشروع حوار قومي لتقييم أداء الفترة الإنتقالية برمتها، والبحث الجاد عن طريق يؤدي الي تنفيذ استحقاقاتها. بطبيعة الحال هذا تمرين صعب لا تنفع ولا تجدي فيه الوسائل الناعمة، والمساومةعلي "الحرية والسلام والعدالة". "اتكل علي الله وعلي لجان المقاومة يا حمدوك، حتي ينفتح لك وللشعب السوداني، "الطريق إلي الأمام". [email protected]