قرأت بوست في منصة إسفيرية تتحدث صاحبته عن السودان بسوء يفوق الوصف، و قد تفاعل عدد مقدر من أصدقائها و معارفها في "حفلة" شتم "وشواء" "وتتفيه" للسودان لا يمكن تحملها او التغاضي عنها.. ينبغي أن تكون هناك حدود و خطوط حمراء لما يمكن أن يكتب أو يقال عن الوطن، أي وطن.. وعندما يكون الوطن معتلا وجربحآ و مريضآ بسبب عقوق وخطأ وخطل وجرم كثير من أبناءه، فلا ينبغي أن نمعن في سب البلد، وعلينا التفريق بين النقد والجهالة..بين النصح والإسفاف.. لا أنكر أن الأوضاع في السودان ليست علي ما يرام، وربما تكون كارثية.. وأن الحالة الإقتصادية ربما قد تجاوزت حد المعقول والمقبول، ودخلت في حيز المستحيل والمحال لكثير من الأسر والأشخاص.. وأن الأوضاع الأمنية يسودها شئ من الإضطراب والميوعة في كل بقاع السودان بما فيها عاصمة البلاد.. أما الحديث عن الكهرباء وإنقطاعها، الماء وإنعدامه.. والدواء وندرته وغلاءه فحديث يجلب الغبن ويورث النفس البغضاء والضيق… هذه حقائق ماثلة للعيان ولا ينكرها إلا مكابر.. ولكن لا يمكن أن تكون هذه مبررات للإساءة اللفظية لوطن إحتوانا جميعا ومنحنا الإسم والرسم . وقبل أن يتصدي لي محاجج بأني قد لا أكون أكثر الناس تأهيلآ لمقارعة هذا الباطل اللفظي المقيت تجاه السودان كوني قد عشت جل حياتي "مجبرآ " خارجه.. فإن إحساسي بوطني يعطيني الحق في التصدي لمثل هذه التجاوزات الغير مقبولة والغير مبررة علي الإطلاق… ولا أحد يملك حق إصدار صكوك الوطنية أو حجبها.. ونحن نتشارك هم هذا الوطن سواء عشنا داخله ، أو ترعرعنا خارجه، فالأمر سيان . الجميع يدرك أن هذا الوطن السودان قد وفر لنا بفضل الله من العطايا والمنح ما لو تدبرنا أمرنا وأدرنا مواردنا بوطنية وتجرد لكنا في مصاف الدول الكبرى، ولعشنا في دعة ونعيم من العيش.. ولكن بدلا من أن نشمر عن سواعدنا ونعمل بجد وإخلاص لترقية وطننا وصيانة كنوزنا فوق الأرض وتحت الأرض ، أنفقنا طاقتنا في الإحتراب والتشظي وإهدار الفرص الواحدة تلو الأخرى وما زلنا في غينا سادرون !. فهل بعد هذا نلوم الوطن كأنه كائن حي ؟! . أعتقد أننا يجب أن نتعلم كيف نمارس نقد الذات بموضوعية وتجرد، وعلي كل عاقل ، بالغ مكلف ، ذكر كان او أنثي أن يسأل نفسه، عن ماذا قدم لهذا الوطن قبل أن يسأل عن ماذا قدم له الوطن، لأن الوطن قدم الكثير و علينا أن نتحلي بالإنصاف ولو تجاه شخصية الوطن الإعتبارية. أقول، إن الإساءة للوطن أمر يرتد خيبة وحسرة علي صاحبه، ويدل علي ضيق الأفق وضمور في الوطنية والحس السليم . إن السودان يمر بمخاض عسير وتحدي وجودي لم يتعرض له من قبل ، وسنعبر بفضل الله ثم بجهد المخلصين من أبناء هذا الوطن الذين حملوه في حدقات عيونهم.. أما المخذلين والشاتمين والكارهين والمتآمرين، فعليهم الإنتظار علي الرصيف، وسيرتد كيدهم في نحرهم إن شاء الله.. د. معتصم بخاري [email protected]