راشد عبد الرحيم: الجنسية والقبيلة    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث: المدنيون في الفاشر يكافحون بالفعل من أجل البقاء على قيد الحياة    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذ هاشم صديق يكتب : ضد طبيعة الأشياء
نشر في الراكوبة يوم 14 - 10 - 2011

تيمان ( اتحاد الفنانين ) ( 2 - 3 ): أبو عركي البخيت.... ومسرحية (السمكرية )... وآخرين
( أصحابي كانوا يوماً ملء الأرفف .. معارف ... ضجة ... أوتار تواصل بين الرئة .. ونَفَس العُمر
لكن العمر رصيف ... والزمن قطار
وأنفاس الصبر قِصار )
( قطع )
( صدري قد أصبح مقبرةً لكثير من زهِر رفاق العمر .. هنا يرقد نجمُُُ .. وهذا قبرُ نبيل ... وتحت رخام القبر العاجي هذا ... ترقدُ أنثي لا تنسي .. وهذا قبرُ صديقي البطل الثوري ... وهذا قبرُ صديقى ال ... لا ... لا أذكر من يرقدُ من أصحابي تحت ثري هذي ( التربة) - ما اتعس ذاكرتي الخربة )
( قطع )
تحت صيوان مأتم ( الراحل المقيم ) عيسي تيراب ، وكنا نجلس مجموعة من الدراميين والمغنيين من بينهم ( أبوعركي البخيت ) ، فجأة التفت نحوي ( أبوعركي ) وقال لي
- انت يا هاشم تكتب في الجريدة تقول أبوعركي كان ( سمكري ) ( بسمكر اللديترات ) في المنطقة الصناعية في مدني ؟!!
هوت كلماته علي رأسي كالصاعقة
- أنا قلت كده
- أيوه
- أنا ده ؟!
- آآي
- وين ؟!
- في الجريدة
- ياتو جريدة
- واحدة من الجرايد البتكتب فيها
- أنا بكتب في جريدة واحده ... الحرية
- تكون هي
- وانت قريت الكلام ده بي نفسك .. ومتأكد ؟
- الجريدة جابوها لي .. وقريت الكلام ده
كاد عقلي أن يطير من الدهشة ، وأصبح النقاش مشوشاً ومرتبكاً ، ءاذ أن ( أبوعركي ) يؤكد أنني كتبت هذا الحديث ، و أنا أنفي وأقسم له بأنني لا يمكن أن أسخر من ( عمل شريف) و (عصامية مبدع ) بل أنني ، حتي ، ورغم أن الرجل كان صديقي ، ءالا أنني لم أكن أعلم بهذه الجزئية ، أنه كان يعمل ( بالمنطقة الصناعية بمدني ) و أنه كان ( يسمكر ) و ( يلحم اللديترات ) حتي ( أسخر ) و أسيء اليه و( أفجُر في الخصومة ) الي هذا الدرك .
عند عودتي للمنزل ، هرعت الي أرشيف كل صفحاتي بصحيفة ( الحرية ) ( الرحيق والصدي ) وراجعت كل ما كتبته منذ بداية تعاوني بالصحيفة وحتي آخر صفحة كنت قد كتبتها . هالني و أدهشني أنني وجدت فقط تعليقاً كتبته عن ( سمكرة ) كلمات الأغاني بمعني أن بعض المطربين تحولوا الي ( سمكرية ) ينزعون ( كلمات الاغنية ) ويضعون مكانها كلمات أخري، دون اشارة الي أغنية بعينها ، أو مطرب ، وانما اشارة الي ( الظاهرة ) ، وحتي تعبير (بعض المطربين تحولوا الي سمكرية ) هو تعبير ( مجازي ) ، وليس (تقريري)، وأعتقد أنه وحتي (أبو التيمان ) كان ي?تطيع أن يفهم هذا المعني .
لم يكن هنالك ضمن الكلمات التي كتبتها اسم ( أبوعركي البخيت ) ولا ( المنطقة الصناعية بمدني) ولا ( سمكرة اللديترات ) ولا يحزنون .
وشعرت بعدها بمزيج من الارتياح والحزن ، الارتياح لأني استعدت توازني الأخلاقي والمبدئي في كوني لا أسخر ? ولا سهواً ? من ( عصامية ) آخرين ولا من أي ( عمل شريف ) و أنا الذي قلت في واحدة من أشهر قصائدي ( جواب مسجل للبلد )
أبوي ميت
وكان خضرجي
ومرة صاحب قهوة
في ركن الوزارة
فمن ( واقعي الطبقي ) استمد أنفاس انحيازي للبسطاء والفقراء الشرفاء والمهمشين . أما أسباب احساسي بالحزن فهو لأن ( أبوعركي ) كان يؤكد أنه قد ( قرأ الكلمات ) في الصحيفة بصورتها التي أوردها وهي غير موجودة أصلاً ضمن سياق تعليقي مثلما اكتشفت .
لم ألتق ( بعركي ) بعد تلك الحادثة الا بعد عام تقريباً ، ولم أسعي للقائه قبلها لاقدم ( مرافعة) أو ( صك براءة ) ، بل فقط كظمت غيظي ، واستجرت بوعيي ووضعت تركيزي كله علي قضية ( الملكية الفكرية ) و ( حقوق المبدعين ) وقضية ( التلفزيون ) الشهيرة ، وتجاوزت مرارة تلك الواقعة واضفتها لمفارقات سلوك الصراع في عاصفة ( ثورة الشعراء ) من بعض المطربين .
قلت انني التقيت ( بعركي ) بعد عام تقريباً ، كنا عائدين من مناسبة عقد قرآن ابنة أحد أصدقاء الطرفين ، وعندما وقفت عربته بالقرب من باب منزلي وقبل أن أترجل عن العربة ، كنت أنا الذي بادرت بتذكيره بتلك الواقعة ،استلهاماً لأواصر الحميمية التي بدت في أسلوب التعامل بيننا أثناء مناسبة فرح ابنة صديق الطرفين وخلال رحلة العودة
لم يقل شيئاً كثيراً عندما قلت له أنني لم أجد ( حكاية المنطقة الصناعية ولحام أو سمكرة اللديترات في الصحيفة مثلما قال لي من قبل ، وشرحت له ما عنيته بسمكرة الأغاني ) .
ثم أشرت له الي ( تربيزة ) الخضار في ( سوق بانت ) التي كان يبيع عليها ( والدي ) (رحمه الله ) الخضروات وقلت له ( أن والدي كان عصامياً ولم يكن خريج ( السوربون ) ، ثم أشدت بعصاميته التي جعلت منه فناناً ملء السمع والبصر ... الخ . وهنالك قصص وروايات كثيرة في شأن علاقتي ( بعركي ) منذ تفجير ( حقوق الشعراء ) وحتي بعد تقديم برنامج ( العودة الي النهر ) الذي استضافتني فيه قناة ( النيل الازرق ) لا أود سردها واكتفي بحكاية ( المنطقة الصناعية وسمكرة اللديترات ) ، بتفاصيلها وواقعة نزع كلمات ( أضحكي) و ( سمكرة ) كلمات ?ديلة لها ? مثلما فعل صلاح ابن البادية في أغنية ( الشوق والوطن ) ، ربما كان الفرق الوحيد بين ( صلاح ابن البادية ) و ( أبوعركي البخيت ) أن صلاح ابن البادية بعد (السمكرة ) قد قام ( بعرض البضاعة ) وأن ( أبوعركي ) قد تراجع عن (عرضها)، ولا أدري لماذا ؟!
قلت لكم يا سادتي في الحلقة السابقة ، أن نظرية الدراما تقول ( أنك لا تستطيع أن تعرف شخصاً علي حقيقته الا عند ( أزمة ) أو ( خلاف ) أو ( صراع ) ، وقلت لكم انها نظرية (الحياة ) نفسها ، و أضيف أن اكتشاف حقيقة الشخص عند الازمة تضيء قيمة ودرجة الوعي لديه ، وربما اكتشفت أن الشخص أقل وعياً ، أو أكثر وعياً ، أو اكتشفت أيضاً تباين درجة الوعي لدي مجموعة من الناس ، ولا زال اتساع درجة وعي أمثال عبد القادر سالم ، وعثمان النو ، وشرحبيل أحمد ، والماحي سليمان ، ونادر خضر ، وغيرهم يشع في داخلي ، ويرد علي أذي ومرارات الآ?رين ، ولا حظوا أن ( عثمان النو ) ( عقد الجلاد ) في ذلك الوقت كانوا قد تسلموا انذاراً بعدم غناء قصائد صاحب هذا القلم ، كذلك نادر خضر الذي تسلم انذاراً بعدم غناء أغنية من قصائدي
وفي شأن وعي الفنان ، درجته ، وتباينه ، أذكر أنني اكتشفت ( أبو تيمان ) حقيقي عند تأبين الراحل المقيم بدر الدين عجاج ، في ذكري رحيله الأولي ، والذي أقيم بدار اتحاد الفنانين قبل سنوات
كنت في ذكري رحيل المبدعين ( مصطفي سيد أحمد ) مثلاً ، أفضل أن أقرأ شعراً يتصل بالهموم العامة ، أكثر من مراثي الأسي والعويل ، وفي حفل تأبين ( بدر الدين عجاج ) في ذكراه الأولي تلك ? وكانت تستعر آنذاك حرب اسرائيل علي قطاع غزة بعنف ? قرأت علي الحضور قصيدة جديدة عن ( مأساة غزة ) بعنوان ( الجلد والحريق )
وسط الحضوركان يجلس صديقي الشاعر مدني النخلي ، وبجانبه يجلس أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد الفنانين ، وكان من المفترض أن تقام أمسية التأبين ( بنادي الموردة ) الرياضي بحي بانت ( مسقط رأس ) الفقيد ، وسكن أهله وقبيلة أهل والدته المتجذرة بين حي ( بانت شرق ) و ( بانت غرب ) ولكن السيدة ( نوال) أرملة الفقيد أخبرتني أن الرأي قد استقر لأن تكون أمسية التأبين بدار ( اتحاد الفنانين ) بأمدرمان ، وكان البرنامج قد تم وضعه وتم تحديد فقرات ( الكلمات ) و ( القراءات الشعرية ) و ( الأغاني ) قبل ذلك
قبل أن أعتلي المنصة لأقول كلمات ( شهادة ) عن الفقيد والقي قصيدتي ( الجلد والحريق) عن ( مأساة غزة ) ، لاحظت أن برنامج الأُمسية والذي كانت تعرض تفاصيله علي شاشة اليكترونية يمين المسرح ، وكانت محددة فيها ، ضمن الفقرات الأخري ،القراءات الشعرية بأسماء شعرائها ، محمد مريخة ، مدني النخلي ، وشخصي ، قد اختفت عنها ( الفقرات الشعرية ) وتحولت مساهمات الشعراء علي ( الشاشة ) من ( قراءآت ) الي ( شهادات ) فقط قبلها ، وقبل ملاحظتي للتعديل الذي طرأ علي البرنامج علي الشاشة الاليكترونية ، كنت قد لاحظت أن هنالك حركة متوتر? من بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد الفنانين ، وهم يروحون ويغدون أمام خشبة المسرح ، والمنصة ، وهم يتحدثون حديثاً هامساً ، وللحظة ولأن واحداً منهم كان ينظر نحوي أثناء حديثهم ، أحسست أن في ذلك الحديث ما يخص شخصي ، ثم ما لبثت أن طردت الخاطرة من ذهني قبل أن يتلبسني وسواسى وهاجسى القهري ، ولكن وبعد أن لاحظت تغيير البرنامج علي اللوحة الاليكترونية ، تلبستني ( هواجسى ) (ووسواسى) ، حقيقة ، شعرت باحساس غامر بعدم الارتياح ، واستعرت جذوة توتري ، ثم بدأ البرنامج ، ولم أستطع أن أتابعه بسبب توتري واحساس عدم الارتياح ا?ذي تملكني تماماً .
وقفت وتحركت من مكاني نحو أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد الفنانين آنذاك ، وكان يقف يسار المسرح بالقرب من الجمهور ، وكان ذلك العضو هو الفنان ( سيف الجامعة) ، سألته عن سر التغيير الذي طرأ علي برنامج الأُمسية في شأن القراءات الشعرية ، أجابني قائلاً :-
- مافي تغيير
- كيف مافي تغيير ، والقراءات الشعرية في الشاشة تحولت ( لشهادات ) بس ؟!
- لا ... البرنامج زي ماهو ... بس التغيير حصل في ترتيب الفقرات
لم أشأ أن أغالطه ، أو ( أغالط عيوني ) في شأن تغيير البرنامج علي الشاشة ، عدت ادراجي الي مقعدي ، وغُبني يغلي
لمحت عضو ( لجنة تنفيذية ) آخر يقف غير بعيد عن مقعدي ، وقفت مرة أخري ، وسرتُ اليه ، وكان ذلك العضو هو الأخ ( عادل الصول ) ، سألته عن التغيير الذي حدث للبرنامج ، كان أكثر وضوحاً عندما أجابني
- قلنا ندي كل شاعر دقيقتين يقول شهادة عن الفقيد
- وما يقرا شعر ؟
- أيوه
- ليه
- عشان البرنامج طويل ... في غُنا كتير
أوشكت أن أنفجر ليس غضباً ، و انما ضحكاً ، ولكنني شعرت أنني لو ضحكت ، سأبدو كمن يضحك وهو يقف علي حافة مقبرة في مناسبة تشييع جنازة
قلت له
- البرنامج ده محدد قبلما يتحول من نادي ( الموردة ) ( لاتحاد الفنانين ) ثم أردفت بغضب وصوتي يعلو
- شوف ... أنا جيت أشارك بقراءة شعرية ... وأنا حاسي انكم مادايرني أقرا لكن حأقرا
شعر ... بعدين يأخي أنا ما بتسول المنابر .. ولا بحس بارتياح لما أقرا شعر في اتحاد الفنانين .. المكان الوحيد الما بحس فيهو بالراحة لما أقرا شعر هو اتحادكم ده
عدت الي مقعدي و أنا في ذروة الغضب ، وجلست ، ولكني كنت كمن يجلس علي فوهة بركان يغلي ، وفي غمرة احساسي بالغضب ، والصَغَار ، امتطت رأسي الحماقة ، قررت أن أنسحب عن المشاركة و أعود أدراجي الي منزلي ، ولكني عدلت عن رأيي بعد أن استشعرت عظم المناسبة ، وأهمية مشاركتي فيها رغم كل الظروف ، ولم أشأ أن أخذل السيدة ( نوال ) أرملة الفقيد ، وابنتي ( نُهي بدرالدين عجاج )
كان هناك الي جانب الاحساس بالغضب ، أيضاً احساس عارم بالمهانة والصَغًار ، أن يحدد لك أشخاص ، دونما اعتبار لاسمك وقدرك وتاريخك ، نوع المشاركة ، وحتي زمنها في ( دقيقتين) هذا بالاضافة الي احساسي الجازم بأنهم بالفعل يخشون أن أعتلي المنصة و أقرأ شعراً لا يحبون أن يسمعوه في دارهم ، مثلما حدث مرة من قبل ، وذلك لانه ببساطة شعراً (ضد السُلطة ) رغم أن دار اتحاد الفنانين ، بما يحويه من عصارة مطربي الجماهير والشعب ، يفترض أن يعلو من خلال منبره صوت الابداع الذي يعبر عن قضايا وهموم وجروح الأُمة السودانية ، وأن لا ي?دو ، وكأنه ( اتحاد الفنانين ) فرع ( المؤتمر الوطني )
في مقعدي ، و أنا أتأمل ( كون أن تمنعك جهة أو أشخاص أن تقرأ شعراً ، ويحاولون أن يفرضوا بسطوتهم شيئاً آخر ، تذكرت أُمسية شعرية مشهودة ، بمدينة القضارف قبل قرابة تسع أو عشر سنوات .
كان شقيقي دكتورحسن صديق في ذلك الزمان يعمل بمستشفي القضارف ، ويقوم أيضاً بالتدريس بجامعتها ( كلية الطب ) . كنت أزوره من وقت لآخر ، وكانت أكثر من كلية في جامعة القضارف ، أو نادٍ ثقافي يحاولون استضافتي في أُمسية ثقافية ، أو شعرية ، ولكنهم كانوا دائماً يصطدمون ( بعدم التصديق ) لقيام الأمسية من ( الجهة المختصة ) .
وفي احد أعياد ( عيد الأضحي ) وافقت أخيراً ( الجهات المختصة ) علي قيام أُمسية شعرية ثقافية بمسرح مدينة القضارف بدعوة وطلب من ( رابطة ابناء حي الصوفي) بالقضارف (بالجامعات السودانية ) يستضيفون فيها شخصي ، واسندو مهمة ، تقديم الأُمسية وادارة الحوار معي الي الاستاذ ، الصديق العزيز عثمان محمد البدوي ، وهو شاعر مقتدر ، وناقد ، واكاديمي ، ومثقف من الطراز الاول .
يوم قيام الأُمسية وقد أكرمني جمهور مدينة القضارف بحضور كثيف ملأ مقاعد المسرح وجنباته ، ثم ، و أنا وعثمان محمد البدوي جلوس خلف ( كواليس ) المسرح قبل بداية الأُمسية، نراجع محاور الأسئلة والنقاش ، وخيارات القصائد ، أتي شخص وقال للاستاذ عثمان البدوي أن هنالك شخص يريده في صالة المسرح ، ذهب الاستاذ عثمان وعاد بعد دقائق ليقول لي
- الزول النادوني ليهو ده مسؤول في جهة مختصة
- يا ساتر
توجست ، فقد ظننت أن الجهة المختصة قد قررت الغاء الأُمسية ولكن الاستاذ عثمان قال لي
- طلبو مني ابلغك حاجتين
- شنو؟!
- الأولي انك ما تقرا قصيدة ( قرنتية )
- والثانية
- ما تقرأ شعر رمزي
انفجرنا بالضحك معاً وذلك لأن الشرط طريف ، وصعب
قلت لعثمان
- حسه هم حيفرزوا الشعر الرمزي من الما رمزي كيف ؟
صعدنا خشبة المسرح وبدأت الأُمسية وسارت حتي وصلت الي منتصفها ، هنا توقفنا لانه كانت هناك فقرة ضمن البرنامج تقدمها طفلتان ، كل واحدة منهن تقرأ قصيدة من قصائدي كانت قد حفظتها عن ظهر قلب . الطفلتان واحدة منهن كانت هي ( مروة ) ابنة شقيقي د. حسن صديق وهي طفلة ( شقية ) وشجاعة تلقي الشعر بصورة آسرة وجميلة ، وكان عليها أن تلقي قصيدة ( رسالة الي أُمي ) أما الطفلة الأخري فكانت هي ( ابنة ) شقيق الاستاذ عثمان البدوي وكانت تحفظ عن ظهر قلب جزءاً من قصيدة ( جواب مسجل للبلد ) لتلقيها علي الحضور
صعدت الطفلتان فاستقبلهما الجمهور بالتصفيق الحار ، ووقفتا علي مقدمة خشبة المسرح ، أمام المنصة التي نجلس خلفها أنا والأخ عثملن البدوي
أمسكت الطفلة ( مروة ) بالمايكرفون بثبات وهي تنظر الي الجمهور ، لتلقي قصيدة (رسالة الي أمي ) ، ولكنها بدلاً من ذلك رفعت عقيره صوتها من خلال المايكرفون لتلقي بصوتها الآسر المعبر
- قرنتية
لادبابة برمائية
لا جاسوسة
مدسوسة
لاغواصة روسية
لاجندية في ( حركه )
لا مختلسه
مال شركة
لا قصفت
حدود ( فشلا )
لا كسرت
صريف ( كسلا )
ولا معروفة ( ختمية )
انفجر الجمهور بالتصفيق والصياح و ( الصفافير ) حتي ارتجت أركان المسرح .
وقفت ( شعرة جلدي ) تأثراً ، وانبهاراً ، ودهشة من المفاجأة ، ووضع الأخ عثمان البدوي يديه علي رأسه في دهشة وتأثر ، ثم انخرطنا ، الاثنان في ضحك غامر ، حاولنا جاهدين أن نجعله مكتوماً بقدر الامكان
همس لي الأخ عثمان من خلال ضحكه
- قالوا ما تقرا ( قرنتية ) ... عاين ( قرنتية ) جات من وين
- الله يستر ( الجماعة ) ما يقولو أنا حرشتها .. أو يقولوا دي مؤامرة ... امبرياليه
ولكن انتهت الأُمسية ، ولم يسألنا أحد ، ولم يحقق معنا أحد .
مرت أمامي تفاصيل تلك الأُمسية ، وقمت باجترارها في شأن أن تمنعك جهة من أن تقرأ شعراً أو أن تحاول أن تفرض عليك شكلاً معيناً في القراءة والتقديم و أنا اجلس علي مقعدي في ( ليلة التأبين )
فرقعت جذوة غضبي مثل عود شجرة في أُتون النار ... وتميزت غيظاً و أنا أقول لنفسي
- يا هاشم ... يقولوا ليك بدل قصيدة ... قول ( شهادة ) بس ... وفي ( دقيقتين ) كمان ؟
وسخرت من نفسي ، حتي طفر طعم العلقم الي حلقي
- دقيقتين ... دقيقتين يا هاشم .. عليك الله شوف آخر المساخر .. حسه ... حسه يا هاشم لو كنت لاعب كورة ... وقاعد في كنبة الاحتياطي .. وباقي دقيقتين بس من الزمن الضايع لنهاية المباراة ... والمدرب قرر يعمل استبدال ... وقال ليك أدخل ألعب الدقيقتين الفضلو ديل ...بتدخل الميدان ... ولا بترفض ... حتي لو عاقبوك أو وقفوك ... أو حولوك من نادي الهلال ، لي مريخ زقلونا ؟
أوشكت مرة أخري أن أقف من مقعدي ، و أنسحب من الأُمسية واعود أدراجي الي منزلي ، ولكني رأيت ( عادل الصول ) يتحدث مع ( سيف الجامعة ) وهو ينظر نحوي بين الفينه والأخري ، ثم استدار وأخذ يخطو نحو مقعدي ...
( نواصل الحلقة الثالثة والأخيرة ... الخميس القادم انشاءالله )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.