لمدنيون أصحاب المصلحة في تأسيس دولة مدنية ديمقراطيون هم المعنيون بأمرها، قاموا بالثورة وطرحوا شعار (حرية سلام وعدالة) اللحظة الفاصلة بين تأسيس مشروعهم في البلاد أو هزيمته نعيشها الآن بكل تفاصيلها، الفلول يحاولون بكل الطرق استعادة مواقعهم، من تدبير الانقلابات إلى إغلاق الموانئ، والطرق الرئيسة ومواقع إنتاج البترول، الأمر فاق حد الهجوم إلى العمل، والفعل المدني أقل بكثير من جسامة الخطر الماثل… يجب الإقرار أن الفراغ السياسي والمدني والصراعات الحزبية، قد أفسحت المجال للفلول للتدخل بمنصة قبلية وجهوية وعنصرية والأسوأ أن الوضع الماثل سيفتح الباب على مصرعيه للتدخل الأجنبي الدولي والإقليمي، وهو تدخل كامن ظل يخترق جسد الوطن بأشكال مختلفة منذ فترة الانقاذ المظلمة وما زال. والأمر لن يقف عند حد الهجوم على الحكومة المدنية بل ينذر بحرب أهلية، فالصوت القبلي والجهوي عالي ومحاولة السيطرة على الموارد القومية بدعوى الحيازات القبلية والملكية الأهلية أمر لا بد من مواجهته في إطار قومي وليس محلي داخل كل ولاية. وحدة قوى الثورة على المستوى القومي ضرورة ملحة (وهذا لا يعني عدم الاختلاف) إلا أن قوى الثورة يجمعها هدف تأسيس الدولة المدنية وأول شروط ذلك القبول بمبدأ العمل المشترك وتحمل صعابه وفهم مراميه والتنازل عن ما هو جانبي من أجل تحقيق الهدف الكبير المشترك، ويتطلب ذلك مكاشفة صريحة حول المصالح الاجتماعية لكل طرف ومطالبها، حيث ثبت أن ترديد الشعارات أمر يتم اختباره على الأرض وسرعان ما يرجع كل طرف إلى منصة مصالحه. الآن البلاد مهددة بحرب أهلية ذات طابع مختلف عما شهده الوطن من حرب بين سلطة مركزية وقوى إقليمية مسلحة، الآن وصل الأمر حد تهديد الموارد القومية من قبل قلة قبلية مسنودة عسكريًا ولها ارتباطات إقليمية وأطراف بات لها مصالح في السودان بسبب دعم تحصلت عليه إبَّان العهد البائد، يحدث كل ذلك في بيئة سياسية واجتماعية مخترقة حتى النخاع. إن الغفلة عن نُذر الحرب الأهلية، هو الخطر الماحق الذي يهدد قيام دولة مدنية في السودان، وهو أمر لا يتطلب فقط سرعة العمل المشترك بل يستدعى أولًا كشف وتعرية الأهداف الحقيقية للأطراف القبلية التي تعمل من أجل السيطرة على الموارد لضرب المصالح القومية من أجل تحقيق أهداف قبلية سياسية. الميدان