خارطة طريق إماراتية شاملة لإنهاء أزمة «الفاشر» شمال دارفور    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغامرة ابن سلول رب الفور !!
نشر في الراكوبة يوم 28 - 09 - 2021

كل خصال الكيزان تتواجد في البرهان ، إلا ان خصلة النفاق والمداهنة هي اكثر ما يميز البرهان ، وغالبا استثماره في هذه الخصلة ، هي سبب ما وصل اليه من رتبة داخل الجيش ، ما كان يحلم بالوصول اليها ، وهو بهذه الدرجة من فقر الكفاءة وقلة الدراية. بل وصول البرهان لهذه الرتبة اكبر دليل علي ما اصاب المؤسسة العسكرية من فوضي توزيع الرتب وتدهور طال كل المستويات.
فقد درج البرهان علي بذل معسول الكلام عن ايمانه بالثورة والتغيير ومصلحة الشباب الثائر وعدم رغبته في السلطة ! وكثيرا ما حاول خلق نوع من التضارب(ضرب اسفين) بين الثورة وحكومة الثورة ، لاستمالة الثوار لمشروع استيلاءه علي السلطة.
وما ساعد البرهان في مساعيه ، ميل حكومة حمدوك لشراء رضا المكون العسكري ، علي حساب مطالب الثوار وانجاز شعارات الثورة. وكم صمَّ حمدوك وحكومته آذانهم من التنبيه لخطورة هذا المسلك ، وضرورة التمسك بنصوص الوثيقة الدستورية واستكمال مطلوبات الانتقال، وتقديم نموذج ثوري قادر علي المحافظة علي الزخم الثوري وثقة الشارع ، ليستبين حمدوك وحكومته الآن كم ان رهانهم كان خاسرا ، وهم يلاطفون الذئاب بدل اخذ الحيطة والحذر.
وما يثير الدهشة في ديمقراطية البرهان وحبه للسلام ، ان من ساهم في عمليات الابادة في دارفور وساحة الاعتصام وكان الحارس الامين للبشير (اقنعه باساليبه الخاصة علي وضع الثقة فيه)، يتحدث الآن علي ان ازمة الشرق التي تحولت الي حرب علي الدولة ، هي مشكلة سياسية ! علي الرغم من انها تشكل مهدد اقتصادي وامني ومجتمعي لكافة البلاد ، وقبل ذلك هي جزء من مخططات الفلول لضرب الفترةالانتقالية وكذلك انه حريص علي بلوغ العملية الديمقراطية في ميعادها ، وهو لم يتحدث حتي عن الايفاء بتعهد تسليم السلطة للمدنيين في المجلس السيادي ، بل استغل اتفاقية جوبا التي احدثت تغيير جذري في الوثيقة الدستورية ، ليلتف علي مسألة التسليم ، التي لم ترد علي لسانه مجرد ذكر! وهنالك كثير من القراءات التي تنسب كل هذه التفلتات الامنية والحركة الانقلابية وتعطيل المؤسسات الحيوية ، لمحاولة العسكر قطع الطريق علي تسليم مجرد منصب شرفي في مجلس السيادة ، والذي تحول بتسلط العسكر وادمانهم الانقلابات علي الالتزامات الدستورية ، لاهم منصب في الدولة ! فكيف بهم اذا تمَّ تحول ديمقراطي يحدد مهام العسكر في الجانب العسكري فقط ؟ اي لا شراكة في السلطة ولا يحزنون، من يصدق ذلك ، ناهيك ان يصدر من العسكر انفسهم ، ان لم يكن في الامر إنَّة (اضمار شر وطمع يمهد له بالوعود المعسولة) ؟ فهذا من باب الامنيات في ظل وجود البرهان لانه مثله مثل حميدتي مثل البشير ، تشكل لهم السلطة ليس امتياز حريصون علي احتكاره فقط ، ولكن حصانة ضد تاريخ مثقل بالجرائم ؟! .
المهم مع تلون البرهان كالحرباء ، ظل الثابت الوحيد هو رغبة البقاء في سدة السلطة ، خاصة وقد ظل يتقمص دور الرئيس الفعلي للبلاد ، مع تفضله علي حمدوك وحكومته بالمهام الاقتصادية والادارية الشائكة وتحسين مظهر العسكر خارجيا ، مع تحميل المدنيين عواقب الفشل منفردين.
اما مصدر التلون فهو رغبته العارمة في الانفراد بالسلطة ، ولكن بالتوازي مع افتقاد الجرأة لتحمل العواقب ، ليس من جانب المكون المدني او الخارجي ولكن من جانب الشباب الثوري وحليفه حميدتي الذي يشاركه ذات التوجهات والطموحات . والحال انه لم يضر بثورة ديسمبر شئ ، بقدر وجود اللجنة الامنية التي جيَّرت جهود الثورة لصالحها ، وهي اصلا لا تختلف عن البشير في شئ، سوي الانحطاط من مستوي البشير علي كافة المستويات ، ويكفي ان يؤول الامر في نهايته لشخصية عنجهية (وغتيتة) كالبرهان متحالفة مؤقتا مع شخصية جاهلة ومخجلة مثل حميدتي .
وما اجج أوار رغبة البرهان السلطوية وزين له مخطط الانفراد بها ، المحور العربي وعلي راسه النظام المصري خارجيا وفلول الدولة العميقة داخليا ، ليتورط في اكبر جريمة عصرية (فض الاعتصام السلمي) هزت المجتمع السوداني من ادناه الي اقصاه ، بقصد ازاحة ضغوط الثورة والثوار من اعاقة هدفه ، علي طريقة النموذج السيساوي الدموي (بئس الناصح والمنصوح) ! .
وهذ الرغبة المتقدة في السلطة لدي البرهان، والتي للغرابة يعيبها وحليفه حميدتي علي المكون المدني ، رغم احقية هذا الاخير بها، وتغول البرهان وحليفه حميدتي عليها ، بل حميدتي من شدة شبقه للسلطة ، فرض نفسه رغم انف الوثيقة الدستورية التي مهرها بتوقيعه، نائبا لرئيس مجلس السيادة، بعد اغتصابه لرتب المؤسسة العسكرية ، في مهزلة تُعرِّض الشعب ودولته للسخرية من كل العالمين ! المهم هذه الرغبة ، دفعت البرهان لمداهنة الثوار وحكومة الانتقال ، والاحتفاء بهما كل ما وجد الي ذلك سبيل ، ولكنه علي ارض الواقع ، يُحجِم عن تفكيك مؤسسات الانقاذ وخاصة الاجهزة الامنية والهياكل الاقتصادية المتحكمة في الحياة العملية ، وذلك ليستخدمها من ناحية كرصيد يخدم هدفه الاستراتيجي في الانفراد بالسلطة ، ومن ناحية لوضع العراقيل امام نجاح الحكومة المدنية.
ولمزيد من احكام السيطرة اهتبل فرصة لقاء نتنياهو ، لاكتساب ارضية خارجية ، بعد تنسيقه مع محور الامارات الاقليمي .
والبرهان الذي كان يمني نفسه بالاستيلاء علي السلطة كاملة بعد ازاحة ابنعوف ، اجبرته الظروف الثورية والضغوط الخارجية علي التريث ، واستغلال فترة الانتقال للوصول الي هدفه ببطء واقل الخسائر. وقد تكون الضغوطات والمؤامرات الجارية الآن، لافشال الفترة الانتقالية ، جزء من مخطط او سيناريو يُعد له البرهان مع اعداء الثورة ، لتوجيه الدفة تجاه خدمة مشروع البرهان السلطوي، الذي اصبح مشروع جهات عديدة، متضررة من التغيير والتحول الديمقراطي.
وفي الحقيقة نظلم البرهان كثيرا اذا توقعنا منه عكس ذلك ، فهو من ناحية ، ليس بمستوي القادة التاريخيين الذين بمستطاعهم احداث تحولات جذرية ايجابية في حياة شعوبهم .
ومن ناحية ، ان الخلل الاصل كامن في المؤسسة العسكرية ، كوعي ووظيفة ، وهو ما ينعكس علي قادتها ، فهي تؤمن بالوصاية علي الدولة بوصفها الجهة الاكثر قوة مادية، ولكن ما تجهله او تتجاهله انها ليس الاكثر تاهيل واعداد للاضطلاع بهكذا مسؤولية. بدلالة ان مجرد استيلاءها علي السلطة عبر الانقلاب علي الشرعية ، تتحول الي مجرد اداة طيعة لحماية قادتها علي سدة السلطة، حتي دون احساس بالذنب ان ذلك يتعارض مع واجبها المفترض ، وهو حماية دستور البلاد! لتتحول (تنقلب) بكل بساطة من حاميها الي حراميها.
وما حديث البرهان وحميدتي عن الاساءة للقوات النظامية، الي واحدة من محن هؤلاء القادة المزيفين ! لان مجرد التورط في السلطة وانحرافها عن واجبها يعرضها للنقد، كما ان من يتولي سدة السلطة هو الاكثر عرضة للنقد ، ومن لا يرغب في ذلك عليه الابتعاد ! ولذلك اكبر اساءة تقدم للقوات المسلحة هي اختطافها بواسطة قادة اقل قامة منها ، وقبلها من مكانة وسمعة البلاد ! وهل هنالك اساءة اكبر من وجود قوات الدعم السريع التي تطعن في كفاءة وكرامة القوات المسلحة؟ وقبلها مزاحمة جهاز الامن لدورها ووظيفتها وكانه تشكيك في ولاءها؟ وكذلك تورطها في التجارة والاستثمار شأن اي رجل اعمال طفيلي او تاجر (جشع) في سوق الله اكبر ، كما درج الاستاذ كنان علي وصفها محقا ؟ لانه حتي لو تغاضينا عن دخولها مجال الاقتصاد ، لكان مكانها الافضل هو العمل في مجال البنية التحتية ، مستفيدة من كل امكاناتها وتسهيلاتها؟ ولكنها ثقافة الاستهلاك التي ورطها فيها نظام الانقاذ الاسلاموي ! وهو نظام سرطاني استيطاني تردي بالخلل البنيوي والالتباس الوظيفي المتوارث للقوات المسلحة ، الي مرحلة الانحطاط ، بعد تحولها الي حارس فاسد لنظام اكثر فساد ، اي بعد ان تقاسمت مع الاسلامويين الثروة المنتهبة والسلطة المغتصبة؟! .
وهذا الانحراف عن مهامها بتضخم مواردها وطموح قادتها ، قاد للانقلاب حتي علي الاسلامويين الذين زينو لقادتها الانقلاب ، اي تم توظيف الاسلامويين في خدمة العسكر (البشير) ، بعد ان كان العسكر في خدمة الاسلامويين (عهد الترابي) ! ومع تدهور الاوضاع العامة ، بعد ان وظفت السلطة كل موارد البلاد في حماية سلطانها وترف قادتها وخدمة شركاءها والمستفيدين منها ، قامت الثورة ضد الفساد والطغيان، مع التركيز علي ضرب محور الفساد ، مجسد في راس النظام البشير (شعار تسقط بس) ، وعبر مواجهة جهاز الامن المتصف بالبطش والطيش والولاء للبشير والاسلامويين.
ويحسب للرتب الصغيرة في الجيش الانحياز للثورة ، مضحية بمستقبلها داخل المؤسسة العسكرية التي يسيطر عليها قادتها والذين لا يخفون ولاءهم للبشير والمنظومة الاسلاموية ، بل وصلت التضحية لتقديم النفس حماية للثورة والثوار ، ليساهموا بدورٍ مفصلي في نجاح الثورة ، بعد ان شعر قادة المؤسسة العسكرية بخطورة الاوضاع علي مستقبلهم وحياتهم ، بصفتهم شركاء للبشير ونظامه في مجمل الجرائم والفساد . لتتم التضحية بالبشير من اجل بقاء المنظومة الامنية ، الاكثر تزمت وولاء للمنظومة الفاسدة المتسلطة والمتورطة في الجرائم المهولة ! لان النظام في اصله انقلابي قائم علي قهر الآخر واقصائه واستباحة موارد الدولة. ولكن مع زيادة الضغط الثوري تمت التضحية باب نعوف كامتداد ظاهر للنظام ، واستبداله بالمغمور البرهان ، الاقل شهرة ومعرفة في الوسط السياسي ، وكان قد تم التمهيد له مسبقا بظهور دعائي في ساحة الاعتصام ، رفقة المتآمر ابراهيم الشيخ!
ومن يومها بدأ سيناريو صعود البرهان كواجهة للمتآمرين داخليا وخارجيا ، وهو سيناريو يبدو انه لن ينتهي إلا باستيلاءه الكامل علي السلطة.
وهنالك عدة عوامل ساعدت البرهان علي زيادة طموحه ، او شكلت مدخل لاكتمال سيناريو السيطرة الكاملة، منها:
اولا : ضعف شخصية حمدوك انعكست علي صورة حكومته المهزوزة وسمعة الحكم المدني ، كما ان قلة خبرته السياسية جعلته يبتعد عن حاضنته الاصلية القوي الثورية والاستقواء بالخارج ، بعد الوقوع تحت سطوة مستشارين لا يُعرف عنهم دراية حقيقية بواقع السودان وموازين القوي التي تحكمه وطموحات شعبه .
ثانيا : انشقاقات وتفكك الحاضنة المدنية ، ممثلة في تشرذم قوي الحرية والتغيير ، والاصح اختطافها بواسطة بعض المكونات المتماهية مع العسكر وداعميهم في الخارج ، وكذلك اصرارها علي المشاركة في السلطة ، الشئ الذي اظهرها بمظهر التهافت ، بما لا يتناسب والوعي الثوري والحس الوطني الذي يقدم المصلحة العامة .
واليوم بعد ان استنفدت غرضها بالنسبة للمكون العسكري ، قلب لها البرهان ظهر المجن ، وهو يرميها بذات الداء الذي كان سببا فيه؟! .
ثالثا : طمع وقصر نظر قادة الحركات المسلحة ، دفعهم للانحياز للمكون العسكري، وتاليا الانخراط في مخططاته ، لاضعاف المكون المدني وتحييد قيم وشعارات الثورة كتمهيد للانقلاب عليها ، نظير امتيازات لا تتعدي بعض المكاسب السلطوية والمالية ، يحتاجها قادة الحركات المسلحة لتمتين موقفهم آنيا ومستقبليا ! واذا لم يكن ذلك صحيحا ، لماذا لا نسمع صوتا لقادة الحركات المسلحة مما يجري الآن من تهديد مباشر لحكومة الفترة الانتقالية؟ .
رابعا : زيادة تردي الحالة الاقتصادية والخدمية الموروثة من الانقاذ، بسبب اصرار حمدوك علي تبني نهج اقتصادي ذو كلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية وامنية عالية ، دونما مراعاة لهشاشة كل هذه الاوضاع، وامكانية استغلالها بواسطة الفلول بما فيهم لجنة البشير الامنية المسيطرة علي الامن والاقتصاد .
خامسا : عدم تفكيك بنية النظام علي مستوي الاجهزة الامنية والعسكرية والمؤسسات الاقتصادية والادارية داخل الدولة ، بسبب الحماية التي وفرها لها البرهان ، لتشكل ارضية صلبة لاستيلاءه علي السلطة عندما تزف الآزفة.
سادسا : الخراب الشامل الذي احدثه النظام الاسلاموي ، ليس علي مستوي اداء مؤسسات الدولة ولكن ايضا علي مستوي القيم التي تحكم العاملين في هذه المؤسسات ، بمعني استخدام اجهزة الدولة ومؤسساتها كآليات جباية وثراء وتسلط ، بعد ان حدثت قطيعة بينها وبين الحيادية والمهنية التي تميز جهاز الدولة الحديثة. وهذا التحول يصعب فصله عن تصور الاسلامويين للدولة ووظيفتها ، كخادمة للسلطة وانصارها ، وليس للمواطنين والمصلحة العامة ، وعليه هو جهاز يسبح بحمد من يتسلط علي السلطة.
سابعا : قامت الثورة في ظروف معادية للثورات والتوجهات الديمقراطية، الشئ الذي عرَّض هذه الثورات للاجهاض المباشر كما في سوريا وليبيا واليمن باغراقها في الحروب الاهلية ، او بصورة غير مباشرة باحتواءها وافراغها من محتواها كما حدث عسكريا في مصر ويجري حاليا مدنيا في تونس ، ويبدو ان السودان يُفكر له في توليفة جديدة ، يُمهد لها الآن بهذه الحرب المعلنة علي الشق المدني ، بحيث تسمح للبرهان بالبقاء ، سواء عبر تفويض وهمي او انتخابات مُسيطر عليها وموجهة لخدمة اجندة الدول الاقليمية ، المتحكمة في المشهد السوداني عبر الاذرع العسكرية والمليشياوية والمدنية المتواطئة والحركات المسلحة.
اما عوامل اضعاف طموحات البرهان او التشويش علي مخططاته فيمكن اجمالها في الآتي:
اولا : عدم كفاءة وتاهيل البرهان للعب اي دور سياسي او رئاسي ، بدلالة اللغة التي يتحدث بها والاساليب التي يتصرف بها! والتي لا تمت لرجال الدولة بصلة ، إلا اذا افترضنا السياسة هرجلة وعنتريات فارغة والرئاسة نسيج من المغامرة والمؤامرة (والغتاتة).
ثانيا : يملك الرجل سجل حافل بالجرائم التي تضعه في سرج واحد مع البشير ومنافسه حميدتي ، عندما يحين اوان دفع الفواتير المؤجلة ، علي اعتبارهم الادوات التي ارتكب بها البشير جرائم الابادة في دارفور ، وليضاف لجرائهم السابقة ، جريمة ابادة حية وموثقة ضد الثوار السلميين في ساحة الاعتصام امام القيادة العامة ! وهذا ما يعني ان مسيرة البرهان ومنافسه حميدتي محكوم عليها بالسير في خط البشير ، سواء بالسيطرة علي السلطة منفردين ، او ما يعقب ذلك من ابتزازات وعقوبات تعيد البلاد للمربع الاول من استشراء الفساد وتحكم الاستبداد والعزلة الدولية والتدهور المتسارع علي كافة المناحي .
ثالثا : لعب البرهان دور كبير في دعم وزيادة نفوذ الدعم السريع ، كاكبر خازوق او مصيبة حلت بهذه البلاد ، وما سببه هذا الكيان المسخ المسلح الشاذ من ارباك لجهاز الدولة، عبر تدخله في كافة الاختصاصات من غير مرجعية محددة، إضافة لتشويه سمعة البلاد بالتورط في الارتزاق ، والسيطرة علي موارد الدولة بوضع اليد كامتلاكه لذهب جبل عامر والتصرف فيه علي هواه ! واصرار قائدها علي عدم دمج هذه القوات في المؤسسة العسكرية ، لتستبين هويتها وينتفي خطرها علي سلامة الدولة ! اي باختصار خطورة الدعم السريع ليس في تكوين دولة موازية ولكن الاسوأ في تكوين لادولة موازية ، لها قواتها واقتصادها واعلامها وعلاقاتها الخارجية ، وكل ذلك يمارس بصورة عائلية او يصب في خدمة كيان ذو بنية قبلية وادوات همباتية ، لذلك يرتكز وجوده علي المال الريعي سواء من النهب داخليا او الارتزاق خارجيا . والحال كذلك ليس بمستغرب سعي حميدتي الحثيث لاعتقال الدولة في خانة الادارة الاهلية كي تستقيم له الامور ، عوض تحديث بنية قبلية قليلة الاستجابة لاشتراطات الدولة الحديثة، وهذا ما جعل وجود حميدتي في المشهد السياسي حالة كاريكاتورية تجلب الاحراج والسخرية علي البلاد كما سبق وصفه ! اما مصدر الاعاقة للبرهان يتمثل في ان تقوية هذه القوات لاحداث توازن قوي ، سواء مع المؤسسة العسكرية او جهاز الامن كما عمل البشير ، هو لعبة خطرة وعواقبها وخيمة سترتد علي البرهان نفسه ، بسبب اطماع حميدتي نفسه في حيازة السلطة منفردا ، خصوصا بعد اخراج المكون المدني من المشهد ، لتصعد التناقضات بينهما الي السطح. ولنا في احوال الحركات المسلحة في دولة جنوب السودان ولبنان والعراق وليبيا واليمن العظة والاعتبار. فوجود اي حركة او كيان مسلح غير الجيش الاحترافي المنوطة به تلك المسؤولية في الدولة ، ينتقص من اكتمال كيان الدولة ! وكأن استدخال السلاح الي ساحة السياسة ، يفرض بدوره وسيلة وحيدة لحسم الصراع بين المتنافسين ، وهي القوة المسلحة التي لا تؤمن بالتسويات إلا كهدنة مؤقتة يعاد فيها ترتيب الاوضاع. اي ببساطة دخول السلاح الي ساحة الصراع المجتمعي يعني طرد السياسة ، وتاليا تمكين حالة عدم الاستقرار .
رابعا : الدولة السودانية تمر بمرحلة انتقالية حساسة وصعبة، وتحتاج للحكمة في التعامل مع ملفاتها، والحسم اذا دعت الضرورة لذلك ، والاحتكام لمرجعيتها عند حدوث خلاف بين مكوناتها ، وكذلك تتطلب الشفافية والعمل الجماعي لانجاز متطلباتها، وذلك من اجل المصلحة العامة. واي محاول لاجهاض الانتقال بالقفز علي السلطة باي وسيلة خارج الاتفاقية ، يعرض بقاء الدولة نفسه للخطر ، ناهيك عن استقرار السلطة المنقلبة ! خاصة وهنالك راي عام داخلي وخارجي يراقب الاوضاع وممارسة كل طرف في الشراكة.
خامسا : تم تجريب الانقلابات والحكم العسكري في البلاد ، وكانت محصلتها مجتمعة وغض النظر عن اختلافات جذورها وتوجهاتها ، هي الفشل الذريع وتعقيد المشهد في كل مرة بصورة اكثر كارثية. ولذا تجريب المجرب وتوقع نتائج مغايرة هو وصف للغباء كما هو معلوم. وذلك ببساطة لان الحكم العسكري غير قابل للاصلاح ولا يتعلم من اخطاءه ، عكس الانظمة الديمقراطية عندما تجد المساحة والزمان الكافي. بل ما يعقد مشهد الانتقال الآن هو مشاركة اللجنة الامنية المختطفة للمؤسات العسكرية والامنية ، واصرارها علي تعطيل وتخريب كل انجاز تحققه حكومة الانتقال المدنية ولو بصعوبة ، لانها تعلم ان اي نجاح للمكون المدني ، يصب في صالح التاسيس لدولة مدنية ، وتاليا خروجهم (غير ماسوف عليهم) من المشهد السياسي والسلطوي الذي يعتبرونه حق حصري لهم ! الم يعلنو عن وصايتهم علي البلاد بكل جهل وغرور (حقيقة الفطام صعب واكثر صعوبة للمدللين الذين اعتادو اخذ كل شئ دون مقابل)؟!.
وعموما اوضاع الدولة السودانية لا تحتمل مثل هذا العبث الذي يمارس علي الاشهاد الآن وخصوصا من جانب قادة المكون العسكري ، الذين يتصرفون بصبينة ومراهقة لا تليق حتي بوهم الوصاية الذي يدعون! ولكن ذلك لا يعني الدخول في مواجهة مكشوفة او صدام مع هذا المكون الذي يرغب في اشاعة الفوضي والخراب.
ولكن الحكمة تتطلب تدخل الوسطاء لتقريب الشقة ومعالجة الاخطار التي تحيط بالانتقال ، كاغلاق الميناء والطريق القومي، ومن ثمَّ الاتفاق علي خارطة طريق تعالج الاخطاء الماضية والعقبات الآنية ، وتقديم التنازلات من كلا الطرفين ، لتجنيب البلاد الدخول في منزلق خطير لا يخدم غير الفلول واعداء الثورة الخارجيين (بالمناسبة اين مجلس الشركاء مما يحدث في غياب او تغييب المحكمة الدستورية). والاهم ، عدم الاستهانة بالعسكر وما يملكونه من ادوات قادرة علي تعطيل الانتقال، وكذلك لا يجب الاستهانة بالاخطاء التي ارتكبتها حكومة حمدوك والحاضنة السياسية، وتاثير كل ذلك علي شارع منهك ومحبط من الجميع. اي باختصار ليس للعسكر ما يخسرونه في هذا الصراع ، ولذا هم علي هبة الاستعداد للوصول به الي اي مرحلة ، وبما فيها العبث باستقرار الدولة الهشة وامن المواطنين. اي المسالة بالنسبة لهم معركة يملكون القوة اللازمة لحسمها عسكريا اذا احتاجوا لذلك (لانهم في الاصل مجرمون في لباس عسكري). مع العلم ان المؤسسة العسكرية تخلصت من اغلب العناصر الداعمة للثورة داخلها باعتبارهم مخالفين، مع استبقاء الفلول الاسلامويين داخل تلك المؤسسة، وكذلك الاحتفاظ بجهاز الامن بكامل طاقته، ويضاف له مزيد من الحنق والغضب علي الثوار!! وهذا لا يعني استسلام المكون المدني ولكن تفويت لفرصة الانقلاب علي الانتقال والدخول في مرحلة مجهولة تتعارض مع هشاشة البلاد ومعاناة العباد.
آخر الكلام
ما يسمي خبراء امنيين وعسكريين يظهرون علي وسائل الاعلام، يثيرون الرثاء علي خواءهم المعرفي، والالمام بابسط مقومات تلك الخبرة المزعومة، وهي الموضوعية في التناول، فجميعهم يؤدون دور محامي الشيطان، وهم يدافعون دون تحفظ عن انحرافات وتجاوزات واخطاء المكون العسكري، مع ان الملطوب منهم اقلاه كوفاء لخبرتهم المدعية، تناول مواقف العسكر من كل الجوانب الايجابية والسلبية حتي لا يضللوا المشاهد الغريب ، ناهيك ان الدفاع عن الثورة وحاجة البلاد للتغيير والدولة المدنية ، يجسد ابسط مستحقات الوفاء لتضحيات الثوار . قال خبراء قال بل هؤلاء يمثلون عين الزيف والضلال والجهل النشط الذي فرض وجوده طوال سيطرة العسكر علي السلطة. ودمتم في رعاية الله.
[email protected].com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.