تباينت ردود الفعل، ووجهات النظر السياسية، حول موقف رئيس الوزراء د عبدالله حمدوك، إبان إدارته ملف أزمة المحاولة الانتقالية، وما نتج عنها من خلاف بين المدنيين والعسكريين، فالصمت الذي لازم الرجل طيلة أربعٍ وعشرين ساعة التي جرت فيها أحداث المحاولة الانقلابية الفاشلة، أثار العديد من التساؤلات وتفاقم الجدل بشأنها، حيث ظل الجميع في زحمة التصريحات والتصريحات المضادة بين المكونين، في انتظار ما يقوله الرجل. خرج حمدوك من صمته في اليوم الثاني، بتصريحات كان أهمها أن الانقلاب الفاشل ليس سببه التجاذبات بين العسكريين والمدنيين، لكنه نتيجة الصراع الدائر بين مدنيين وعسكريين في صف الانتقال والتحول الديمقراطي مع عسكريين ومدنيين ضد التحول الديمقراطي – بحسب حديثه. إذن، ما الذي يقصده الرجل، وكيف كان يدير ملف الأزمة، وتحصين الانتقال من صراع الكتلتين اللتين سماهما حمدوك؟ يقول القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير مدني عباس إن المخطط كشف عن نية صانعيه من خلق شقة بين رئيس الوزراء وتحالف الحرية والتغيير. وأضاف أن المخطط المكشوف لا ينطبق على المكون العسكري وحده الذي يمثله البرهان وحميدتي ورئيس هيئة الأركان، خلال عامين من الآن، بحسب حديثه. الشقة التي خطط لها الانقلابيون بين حمدوك وتحالف الحرية والتغيير، كانت محل تساؤلات الرأي العام، فالصمت الذي لازمه، وخروجه بتصريحات وصفت في حينها بالمحايدة، وكان الرجل أتت به قوة ثالثة. ذات الشقة وبحسب محللين سياسيين أتاحت الفرصة لإنبات تحالف جديد مواز باسم الحرية والتغيير بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم وآخرين من القوى المدنية. الأزمة في مجملها يراها مراقبون – بحسب توصيف حمدوك – أنها ناشئة من خطأ مفهوم السيادة لدى المكونين، ووصلت قمة تجلياتها في التراشق بين محمد الفكي سليمان وعبد الفتاح البرهان. المحلل السياسي منتصر إبراهيم يرى في حديثه ل (مداميك) أنها مجرد توصيف فوقي وخطاب شكلي فقط، إذا كان يعني حقيقة بتوصيف طبيعة الصراع، ويضيف إبراهيم "فالصراع حقيقي بين المدنيين والعسكريين حول تفسير الوثيقة الدستورية التي تعرف السيادة على نحو لا يمت للواقع بصلة. فوفقاً للسياسة الواقعية؛ السيادة عسكرية صرفة، ولا توجد أي دلالات خطابية حول الديمقراطية سوى قيادة البلاد إلى الانتخابات في فهمهم وبالتالي تظهر الوصايا بسلطة الأخ الأكبر ، وهذه هي أزمة الدولة في اللحظة الراهنة". ويرى بعض المراقبين أن موقف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حالياً يشبه قبطان السفينة المشغول بسد الثقوب التي تحدث في جسد المركب حتى لا يغرق الجميع، فقد سبق له القول في يونيو الماضي، إنه حاول بقدر الإمكان أن يحفظ التوازن الصعب بين المكونات كافة، وتابع: "تحملت اتهامات بالضعف وعدم القدرة على المواجهة، بينما كان مصير البلاد والشعب هو همِّي وبوصلتي في كل المواقف التي اتخذتها"، الأمر الذي جعل البعض خلال الأيام الماضية يرى أن موقف رئيس الوزراء من الأزمة المتفاقمة بين المدنيين والعسكريين تشير إلى استخدامه الحكمة التي ترفض أن تنزلق بالبلاد في أتون معركة قد تنتهي بتمزيقها، وضياع مكتسبات الثورة. حيث سبق له القول في خطاب المبادرة التي أطلقها إن وطأة الماضي الثقيلة تركت انقسامات متعددة الأوجه من تشظي «مدني مدني، مدني عسكري وعسكري عسكري»، وقد تفاقمت هذه الاختلافات في الآونة الأخيرة وأصبحت تعبر عن الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حالياً. كل تلك المعطيات فتحت الباب الآن حسب مراقبين على كل الاحتمالات، خصوصاً إذا تعذر على رئيس الوزراء سد الثقوب التي أحدثها الصراع السياسي في جسد مركب الفترة الانتقالية المحفوفة بالتحديات. مداميك