قال تعالى: ((ضَرَبَ 0للَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ 0لْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)) الآية: (الزمر 29) ضرب الله هذا المثل للمشرك والمؤمن . إن مثل المشرك الذى يعبد آلهة متعددة ، كمثل عبد مملوك لجماعة متشاكسين متنازعين لسوء أخلاقهم وطباعهم ، وهذا العبد موزع وممزق بينهم ، لأن أحدهم يطلب منه شيئا معيناً ، والثانى يطلب منه شيئاً يباين ما طلبه الأول ، والثالث يطلب منه ما يتناقض مع ما طلبه الأول والثانى . . . وهو حائر بينهم جميعاً ، لا يدرى أو يطيع ما أمره به الأول أم الثانى أم الثالث . أما مثل المؤمن فهو كمثل عبد مملوك لسيد واحد ، وخالص لفرد واحد ، وليس لغيره من سبيل إليه ، فهو يخدم سيده بإخلاص وطاعة ، لأنه يعرف ماله وما عليه ، وفى راحة تامة من الحيرة والمتاعب التى انغمس فيها ذلك العبد الذى يملكه الشركاء المتشاكسون . هذا حال السودان ، فيه شركاء متشاكسون ، هم كثيرون ، مكون عسكري ومكون مدني ، وأحزاب صغيرة وكبيرة وشركاء سلام ومنظمات ومجموعات لا حصر لها ولا عدد ، وليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تتحقق مصلحة البلاد والعباد ، بل هم متشاكسون متنازعون فيه لسوء أخلاقهم وطباعهم ، كل له أجندة خاصة ومطلب خاص يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره ، وكل له ولاءات داخلية وخارجية لا يستطيع أن ينفك منها ، وهذه الولاءات يتمسك بها وإن كانت تتناقض مع أحلام الشعب في الحرية والسلام والعدالة. في كل يوم يخرج البرهان ويخرج حميدتي ويخرج سياسيين وقيادات من المدنيين فيتبادلون أبشع أنواع الاتهامات. والثوار يراقبون ويتابعون وكذلك الشعب السوداني. الشعب كله في حالة حيرة وضياع ، والبلد موزع وممزق بين هؤلاء وأولئك ، حتى من كان منهم على باطل ظاهر فله أتباعه وله شارع. انقسامهم أدى لانقسام حاد في أوساط الشعب السوداني، لا يدري أين يقف ومع من يقف . قد تشعبت الهموم قلوبهم ، وتوزعت أفكارهم، لا يدرون أيهم أكثر حرصاً على مصلحة البلد وعلى التحول المدني الديموقراطي ، ومن منهم الصادق ومن الكاذب ، ومن الوطني ومن الانتهازي ومن الشريف ومن الفاسد ، وعلى أيهم يعتمد فى تحقيق أحلامه في الحرية والسلام والعدالة. لقد ابتلي هذا الشعب العظيم بشركاء متشاكسين ، همهم الأول والأخير هو السلطة وكراسي الحكم ، ويعملون ليل نهار للاستحواذ على السلطة ، الوطن ليس همهم والمواطن ليس على بالهم وليس ضمن أولوياتهم . فلو كان همهم الوطن والمواطن لكان ذلك أدعى لتوحدهم وتوافقهم وعملهم بروح الفريق الواحد المنسجم . في تصريح صحفي عقب لقائه بحمدوك والبرهان قال رئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتس أن اللقاءات التي أجراها مع رئيس الوزراء حمدوك ورئيس مجلس السيادة البرهان وعدد من أعضاء مجلس السيادة والتي سيجريها مع قوى الحرية والتغيير تهدف إلى ضرورة التركيز على القضايا الموضوعية والحقيقية أمام عملية الانتقال في السودان . وهو تصريح في غاية الخطورة ، إلا أنه مر مرور الكرام ولم يلتفت له أحد . إنه انتقاد واضح وصريح على الأولويات التي تركز عليها السلطة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري . فهي من وجهة نظره أولويات غير موضوعية وغير حقيقية. فما هي أولويات العسكر وما هي أولويات المدنيين وما هي القضايا التي يركزون عليها إن لم تكن الصراع والتناحر والتشاكس من أجل الحكم وكراسي السلطة . والمتتبع لتصريحات البرهان وحميدتي والسياسيين في الآونة الأخيرة يجد الاجابة الشافية عن ما هي القضايا غير الموضوعية وغير الحقيقية التي يركز عليها المكون العسكري والمكون المدني . العسكر والمدنيون سادرون في غيهم ، وغارقون في تشاكسهم ، ونسوا أن الشعب السوداني لهم بالمرصاد ، فهو شعب واعي وفاهم وباسل ، أسقط من قبلهم من كانوا أكثر منهم وأشد قوةً وآثاراً في الأرض فلم تغن عنهم قوتهم ولا مالهم ولا عتادهم ولا رجالهم . الشعب لن يصمت كثيراً على عبث المكون العسكري والمكون المدني والحاضنة السياسية المنقسمة ، وإذا لم يعودوا لجادة الحق ويتفقوا ويتوافقوا فإننا نحذرهم من غضبة الشعب الحليم الصابر . لم يكن أحد في السودان أو العالم يتوقع أن يثور هذا الشعب ويسقط أكبر طاغية في التاريخ الحديث . ولكنه فاجأ العالم كله وفعلها. فاتعظوا أيها القادة من العسكريين والمدنيين واحذروا قبل أن يقع الفأس في الرأس . استمرار هذا الوضع المائل غير مقبول ولن يصبر عليه الشعب كثيراً ، فقد نفذ صبرهم ، فأحذروا من ثورة قادمة ستأتيكم بغتةً وستقتلعكم من جذوركم وترمي بكم إلى مزبلة التاريخ . لقد أوشك السيل أن يبلغ الزبى وأوشكت القلوب أن تبلغ الحناجر فأصلحوا حالكم قبل أن يخرج الثوار بالملايين ليملأوا الشوارع ، وتنحاز لهم القوات المسلحة وحواء السودان ودود ولود، وتسقطون وتندمون ولات حين مندم . ما زالت لدينا فيكم بقية من أمل وعشم ، وما زلنا نعتقد أنكم قادرون – إذا توحدتم وأخلصتم النوايا – على قيادة البلاد بأمان إلى بر الأمان . [email protected]