فلا يوجد لدينا أسهل من الإنتقاد . ولا يوجد لدينا ايسر من التنظير . وفقط كباية شاهي والواحد يعدل المزاج تحت الشجرة القدام البيت والهواء الطلق للتنظير . او في جلسة جبنة جنب ست شاهي ظريفة ويبدأ الانتقاد و التنظير لكل شيء . وكم اصبح سهلا وتقنيات اليوم تكشف لنا عيوب الآخرين ، وفلان ده عمل وعمل . فسودان ما بعد الثورة اصبح الشعب كله في وضعية انتقاد وتنظير . وانقسم الناس ما بين مؤيد للثورة المجيدة ومعارض لها . واصبح الشغل انتقاد كل شيء ، وكل يتفلسف في قضايا الوطن وكأنه خبير . واليوم صباحا ارسل لي احدهم صورة رغيف خبز كتب عليها بنفسه هذه ليست جمجمة الفرعون عنخ آمون وكأن كل رغيف المدينة بهذه الشاكلة . حتى أصبحنا متيقنين بأن برنامج الكيزان ودولتهم العميقة هي الدعوة الحقة لانتقاد كل ما تقوم به الحكومة الانتقالية والتنظير فيه . وان كان الشعب يدرك تماما من الذي يشعل النيران ، ومن الذي يصنع الازمات . وقد عجزوا في حل كل مشاكل الوطن حين كانوا في السلطة . فلم يساهموا فكريا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا في الأزمات التي كان يعيشها السودان حتي بدأت هجرات السنابك والسفر الجماعي . بل كان كل دعمهم لحماس والتنظيم العالمي الذي نشر الإرهاب في كل العالم . وقد تركوا ميناء البلاد بعدد 3 مرابط فقط . صحيح السودان مازال يجلس القرفصاء برغم زخّات الخير التي هطلت عليه بعد رفع العقوبات وعودتة القوية للتعاملات المالية ، وصحيح أن شبابه مازال يتلمس الخطي رغم الوعود التي ملأت أسماعه ، وصحيح أن البلاد قد عجزت عن فك عقدة الشباب في كثير من المجالات ، لكن الصحيح أيضا انه لا مفر لنا سوى ممارسة الممكن وزرع الأمل في نفوس شبابنا بدل اليأس . وان نكون قادرون في حربنا لتفكيك الدولة العميقة وحراسها من عسكر هم وحتي الآن على رأس الهرم يمتصون دماء شعبنا . واكيد سنتفرق كدويلات وممالك الأندلس التي كانت في عصر ما عرف باسم "ملوك الطوائف" . فبلادنا الآن تعانى تمزقا وانحلالا وان كنا قد فجرنا ثورة عارمة ، ولكن مازالت خطوطنا متباعدة وأمالنا مشتته والود مفقود . ومازال التحدي قائما بين ثورة تريد لبنوها مستقبلا مشرقا وواعدا ومجرمون يريدون العودة بالشعب ليجهزوا عليه بسكينهم الصدئة . وقد نفخ الشيطان ذلك الشقاق ليقتل بعضنا بعضا وينتزع القوي منا ما في يد الضعيف وقد تفرّقت كلمتنا . فنحن حقا امة انتقاد وتنظير اكثر منها امة بناء وتعمير . والانتقاد والتنظير أرهقنا وأصابنا بالنكوص كثيرا ! . فثقافة الانتقاد والتنظير تسيطران علينا ، وتستوطن أدمغتنا ومفاصلنا ، فالكل منا ينتقد وينظر ويتفلسف وابدا لا نجيد الفعل والتخطيط ، ننادي على الإصلاح والتجديد والتغير والتبدل والإفاقة وليتنا نترك الانتقادات والتنظير ، فحقا نحن غارقون في بحر لجي مليء بالتنظير والانتقادات والكلام والجدل والتخوين وتوزيع الاتهامات ، نعم لدينا احيانا تنظير مميز ، لكننا نفتقد للتطبيق المميز ، فثقافتنا انتقاد وتنظير ، واقتصادنا انتقاد وتنظير ، وإعلامنا انتقاد وتنظير ، والتربية عندنا تنظير ، وتعليمنا تنظير ، والثقافة المرورية تنظير ، والمعلم ينظر ، والطالب ينظر ، والأب ينظر ، والأخ الأكبر ينظر ، والتاجر ينظر ، والمسؤول ينظر والشرطي ينظر ، وصاحب التاكسي ينظر ، والشاعر ينظر ، والراوي ينظر ، حتى الدعوة إلى الله يتخللها التنظيرً . ولذلك نشاهد تأثيرها واهنًا وضعيفًا في حياتنا الدنيوية. والدليل ضعف تديننا ووهنه واشكالاته. رغم كل برامجنا الدينية والخطب والطرق والأساليب التوعوية والتربوية والترغيبية والتحذيرية ، ورغم كل الوعيد والتهديد بجهنم . ورغم كل دموع الشيوخ وبكائهم المنبري وآيات سورة الحاقة : خذوه فغلوه ، ثم الجحيم صلوه ، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. فحقا نريد الإقلاع فورا من محطات الانتقاد والتنظير . فمتي اخوتي نقلع عن هذه الآفات. فهي حقا دمرتنا فلم يعد صغيرنا يحترم كبيرنا. ولم يعد جاهلنا يحترم عالمنا. ولا احترام للمؤرخ ولا احترام للمؤلف ولا احترام للمخترع . فكلنا ينتقد وينظر دون حدود . [email protected]