على نحو متسارع، تسابقت الأحداث السياسية بالبلاد في أعقاب إعلان مجموعة مناوئة من الحرية والتغيير وفلول النظام البائد اعتصاماً أمام القصر الجمهوري، أمس الأول، وطالبت بحل الحكومة وتفويض البرهان. ويبدو أن مجريات الأحداث ستمضي بحسب مراقبين نحو سيناريوهات محددة؛ جميعها قد تفضي لمزيد من تعقيد المشهد، أو تغيير موازنات المعادلة وإعاقة عملية الانتقال والرجوع إلى مربع ما قبل (30 يونيو 2019م)، أو بالمقابل هزيمة الاعتصام وتكبيد منظميه خسائر مالية وسياسية. وتطرح القوى المنظمة لاعتصام القصر ميثاقاً للتوافق الوطني، بينما تطالب بشكل صريح بحل الحكومة وتفويض البرهان وإصدار (البيان). وربط محللون بين قوى الميثاق والمكون العسكري وفلول النظام المباد، خاصة بعد تسريبات لبعض عناصرهم المعروفة بمواقع التواصل الاجتماعي، وهم يدعون للخروج ومساندة الاعتصام. وشوهدت أعداد كبيرة منهم يتجولون بمكان الاعتصام، مرددين التكبيرات والشعارات القديمة إبان العهد المباد. ويذهب المحللون إلى أن التحالف بين قوى الميثاق والفلول والعسكر، يسعى للانقلاب على الانتقال، وإيقاف عمل التفكيك، أو بأقل الفروض القيام بمصالحة وطنية تشمل القوى السياسية التي جرفتها الثورة، أو تمديد فترة المكون العسكري في قيادة الفترة الانتقالية. إلى ذلك، شهد اعتصام القصر، أمس (الأحد)، نصب المزيد من الخيام على جنبات حديقة الشهداء وشارع الجامعة، ويرى متابعون أن نصب الخيام الهدف منه ضخ مزيد من الجموع في المكان، لرسم الصورة أو المشهد القاتم المراد تحقيقه. لكن وحتى نهار أمس، مازال الاعتصام يعاني شحاً في الحضور، إذ قُدرت الأعداد الموجودة فيه بحوالى ألفي شخص، وهو في قمة ذروته، باعتبار المشهد العام يشير إلى العابرين وهم الفئة الغالبة في ذاك المكان. وفي ظل استمرار هذا الضعف، يتوقع مراقبون أن الذين يرسمون المشهد ويحركون خيوط اللعبة قد يلجأون مباشرة إلى المرحلة الأخيرة، بإصدار بيان انقلابي مكتمل الأركان، تحت دعاوى حماية البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، لكن يؤكد المراقبون في نفس الوقت، أن هذا السيناريو قد تكون له كلفته باعتبار المقاومة المتوقعة من الكتلة الثورية الحقيقية التي ترفض أي تقويض للانتقال المدني وعودة الأنظمة العسكرية. أما السيناريو الثالث بحسب سياسيين فهو جر البلاد نحو فوضى واسعة، بافتعال بعض الاشتباكات وتأجيج النعرات العنصرية والقبلية، وأصحاب هذا الرأي يحذرون السلطات من إصدار أي أوامر بفض هذا الاعتصام؛ لأن تلك الخطوة ستصنف ضد حرية التعبير التي تنادي بها الثورة، بالإضافة إلى ما يترتب عليها من مساومات مستقبلية قد يقوم بها المتورطون في فض اعتصام القيادة العامة. وفي سياق الفوضى، يقول مدير معهد السودان للديمقراطية، الصادق حسن علي، إنه برعاية البرهان ومشاركة حميدتي وجبريل ومناوي، مشروع الانقلاب القادم سيجر البلاد في اتجاه الفوضى الشاملة، ويرى أن الانقلاب القادم لن يكون تقليدياً كما كان الحال في السابق، وإنما الاستثمار في الاعتصام الذي أُعد بعناية شديدة، لتطويره إلى حين صدور قرار من البرهان بحل حكومة حمدوك، وتشكيل حكومة تصريف أعمال تتدثر بشرعية صورية، والإعلان عن إجراء الانتخابات بحسب المحدد أجله، وفقاً للوثيقة الدستورية، ثم وضع اليد على السلطة بكاملها تحت غطاء الوفاء باستحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة. ويصف مدير معهد السودان للديمقراطية تقديرات القوى التي تقود الاعتصام بالمتواضعة والسطحية، التي تنم عن بساطة في التفكير، وعدم تحسب العواقب الجسيمة، التي ستعزل البلاد خارجياً، وتدفع بها إلى أتون معارك عديدة وصراعات تعجل بدخولها إلى مرحلة الفوضى الشاملة. وقال "علي"، إن طموحات منظمو الاعتصام ستقنن الصراعات الجهوية والقبلية على السلطة بين المركز والأطراف من جهة، وبين الأطراف وأطراف من جهة أخرى. لكنه عاد وأكد على عدم وجود فرص لحدوث ذلك، مبيناً أن التأييد الذي سيحصل عليه البرهان والثلاثي المشارك في السلطة، سيكون تأييداً لحظياً من قبل العوام الذين يظهرون في مثل هذه التحولات الظرفية. ويحذر علي بأن أخطر نتائج هذه القفزة الظلامية، تكريس الانقسام المجتمعي بالبلاد، وسيادة ثقافة أخذ القانون باليد. وقطع بأن مرحلة ما بعد ذهاب حمدوك وحكومته، ستصبح نافذة مشرعة إلى مرحلة الفوضى الشاملة بالبلاد. بالمقابل، هناك سيناريو رابع لمستقبل اعتصام القصر، إذ يذهب البعض بالقول إنه في حالة استمرار ضعف الحشود وحالات السخرية المتواصلة في مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى نجاح مواكب (21 أكتوبر) القادم، قد يلجأ منظموه إلى مناورة أخرى برفع الاعتصام والترويج، بأن تلك الخطوة تأتي في إطار الاستجابة لمبادرة رئيس الوزراء الأخيرة، ولعل ذلك الإجراء قد يوفر لمنظمي الاعتصام مكاسب سياسية محدودة، عبر إعادة تقديم أنفسهم، بأنهم الأكثر حرصاً على مضي الانتقال نحو غاياته، ما يدفع الطرف الآخر للاعتراف بمجموعة ميثاق التوافق الوطني والتفاوض معها بشكل جاد. ويبدو أن خطوة رفع الاعتصام أيضاً ستواجه بتحديات أخرى، لأنه في الغالب لا تمضي في اتجاه رغائب الذي صرف فيه الأموال، وقد تشهد قوى الميثاق نفسها وداعميها بعض الانشقاقات والنفور. الحداثة