على خط الأحداث والأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، يبدو أن قيادات الإعلام العسكري قررت هي الأخرى الخوض في غمار المشاركة الداعمة للضفة الموالية للمكون العسكري، وتعتصم أمام القصر الجمهوري مطالبة بحل الحكومة وتفويض رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان. وصعد رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، المقدم إبراهيم الحوري، بجوار مستشار البرهان العميد الطاهر أبوهاجة، وأعلنوا موقفهم الصريح الداعي لحل الحكومة بدعاوى فشلها، بل ووجها انتقادات حادة للمؤسسات الإعلامية الأخرى، مثل التلفزيون القومي. وظلت الكثير من كتابات وتصريحات (أبو هاجة)، مثار استياء من بعض قوى الثورة، إذ لم يخفِ توجهاته الواضحة في عسكرة الدولة وتقويض الانتقال. وفي آخر حديث له، حذر مستشار البرهان من تأخر اتخاذ القرار بحل الحكومة، وقال في مقال: "إن لم يصدر القرار الصعب اليوم، فسيكون عصياً غداً حتى القرار الأصعب". "أبو هاجة"، اعتبر أن الحكومة الحالية برئاسة عبدالله حمدوك حلت نفسها بيدها، وأصبحت بلا مهام ولا كفاءات ولا أهداف، وقال "الحكومة حلت الحبل الذي يربطها بالشعب، وصارت في حي آخر، وباتت كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، قبل أن يجد تبريراً لخطوات مجموعة الميثاق. وعلى ذات المنحى، كتب "الحوري": "شهدت الخرطوم أمس الأول انطلاق مواكب التوافق الوطني، رغبة من شعبنا الأبي في العودة الصحيحة إلى منصة التأسيس، التي جاءت بها ثورة ديسمبر التي لم تحقق الشعارات التي نادت بها". وأضاف: "الفشل سيد الموقف، أزمة طاحنة في الخبز وتكدس في المخابز، ثورة جياع تنذر وتكشر عن أنيابها؛ خطر يحدق بالأمة". وحاول إرسال رسائل ذات مدلولات محددة، بأن القوات المسلحة هي ملاذ أهل السودان الأبرياء ودوحتهم، عندما يلفحهم هجير الحياة اللافح. وانتقد مسؤول صحيفة القوات المسلحة، قبل أيام التلفزيون القومي، ووصف بزعمه أنه فتح أبوابه لإساءة الجيش. بالمقابل، أصدرت الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بياناً، أواخر الأسبوع الماضي، أشارت فيه إلى أنها اطلعت على مقال منسوب ل"الحوري"، حوى اتهامات وتحريضاً على تلفزيون السودان، نفت أن تكون معادية للجيش والقوات النظامية، كما ذهب كاتب المقال. وأكدت على أن أبوابها ستظل مشرعة لكل مؤسسات الدولة والقوات النظامية. بعض المتابعين ذهبوا إلى أن تصريحات وكتابات "أبو هاجة، الحوري" تأتي في سياق حرية التعبير والرأي، بينما يرى آخرون أنهما جزء من الخطة الكلية التي تمهد لانقلاب متوقع. السياسي والمسؤول السابق بمكتب رئيس الوزراء، أمجد فريد، كتب في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، رداً على مقال رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، الذي طالب فيه بحل الحكومة وتحدث عن ثورة ديسمبر وشعاراتها والعودة لمنصة التأسيس، وقال: "القوات المسلحة جزء من جهاز الدولة الذي يجب أن يخدم أهل السودان، وليست كياناً خاصاً منفصلاً عنهم". وأضاف "ما كتبه الحوري يعيد تأكيد أن الأزمة الحالية في السودان، ليست بين مدنيين وعسكريين، بل هي بين قوى التقدم والديمقراطية والتحول المدني الكامل، وبين قوى الردة وجيوب النظام القديم، التي تريد صناعة شمولية عسكرية جديدة في السودان". على نحو مشابه، قالت الصحفية "درة قمبو"، إنه ليس لأجل البرهان فقط، بل لأجل حالة مستشاره أبوهاجة ورئيس تحرير صحيفة جيشه الشخصي، إبراهيم الحوري؛ يتعين إعادة هيكلة القوات النظامية. ورأت في منشور لها بمواقع التواصل الاجتماعي، أن ما يفعله هؤلاء الضباط يشرح حالة تورط العسكريين في السياسة، كما يفضح حقيقة اختطاف الجيش من أشخاص مؤدلجين يسقطون عقيدتهم الحزبية على المؤسسة العسكرية، ويتلاعبون بسمعتها وسيرتها، ودعت "قمبو" القوى الوطنية للإسراع في عملية الهيكلة، تجنباً لحدوث صدام داخل تلك المؤسسة. من جانبه، قال الصحافي وعضو منصة التأسيس لنقابة الصحفيين، ياسر جبارة، إن الوضع بشكل عام، خلق أزمة موازية باستغلال المناصب والمنابر القومية بطريقة تناقض أهدافها"، مشيراً إلى أن هذا الحديث ينسحب أيضاً على ممارسة أجهزة الإعلام والصحافة وظهور ممارسات مخلة بالاحترافية وقواعد المهنة. يرفض "جبارة" توصيف أحاديث "أبوهاجة" أو "الحوري"، باعتبارها تأتي تحت خانة حرية الرأي، مبيناً أن ما يقولانه هو سهم في المعركة السياسية الدائرة. ويشدد عضو منصة التأسيس، على أن الأزمة بهذا المنوال انسحبت على أداء الإعلام والصحافة والاحترافية، قائلاً إنها ظهرت بوضع مجافٍ لوظيفتها، وأكد في نفس الوقت أن الصحافة لا تنحاز لجهة ولا تصدر بيانات بأسماء مؤسساتها، دعماً لأي جهة، وإنما لديها أدواتها الخاصة في دعم الانتقال والتحول الديمقراطي. الحداثة