منذ لحظة انطلاق اعتصام القوى المناوئة للحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية أمام القصر الجمهوري بالخرطوم، ما انفكت الساحة السودانية غارقة في بحر من التساؤلات، بشأن المظهر الذي تجلى به الاعتصام، بدءاً من صنوف الأكل والشراب، وانتهاءً بالحفلات الغنائية التي انتظمت المكان، وتتمحور تلك التساؤلات بالأساس حول مصدر التمويل. غير أن مقرر لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، صلاح مناع، لم يكتفِ بطرح التساؤلات عبر صفحته على تطبيق التواصل الاجتماعي "تويتر"، عن مصدر تمويل الاعتصام الذي وصفه بالفاخر، ولكنه أرسل اتهامًا مبطنًا لمدير الشركة السودانية للموارد المعدنية قائلاً: "أتمنى ألا يكون التمويل من أموال الذهب، التي تُبدد عبر الشركة السودانية للموارد المعدنية، وأموال التهريب والشراكات الوهمية و(ميري قولد)". وختم مناع التغريدة بقوله "فهمتم لماذا يطالبون بحل لجنة التفكيك". ولاقى اعتصام القصر الذي دعت له مجموعة الوفاق الوطني، المناوئة للحرية والتغيير، زخماً إعلامياً كبيراً لدى المهتمين بالشأن العام، وفجر عدداً من الأسئلة عن مصادر تمويل هذا الاعتصام، الذي يدخل يومه الرابع والذي تميز بالوجبات الفاخرة والذبائح من الإبل والضأن، وأصناف من الوجبات الشهية والفواكه، الأمر الذي عده مراقبون أن هذا الاعتصام يحظى بالدعم السخي والتمويل اللا محدود, ويرى البعض أن هذا الاعتصام خلا من القيم والشعارات والهتافات والروح الثورية، بينما طغت عليه الشبهات في الصرف السخي والتمويل الضخم. وفي اليوم الأول للاعتصام، أظهرت مقاطع فيديو أن المشاركين في الموكب الذي نتج عنه الاعتصام، السبت الماضي، تم جلبهم من مناطق متفرقة من أطراف العاصمة والولايات بسيارات تم استئجارها، مع دفع مبالغ مالية للمشاركين في المسيرات، وباعتراف سائقي عدد من المركبات والمشاركين في المسيرة مدفوعة الأجر، ما أزكى التساؤلات حول مصدر التمويل. ورصدت صور ومقاطع فيديو سيارات تحمل مبالغ مالية ضخمة تتجول في ساحة الاعتصام، إلى جانب أخرى تحمل الإبل والضأن، وعدداً من الأشخاص يقومون بتوزيع مبالغ مالية لعدد من الذين استجلبوا أعداداً من طلاب الخلاوي ولاعبين لكرة القدم من فئة الأشبال. وتداولت وسائط التواصل تغريدة منسوبة لنجلة خليل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة الراحل (إيثار)، مستنكرة لذلك الصرف البذخي على الاعتصام، قائلة: "هذه الخيم وهذا الطعام والأموال، ألم تكن مخيمات البؤس والهوان للنازحين أولى بها". ووردت أنباء عن تبرع قبائل ونظارات بأعداد من رؤوس الضأن، حيث قالت الأنباء إن مك الجموعية تبرع ب100 خروف للمعتصمين أمام القصر، لكن سارع المك إلى نفي الخبر عبر بيان، ولكن على أرض الاعتصام وصلت كميات من الخراف تم إدخالها إلى باحة حدائق الشهداء المقابلة للقصر الجمهوري. وقال صلاح مناع، عبر حسابه في تويتر: "إن من يعتقد أن جماهير الشعب السوداني تخرج إلى الشارع بالمال، فهو من الفلول وأعوانهم، ولا علاقة له بالشارع ولا بالسياسة, ودعا مناع لمشاهدة الجماهير الشريفة في 21/أكتوبر". ورد مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، ورئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، مبارك أردول، وهو أحد داعمي الاعتصام، عبر صفحته في "فيس بوك"، على تغريدة مناع قائلاً: "إن الشركة السودانية مؤسسة ملك للشعب السوداني، ويعمل فيها موظفون غير حزبيين، دافعهم الأداء وليس الولاء". وأضاف "فليذهب أردول ولتبقَ الشركة السودانية شامخة براقة، وليعلم أن مؤسسات الدولة ليست حلبة للصراعات الشخصية أو الحزبية". وواجه أردول موجات عنيفة من الاتهامات بالفساد، ووصلت الاتهامات له مرحلة التراشق معه بصورة يومية، عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل "فيس بوك". من جانبه، وصف عضو لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، القيادي بحزب الأمة، عروة الصادق، الاعتصام بالباهت والمصنوع قائلاً: "إن المعتصمين لم يغلقوا الشارع، وإنما أُغلق لهم بواسطة نظاميين، بينما منعوا موكب المحامين في الأيام الماضية من الوصول إلى القصر عن طريق إغلاقه". وحسب الصادق، فإن هناك حماية وتمويلاً من أعلى جهات سيادية في الدولة للاعتصام. كذلك سارعت نظارة الحسانية ونفت صلتها بالاعتصام، عبر بيان ضافٍ توعدت خلاله من يتاجرون باسم القبيلة بالمحاسبة الشعبية والأهلية، وقدمت خلاله شرحاً لموقفها الداعم لثورة ديسمبر ومواكب يوم 21/أكتوبر. وأكد البيان حق الشعب في خياراته في الحياة والعيش الكريم والحكم المدني. وبسحنة تهكم وسخرية، أطلق ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، على ساحة اعتصام القصر "التكية"، في إشارة إلى تقديم ما لذّ وطالب من صنوف الطعام الفاخرة لاستقطاب أكبر عدد من الجماهير لساحة الاعتصام، وطفت على السطح عدة تساؤلات عن مصادر تمويل هذا الاعتصام والصرف البذخي الذي صاحبه. وأيضاً عن من الذي يأتي بالمواد التموينية والخراف والإبل، وينسب ذلك لبعض الواجهات والنظارات، ولماذا يتبرأ من الصرف وينسبه لغيره، وربط البعض بين الصرف والتمويل وبين عدد من قيادات مجموعة القاعة الداعية للاعتصام والذين تحوم حول عدد منهم شبهات فساد مالي في مؤسساتهم، ظلت تلازمهم وتواجههم في الفترة الماضية. صحيفة الحداثة