يعد ايمانويل تود من أهم فلاسفة فرنسا و معروف أن ساحة الفكر في فرنسا من أكبر ساحات المعارك الفكرية و من الصعوبة بمكان أن يحجز فيها أي مفكر مكان له بغير أن يقدم ما هو جديد و يكسر بها مقولة سفر الجامعة لسليمان ابن داؤود عندما قال لا جديد تحت الشمس و نجد أن على مفكري فرنسا اذا أراد أحدهما ان يحجز له مكان مرموق أن يأتي بالجديد و يكسر مقولة النبي سليمان و لهذا يصعب على مفكري فرنسا ان تطول حقبة بقاءهم في القمة و إلا أين جان بول سارتر الذي قد أطاح به ريموند أرون من مكانته العلية عندما كان اكبر مدافع عن الشيوعية و أين فلاسفة ما بعد الحداثة فوكو دريدا و لاكان و قد أطاح بهم من موقعهم العالي لوك فيري منذ عام 1985 في كتاب يمثل مفصل مهم لنهاية حقبة ما بعد الحداثة في هجومها على العقل و بجهد لوك فيري قد عاد فلاسفة ما بعد الحداثة الى إعترافهم من جديد بعقل الانوار و قد تحدثوا عن الحداثة بشكل مختلف و قد فارقوا هجومهم على عقل الحداثة و بالتالي قد جاءت مرحلة قد وضحت فيها قدرة المفكريين في فرنسا بأن يفرقوا ما بين فكر فردريك نيتشة و قد أعتمد على فكره فلاسفة ما بعد الحداثة و قد إنفتح الطريق الى إعادة قراءة نيتشة بمنظار مختلف عن منظار فلاسفة ما بعد الحداثة و خاصة أن فردريك نيتشة إشكالي تعارضي و قرأءته ليست من السهولة بمكان و يشهد بذلك ريجيس دوبريه في كتاباته الاخيرة. و بالمناسبة مكتبتنا السودانية تفتقر الى فكر من انتقدوا فلسفة ما بعد الحداثة و بالمناسبة هذه ثغرة كبيرة في منهج النخب السودانية و هي غير مستطيعة بأن تلحق بركب الفكر. لاحظ تاريخ حقبة نقد فكر ما بعد الحداثة تزامن مع أيام ديمقراطية ابريل و أيام طرح الصادق المهدي لبرنامج الصحوة الاسلامية مما يدل على أن نخب السودان في واد و فكر العالم في واد آخر. و لا يمكن أن نتحدث عن التحول الديمقراطي و مكتبتنا السودانية فقيرة لمنهج واسع يستطيع أن يطيح بالفكر القديم و يستطيع أن يجعل مكانه مشغول بفكر معاصر يساعدنا على فهم كيف يتم تحول المفاهيم كما رأينا بأن مفهوم الدولة مفهوم حديث لا مكان فيه للاحزاب الطائفية و السلفيين و أتباع الحركة الاسلامية و لا القبائل و العشائر و لا الطرق الصوفية. و بالمناسبة كانت ساحة الفكر في فرنسا تسيطر عليها الفلسفة الألمانية و لكنهم كانوا يعرفون ذلك لذلك قد سعوا جاهدين للتخلص من هيمنة الفكر و الفلسفة الألمانية و لهذا السبب كانت معركة المفكريين معركة تدور رحاها بين مفكريين يعرفون هدفهم السامي و هو كيفية خروج فرنسا من هيمنة الفلسفة الألمانية و المهم في الأمر بفضل فلاسفة فرنسيين قد استطاعوا أن يخرجوا ساحات الفكر الفرنسي من ظلال الفلسفة الالمانية و هنا يمكننا أن نلفت انتباه النخب السودانية الى أننا كحال فرنسا عندما كانت في ظلال الفكر الالماني و لكن بفضل مفكريين فرنسيين قد خرجت فرنسا من هيمنة الفكر الألماني أما نحن في السودان فاننا تحت هيمنة فكر الدول العربية و الاسلامية و عجزها في أن تفهم بأن مسألة تحول المفاهيم تحتاج لنخب جيدة و مدركة لكيفية تحول المفاهيم و هذا عمل يحتاج لفلاسفة بقدرة آلهة الأساطير كما صورها ابو القاسم الشابي في صيحة الجبار و هو يتحدث عن بروميثيوس لكي يخلص النخب السودانية من هيمنة فكر خط الامارات السعودية مصر و هم لا يريدون للتحول الديمقراطي أن يتم في السودان لأنه يهدد نظم حكمهم الذي لم يتخطى فكرة الدولة الريعية التي لا تستطيع ان تقود كيفية تحول المجتمعات الى حيز المجتمعات الحديثة و حيز فكر عقل الأنوار و فكر الحداثة. و كما تحدث عن بروميثيوس الشاعر البريطاني شيلي في عنوان لقصيدة بروميثيوس طليق بدلا من بروميثيوس في الأغلال و بروميثيوس هو سارق نار الآلهة عندما رأى هوان الانسان و ذله و قد تحمل في سبيل ذلك عذاب أبدي و كما يقال في البدء كانت الكلمة في الفكر المسيحي و لكن مع الفكر الانساني و النزعة الانسانية هناك فلاسفة يقولون بأن في البدء كانت الأسطورة و أعني الأسطورة التي تخلصنا من أغلال الفكر العربي الاسلامي الذي يعمي بريقه نظر النخب السودانية و عليه نقول للنخب السودانية بأن تتخلص من هيمنة الفكر العربي و الاسلامي على فكرنا السوداني الذي يريد تحول ديمقراطي لا يخطر على بال نخب دول عربية و اسلامية ما زال مهيمن على فكرها ظل الدين و العرق و لم تعد مسألة السلطة في مخيلتهم غير التسلط لذلك يسوقون نخبنا السودانية باتجاه الهبوط الناعم كما رأينا تدخل كل من قطر امارات و السعودية ومصر أيام هندسة الامام الصادق المهدي للهبوط الناعم و حينها كان كل من جبريل و مناوي خاتم ملبوس في اصبع الصادق المهدي مثلما كان أيضا ياسر عرمان و عقار و جميعهم يفتقرون لمفهوم الدولة الحديثة و معنى السلطة وفقا لتفسير الظواهر الاجتماعية حيث تسود اليوم فكرة الشرط الانساني التي تفتح على انثروبولوجيا الليبرالية الحديثة. و لهذا السبب نجد أن مناوي و جبريل و حميدتي ليس لهم تصور لفكرة التحول الديمقراطي و بالمناسبة كلهم لا يخطر على بالهم فكرة التحول الديمقراطي لأن جبريل هو ابن الحركة الاسلامية السودانية و ما حربه ضد نظام البشير الا من صنف حروب الاسلاميين و انشقاقاتهم ضد بعضهم البعض و لا علاقة لجبريل بتطور الفكر في السودان فهو ابن الحركة الاسلامية و لا يرجى منه ان يتطور في مدارج الفكر أمثال جبريل عندما استقطب الى الحركة الاسلامية بقولهم فيما بينهم أي الاسلاميين أن ما يأكل الذئب من الغنم النائية دخل الحركة الاسلامية كغنماية نائية تخاف ان يأكلها الذئب فأين للفكر أن يأخذ سبيله الى عقل جبريل؟ و ما جبريل و حتى خليل إلا أداة من أدوات الحركة الاسلامية في حروبهم ضد بعضهم بعض و حتى خليل رحمه الله مخطئ من يظن بأنه كان له القدرة على ان يتطور الى درجة يؤمن فيها بالتحول الديمقراطي لأسباب كثيرة منها كيفية دور البناء الأسري و دوره في انتاج نظم سياسية و معروف بأن سليل تاريخ الأسر الجذعية كحالة خليل و جبريل و مناوي لا يمكن أن ينتجوا فكر غير فكر يصب لصلاح نظم تسلطية. و لا يختلف عنهم حميدتي فهو أيضا سليل تاريخ اجتماعي يمجد الأسرة الجذعية و لا يمكن أن يفكر على الاطلاق في طريقة تهديه الى حيث فكر الأسرة النووية التي تنتج فكر يفتح على نظم ديمقراطية و لا يختلف حميدتي في فكره عن عبد الله مسار ذلك الذي طالب بأن يكون البشير رئيس على السودان مدى الحياة و كذلك لا يختلف عن حسبو نائب البشير و رأينا كيف كانت نفخته الكاذبة كابن لثقافة الأسرة الجذعية و هي نفس نفخة حميدتي عندما يهدد بأنه سوف يفتح أبواب الجحيم على الشعب السوداني و ما درى بان شعوب السودانية الأصلية لا يمكن تهديدهم بالموت. لهذا السبب نجد أن جبريل و حميدتي و مناوي قد أدركوا بأن مسألة التحول الديمقراطي لا يخدم لهم مستقبل بعيد يجعلهم محققين لتاريخهم تاريخ الأسر الجذعية التي لا تؤمن بالديمقراطية و لا مستقبل لهم في المستقبل البعيد حيث تكون الديمقراطية و حيث تسود فكرة الفرد و العقل و الحرية و هذا يختلف عن ثقافة من أنتجته ظلال تاريخ الاسرة الجذعية لذلك مشكلة حميدتي و جبريل و مناوي و مسألة قطع الطريق على التحول الديمقراطي لأنه يتعارض مع ثقافاتهم ثقافة الأسرة الجذعية التي لا تنتج غير مفهوم التسلط عندما يحاولون مقاربة مفهوم السلطة و لماذا تقاربت أفكارهم أي حميدتي و جبريل و مناوي مع طموح البرهان و هو أيضا مهجوس من مسألة التحول الديمقراطي في سودان ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة؟ تقاربت أفكارهم مع أفكار البرهان رغم أن البرهان يختلف في تاريخه الاجتماعي الذي يقترب قليلا لتاريخ الأسرة النووية إلا أنه قد جاءها التغبيش بسبب هيمنة الثقافة العربية الاسلامية على ثقافة السودان القديم و لكنه يظل أقرب لثقافة الأسرة النووية التي تكون على استعداد لانتاج نظام ديمقراطي أضف لذلك بأن البرهان خدم الحركة الاسلامية و هي أم مصائب تدمير تاريخ السودان القديم و ثقافة شعوبه القديمة التي تقترب من تاريخ الأسرة النووية التي هي أقرب الى انتاج فكر ديمقراطي. إلتقاء البرهان مع حميدتي و مناوي و جبريل سببه جهله الموروث من جهل نخب الحركة الاسلامية و كذلك هروبه مما ينتظره في مقبل الأيام و لو بعد عقود بأن جرائمه لا يمكن أن تسقط بالتقادم و عندما يقوى عود الديمقراطية في السودان سيتحاكم حميدتي و البرهان على جرائم يعرفون جيد أنهم قد قاموا بها كجريمة فض الاعتصام و مثل جريمة فض الاعتصام ستظل مثل جريمة ترحيل اليهود الى المحارق و قد ساقت موريس بابو في فرنسا الى المحاكم بعد خمسة عقود و هو كان في عمر قد قارب التسعيين و هذا ما ينتظر كل من حميدتي و البرهان و ربما جبريل و مناوي نفسه في جرائم يعرفونها أهل دار فور و يعرف بها وسط أقاربهم من كان أبناءهم ضحايا حروب كل من مناوي و جبريل و خليل منذ كان دباب يخدم الحركة الاسلامية. أما حميدتي فهو لولا ثورة ديسمبر المجيدة فقد توهم بأنه كفارس مع فرسانه سيحكم السودان و لاحظ كلمة فارس نتاج ثقافة الأسرة الجذعية التي قد قدمت لنا حميدتي الذي يقف الآن سد منيع أمام التحول الديمقراطي بسبب ثقافتهم التي لا تنتج غير سلطة الأب و ميراث التسلط و هي نتاج ثقافة الأسرة الجذعية و هذا ما جعل مناوي و جبريل و حميدتي و البرهان يحاولون الإلتفاف على مسألة التحول الديمقراطي بطريقة بليدة و مضحكة لا تدل على غير جهلهم و قلة عقلهم و عدم تقيمهم للأمور كما ينبغي لأن أحلامهم لا يمكن أن تتحقق بعد ثورة ديسمبر التي فتحت وعي الأجيال الجديدة على ثقافة التحول الديمقراطي و لا يرضي شعب السودان غير الديمقراطية. و بقي أن نرجع الى بداية المقال و ذكر ايمانويل تود كفيلسوف فرنسي فهو صاحب فكرة البناء الأسري و دوره في انتاج نظم الحكم حيث تنتج الاسرة النووية نظم حكم ديمقراطي تعددي أما الأسرة الجذعية فلا تنتج غير نظم حكم تسلطي كما نظام الفاشية و النازية في كل المانيا و ايطاليا و كذلك يقول لنا تاريخ الاسرة الجذعية لماذا انتصرت الشيوعية و قامت في الاتحاد السوفيتي لأن ثقافة الشعوب هناك ثقافة الأسرة الجذعية و أنظر تحتها بعد انتهاء الاتحاد السوفيتي و الشيوعية لم يستطع الروس حتى اللحظة الخروج من ثقافة الأسرة الجذعية و ها هو بوتن يتسلط و يؤسس لنظام تسلطي.