الأديب الكبير الراحل الطيب صالح ، عطر الله ثراه ، قال جملة ستظل عبر التاريخ تتردد كلما جاء ذكر أباليس السياسة " الإخوان المسلمون " الذين حكموا السودان وما زالوا يحكمونه تحت سلطة البرهان .. كانت عبارة جامعة مانعة حين اختصر كل أفعالهم وأقوالهم المشينة في الاستفهام الاستنكاري : " من أين جاء هؤلاء " ؟؟ هذه العبارة تحمل كل معاني الدهشة والاستغراب بشأن هؤلاء الذين لا يستطيع علماء النفس أو علماء الأجناس تصنيفهم .. قالها الطيب الطيب الذي عرف أهل السودان وطبائعهم الكريمة وسلوكهم السمح فهاله أن يخرج من أصلابهم مسخ مشوه لا يشبه أهل السودان سمتا ولا طبعا ولا شهامة ولا خلقا ولا دينا في شيء ، فقال عبارته التي سارت بها الركبان .. الطيب صالح الذي قال ذلك سمع عن بيوت الأشباح وحروب الإبادة في جنوب السودان وفي دارفور وقتل الضباط والمتظاهرين والمعارضين وتعذيبهم وجلد النساء إلخ .. في كل أنحاء السودان لكنه لم ير ما رآه الناس من هول فظائعهم " وليس من رأى كمن سمع " لأن معظم جرائم حكم الإخوان " النسخة الأولى " تم في الخفاء عن أعين العالم لأن أجهزة الإعلام ووسائل التواصل وقتها لم تكن قد انتشرت بما هو عليه الحال الآن فقد اعتمد التوثيق في معظمه على روايات الضحايا ومنها استطاع إدانة بعض القتلة وصدور الأوامر بجلبهم للمحكمة الجنائية الدولية .. لكن الطيب رحل وما علم أن الثعابين ولدت أسوأ منها جرأة على القتل فالحية لا تلد إلا الحية ..ولا غرو فعلى يديه تدربت على القتل ومن كأسه ولغت في الدماء فكان البرهان أسوأ خلف لأسوأ سلف حيث قتلوا ما وسعهم القتل في شهور الثورة المجيدة على مرأى كاميرات العالم فكان ذلك سببا في انتصار الثورة إذ لم يزد سفك الدماء الثوار إلا إصرار على مواصلة مسيرة النصر حتى تحقق وهذا ما سيحدث الآن بعد مجزرة 17 نوفمبر حيث نرى الشباب أكثر إصرارا على المقاومة وإسقاط الانقلابيين. . عسكر الإخوان الذين سرقوا الثورة ثم لم يتورعوا عن قتل الشباب في مجزرة " فض الاعتصام " .. قتلوهم وهم رقود قبل العيد فجعلوا بيوت السودان كلها صيوانات عزاء وعيدهم عيد ألم وبكاء مكررين مجزرة قتل 28 ضابطا وكارثة سبتمبر 2013. رحل الطيب الصالح ولم يسجل قلمه ما فاته من تاريخ القبح والكذب والنفاق والغدر من النسخة البرهانية الحميدتية الثانية .. الطيب لم ير ما تشيب لهوله الولدان .. يطلقون النار في وضح النهار على من يهتف " سلمية سلمية " وهو لم يحرق ولم يكسر ولم يخرب .. يقتلون الشباب من العمال الكادحين وطلاب الجامعات وتلاميذ المدارس وربات المنازل .. لا يوجد شارع إلا ويشهد للشهداء فقد كتبوا وصية البقاء والخلود بالدم فيما يستتر القاتل الجبان خلف الكاكي والحصانة من الملاحقة القضائية !!.. الطيب لم يشهد صغار الأعمار وهم يحملون زميلهم مضرجا بدمائه مهشم الوجه ونازف القلب ومقطع الأوداج في منظر لا يستطيع الصبر عليه قساة القلوب!! ومع ذلك يكذب العسكر من الجيش والشرطة ويتنصلون من الجرائم وأيديهم ملطخة بالدماء. نعم جاء هؤلاء من نسل أولئك المجرمين فهم مثلهم طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد وحتما سيصب الله والشعب عليهم سوط عذاب فما للظالمين من أنصار .. للأسف أجهزة أمنية مهمتها الأصلية الحماية لكنها تنفذ تعليمات قتل أطفال وشباب يرددون في نشيدهم الوطني " نحن جند الله جند الوطن .. إن دعا داعي الفدا لم نخن .. نتحدى الموت عند الإحن .. نشتري المجد بأغلى ثمن " وهل هنالك مجد أغلى من التضحية بالروح والدم ؟؟ .. لكن هذا الدم المسفوح الذي كنا ندخره لحماية البلاد من عدو خارجي .. سفكه من كنا ندخرهم لحمايته والاستعانة بهم عند الشدائد فإذا به هو القاتل الجبان ..الذي يأتمر بأمر البرهان . يحتار المرء لمعرفة هوية هؤلاء وأولئك .. من أين جاءوا ؟؟.. هل هم من هذا الشعب الطيب المسامح الكريم الذي قاوم جلاده بهتاف " سلمية سلمية " حتى أسقطه في وقت كان من السهل عليه حمل البندقية ؟؟ هل هؤلاء من هذا الشعب الذي حتى بعد أن ظفر بقاتليه دعا لحمايتهم ومحاسبتهم بالقانون .. فلم نر بعد سقوط النظام البائد وانتصار الثورة دورا ولا أموال تنهب ولا مساكن تهدم وتحرق ولا عوائل تروّع ولا شاهدنا الاعتداء على منتمين للأمن والشرطة والجيش من الذين يعرفهم أبناء الشعب بأسمائهم ممن قتلوا واعتقلوا وعذبوا في عهد الطغاة !! ألم تروا كيف فعل الناس بالقذافي وأعوانه حين ظفروا بهم؟؟ .. هنا فقط نعرف معدن الشعب السوداني الذي لا يحب سفك الدماء وذلك فيما يبدو ما جعل العسكر " النسخة الثانية " أكثر جرأة واطمئنانا للسير على خطى البشير متوهمين أن البطش سلاح قادر على ردع المعارضين للانقلاب وأن رحمة الشعب ستشملهم إن سقطوا كما سقط كبيرهم الذي علمهم القتل وستكشف الأيام زيف هذا الفهم والوهم قريبا حيث لا إفلات مرة أخرى من العقاب ولا رحمة لقاتلي الشباب. علينا أن نعيد النظر في المنتمين للأجهزة الأمنية النظامية .. من أين يؤتى بهم ؟؟ ومن يدربهم ؟؟ وكيف يتخرجون بهذه القسوة التي تستخدم في غير موضعها؟؟ وما هي العقيدة المشوهة التي يتعلمونها ؟؟ .. إنهم حتما من كتائب خاصة لم تدرس مناهج متقدمة في حماية الشعب وحماية نفسها ولا تتقيد بقانون ولا خلق ولا دين .. لا بد أن هؤلاء تدربوا على أمر " أطلق النار بهدف القتل " shoot to kill كما قال الساقط علي عثمان محمد طه .. لكن هذا أمر لا ينفذه شرفاء الجيش والشرطة والأمن على إطلاقه ودون مسببات ومبررات موضوعية لهذا فإن التفسير الوحيد هو وجود خلايا مدربة على القتل يتم توزيعها مع أفراد أجهزة تفريق التظاهرات لقتل الناس وخلق جو من الرهبة والترويع. ولا ريب أن الإخوان المسلمين قد دربوا " قتلة " وزرعوا في عقولهم أن خصومهم السياسيين هم أعداء مثلهم مثل الكفار وأن في قتلهم مثوبة وأجر من الله وهؤلاء لا يترددون في القتل وبه يفاخرون ويفرحون بل ويؤجرون على حد فهمهم القاصر . ولا ريب أن النظام البائد لجأ لتجنيد عناصر غير سودانية ويعمل معظمهم في الدعم السريع وربما في غيره من الأجهزة الأمنية وهؤلاء لا يربطهم بشعب السودان رحم ولا دم ومن السهل عليهم القتل بلا تردد بعد تدريبهم وحشو عقولهم بما يوغر الصدور ومنحهم من المال والرتب بقدر قسوتهم . وهناك أيضا ما يشبه ما تفعله كثير من السلطات الحاكمة في كثير من البلدان حيث تقوم بتجنيد ما يعرف ب " النغول bastards " وهم من مجهولي النسب يعني " أولاد حرام " .. وهؤلاء لا يربطهم بالحياة سوى الماديات وما تدفعه لهم الجهات التي تجندهم لخدمتها نظير ذلك وهؤلاء مهمتهم قمع تمرد الداخل كما يرسلون لحروب الخارج ويقتلون ويعذبون خصومهم بلا رحمة وفق الأوامر وحقدا على المجتمع هذا من جانب ومن الناحية الأخرى مهما كان عدد الضحايا بينهم فإن ذلك لا يشكل عبئا وضغطا شعبيا على السلطات الحاكمة لأن هؤلاء " مقطوعين من شجرة " ولا أحد يعرف عن حياتهم ولا موتهم شيئا .. وأعتقد أن أباليس الإنقاذ جندوا من هؤلاء الكثير وكثيرا ما تحدث الناس في السودان عن العديد من هؤلاء من المجندين في الدعم السريع وغيره من الأجهزة الأمنية .. لذلك نرى هذه الوحشية في التعامل مع المتظاهرين والقتل بدم بارد .. فأصبح حجر أو هتاف من طفل أو شاب يواجه بالرصاص!! لا أفهم كيف يطلق جندي سوداني أصيل " وود بلد " النار عشوائيا على جمع غفير ممن يهتفون وبينه وبينهم عدة أمتار ؟؟ وكأن له معهم ثأر !! هل يمكن أن يفكر أن أخاه أو أخته أو أحد أقرب المقربين منه يمكن أن يكون بين هؤلاء ؟؟ سنفترض أنه من خارج العاصمة أو المدينة فهل فكر أن جنديا آخر يمكن أن يفعل نفس فعلته في موقع آخر يتظاهر فيه قريب له ويقتله ؟؟ أم أن هؤلاء هم ممن لا أقارب لهم ؟؟ هذا على أضيق نطاق القرابة .. أفلا يحس بالندم والخجل وهو يتجرد من مشاعر الرحمة كإنسان وهو يرى نساء يذرفن الدموع على فلذات أكبادهن حتى من الأبعدين ؟؟ الآن شعب السودان كله يبكي على هؤلاء الشهداء .. فمن أين جاء هؤلاء الذين لا يرف لهم جفن ولا تدمع لهم عين ولا يلين لهم قلب ؟؟ كيف يعودون لمنازلهم وينامون كما ينوم البشر ؟؟ أهي أجهزة أصبحت تضم المرضى النفسيين والمجرمين والمعقدين اجتماعيا .. فإن كان ذلك كذلك فكيف يطمئن الناس لها ؟؟ فقد صار ت أجهزة الأمن هي أجهزة الرعب !! هل رأيتم وحشية أكثر من اعتقال مدرس " أحمد الخير " وتعذيبه على مرأى من الجميع حتى الموت بين أيدى قتلته وهم جماعة فلم يردعهم وازع من خلق ولا دين؟ وهل رأيتم ما تكرر في عهد البرهان / حميدتي بعد اقتياد الشاب بهاء الدين من " مقهى " وتعذيبه حتى الموت ؟؟ ثم هل رأيتم ما يفعله القتلة بعد الانقلاب المشؤوم حيث قتل العشرات في غضون ثلاثة أسابيع ..؟ فما الذي سيحدث إن وطد هذا النظام الدموي حكمه وفرض سيطرته ؟؟؟ الآن حصحص الحق فلا مناص من المواجهة مع العسكر ومواصلة التظاهرات السلمية حتى إسقاطهم ولأن قادتهم يموتون رعبا من المحاسبة على جرائمهم فلن يتورعوا عن إصدار الأوامر بسفك المزيد من الدماء لكن نخشى أن يتسبب تهورهم وإسرافهم في القتل في دفع هؤلاء الشباب لحمل البندقية وتحول شعار" سلمية سلمية " إلى " الدم بالدم .. عبر البندقية و ما بنقبل الدية " بعد أن كان طلبا للقصاص بالقانون.. وما أسهل ذلك وعندها سيتحول السودان إلى ليبيا وسوريا ويمن أخرى .. ويومها لن ينعم السلطان البرهان بسلطانه ولن ينعم البلد بأمانه ويتحمل الجيش وحده أنه كان السبب في حرق الوطن .. فهل من عاقل ينبههم للأخطار المحدقة بما صنعت أيديهم وأيدي أعوانهم ؟ .. نقول أيضا للجيش والأجهزة الأمنية السودانية .. فما زال الأمل معقودا بشرفائهم ، لقد طفح الكيل وبلغ سيل الدماء الزبي والركب .. وحان الوقت الذي وجب أن ينحاز فيه شرفاؤكم للشعب دون تردد وأن توقفوا أنهار الدم التي لم تتوقف منذ أكثر من ثلاثين سنة .. عليكم أن تضعوا حدا لما يجري فهؤلاء مصيرهم مزبلة التاريخ .. كونوا مع الشعب الذي ستنتصر إرادته حتما وسيفرح غدا وسيكون مصير تحالف البرهان/ حميدتي وأعوانهم من أمراء الحرب مصير آل فرعون " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ". وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين. التحية والرحمة للشهداء الأبرار والصبر لأهلهم وذويهم والعزاء لشعب السودان والنصر لشعب لا يتراجع ولا يركع أمام جلاديه .. شعاره " الردة مستحيلة " ..