لن يستقيم أمر قوم ، ولن يكون لهم شأن ، إلا بصلاح قادتهم ، ولا يتم صلاح القادة إلا بأمرين ، هم العلم والأخلاق ، فإذا حاولنا إعمال هذين الشرطين في حكام السودان وقادته ، فسندرك في الحال لماذا يتردي حال البلاد كل يوم ، ويذل القوم كل عام ، حيث يمكن لأي مغامر أو مسلح أو مخبول أو عميل أن يتولي أمر البلاد عنوة بلا مقاومة أو محاسبة. ففي الدول المتمدنة التي لا تستحقر فيها الشعوب ، لا ينال شرف المناصب العليا إلا من ثبت تفوقه علي غيره ذكاء وتدبيرا وتحملا ، عبر إجراءات قاسية وطويلة ، تشمل الإختيار والتدقيق والتمحيص والمناظرات والإنتخابات الحقيقية التي لا مجال فيها للعبث والمجاملة ، حتي يتم أختيار من يؤتمن علي مصير الأمة ومصالح البلاد . فمثلا قد لا يعلم البعض أن انجيلا ميركل ، مستشارة المانيا ، هي عالمة أبحاث سابقة ، وتحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية ومن ثم ولجت عالم الأحزاب والسياسة ، وتدرجت في المناصب حتي وصلت أعلي منصب في البلاد بفضل ذكائها وحكمتها وأخلاقها ، وبفضل هذه المزايا العظيمة ، إستطاعت قيادة الأمة الالمانية من نجاح إلي نجاح في عالم مضطرب يذخر بالحروب والعقبات. أما في فرنسا ، فإن امانويل فردريك ماكرون ، رئيس وزراء البلاد ، فقد درس الفلسفة ثم حاز درجة الماجستير من معهد الدراسات السياسية بباريس ، قبل أن يتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة ، وهي مدرسة النخبة في فرنسا ، والتى يدخلها ألمع طلاب البلاد من كافة المجالات والتخصصات ، وفيها يتم تأهيلهم وإعدادهم لتولى المناصب الحكومية وقيادة الدولة مستقبلا ، حيث لا مجال للفاشلين والمغامرين للعبث بثروات البلاد وأمن أهلها. ولقد درس اليهودى بنيامين نتنياهو هندسة العمارة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ، وهو مكان لا يقبل غير العباقرة تقريبا ، قبل أن يتحصل علي شهادة الماجستير في إدارة الأعمال ، وهذا ما ينطبق ايضا علي رؤساء امريكا المتعاقبين ، بما فيهم الأخرق ترمب ، والذين لا يستطيع أحدهم أن يخطو خطوة واحدة في عالم السياسة قبل التخرج من كلية القانون فى إحدي الجامعات الراقية ، حيث أن دراسة القانون في امريكا تقتصر علي المتفوقين والأغنياء. لقد جرب السودانيون حكم الأغبياء طويلا ، وتوصلوا ، بعد معاناة مريرة ، إلي خطورة ترك مصالح البلاد في أيدي حفنة من الجهلة والطائشين ، والذين لا هم لهم غير الجاه والسلطة وإكتناز الأموال ، فكان هذا الإصرار والتحدي غير المسبوق علي عدم السماح بتكرار تلك التجارب المريرة ، وهذا ما لن يستطيع أن يفهمه طلاب السلطة الجشعين إلا بعد فوات الأوان ! . [email protected]