في محاولة متواضعة لفهم أسباب ما خيِّم علي بلادنا من إنتكاسة وإحباط وحزن فردي وجماعي علي ثورة عظيمة هزَّت العالم من أقصاه إلى أقصاه ، ولم يخبو أو يتبدد أوارها علي مدى ثلاث سنوات متصلة ، لكنها ، ويا للحسرة و الأسف ، تتسرب اليوم من بين أيادينا وأمام أنظارنا ، بفعل أعداءٍ ظنناهم إخوانا . سألت نفسي: تُرى مَن الذين سيكتبهم التاريخ مسؤولين عن ما حدث ، ولا يزال يحدث ، من تعويق لثورة ديسمبر المجيدة التي مهرها الثوار بدمائهم الزكية ، طائعين مختارين ، ومتطلعين لفجر جديد لوطن يستحق كل خير وأهل يستحقون أفضل جزاء علي صبر بَرَى أجسادهم لكنهم تحملوه بلا أنين ، سألت نفسي: 1- هل هم العسكريون ، البرهان وحميدتي ورهطهم ، الذين خانوا الدستور والعهد جهاراً، ودبَّروا الإنقلاب بليل ، ونفذوه بآلياتهم القمعية ، وحصَّنوه بقراراتهم المعطوبة دستورياً وقانونياً !! . 2- أم هل هم فضل الله برُمة و حيدر الصافي ومجموعة المبادرة التي هندست تقنين الإنقلاب ، ومجتهدة حالياً تدافع عنه لتغطي عورته وبؤسه !! . 3- أم هل هو دكتور حمدوك الذي ربما كان مشاركاً ، أو على علم مسبق ، بالإنقلاب ، أو ربما رَكِبَ الموجة الإنقلابية ، طوعاً أو كرهاً ، و قَبِل العودة الصورية لرئاسة الوزراء ، ساحباً البساط من تحت أقدام مَدٍ ثوريٍ مناهض محلي قوي ، ومُطيحاً عن عَمْدٍ بفعالية ضغط سياسي عالمي تَجمَّع ووصل نقطة كادت تطيح بالإنقلاب والإنقلابيين !!! . 4- أم هم الأحزاب التي إنشغلت بقطف ما ظنته ثماراً من وظائف وتعيينات ومكاسب غير مستَحَقة ، بدل التركيز علي حراسة الثورة والديار والإلتفات لبناء الذات تنظيمياً و برامجياً !!! . 5- أم هم نحن ، أصحاب الوجعة ، معشر أهل السودان ، وبناتنا وأبناؤنا الثوار ، الذين رضينا و يا للأسف ب (نصف ثورة) . ولم نسمع نصيحة المرحوم علي محمود حسنين ، فذهبنا لحتفنا بأرجلنا وقَبِلنا مبدأ ألتفاوض مع العسكريين ، والثورة في أوج قوتها وعنفوانها ، فسلَّمنا دقوننا للجنة البشير الأمنية ، في أجواء إملاءات ورجاءات ، بدل أن نفرض عليها إرادتنا الثورية ، ونستلم منها السلطة كاملة غير منقوصة ودون عَوَار أو حِوار !!! . بالفعل مَن هو المسؤول عما أصبحنا عليه يوم 25 أكتوبر بعد ليلة إنقلابية كئيبة شهدت ممارسات إعتقال إنقاذية لرجال ونساء يمثلون روح الثورة والتغيير الذي كان منشوداً وسيظل هدفاً لا نكوص عنه ؟ . إنه سؤال نحتاح كلنا إسقاطه علي أنفسنا وعلي مؤسساتنا الثورية والسياسية والمجتمعية ، لنتبين الدرب ونتعظ مما جرى .. لكن عموماً أظن أن ما حدث كان بسبب كل ما ذُكر اعلاه وبخاصة البند الخامس الذي بَحَّ صوت المرحوم علي محمود حسنين في الجهر به دون أن يجد صدى أو آذاناً صاغية .. حتماً الإنتكاسة التي تئن البلاد حالياً تحت وطأتها ليست مقبولة وليست نهاية المطاف ، بل هي عترة ستصحح الطريق إن شاء الله.. فالثورة جاءت لتبقى ، وستبقى بإذن الله وعزم الشباب … لكن الأمر يحتاج دون شك لإعادة نظر جذرية تستوعب دروس وخيبات السنوات الثلاث الأخيرة … ومن المؤكد أن ما نشهد حالياً من حراك شبابي مستقل وناقد للتنظيمات والقيادات السياسية التقليدية والتقدمية جدير بإعادة الثورة إلى مسارها المرجو لتتحقق أحلام شهداء صعدت أرواحهم إلي بارئها ، و جرحى نزفت أجسادهم وأنفس فُقِدت ولا تزال مفقودة .. وحتماً لا بديل للحكم المدني الديمقراطي ، ولا بديل لعودة العسكر للثكنات ، ولا مستقبل للميليشيات في سودان جديد يلوح فجره في الأفق ، والشعب أقوى والردة مستحيلة. [email protected]