لم يمض وقت طويل منذ مساندة حركات سلام جوبا الانقلاب المشؤوم الذي نفذته لجنة البشير في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي ، حتى جاء تحرير جنرالات انقلاب وثيقة الطلاق من هذه الحركات التي وجدت نفس كمين مثلث يصعب عليها الخروج منه بسلام . وقع هذا الطلاق يوم أمس السابع عشر من يناير الحالي ضمن مقررات مجلس الأمن والدفاع خلال جلسة طارئة ترأسها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان لبحث الوضع الأمني ، حين قرر المجلس تأسيس قوة خاصة لمكافحة الإرهاب لمجابهة ما وصفها بالتهديدات المحتملة. فبعض مقررات هذه الجلسة ، وخاصة توجيه حركات سلام جوبا بالتجمع خارج الخرطوم والمدن الرئيسية في مناطق التجميع بغرض الحصر وإنفاذ الترتيبات الأمنية ، تمس هذه الحركات في نزاهتها وسلميتها ، ربما بثوابت ملموسة أو مفبركة لتبرير سبب الطلاق منها. تعقيبا على الواقعة ، نوه الأستاذ علي عجب المحامي في مقال اليوم الثامن عشر من يناير الجاري تحت عنوان "جبريل ومناوي خارج المشهد ... انتهى شهر عسل الانقلاب ، "مشيرا إلى أن "الفقرة الصغيرة في بيان مخرجات اجتماع لجنة الامن الذي انعقد ظهر اليوم هي أخطر ما جاء في هذا الاجتماع ، حيث طلبت الفقرة من الحركات المسلحة اخراج قواتها خارج المدن استعدادا للدمج ضمن الترتيبات الأمنية وهو شرك مفهوم عسكريا ، الحركات المسلحة التي كانت تظن ان لجنة البشير الأمنية مشكلتها كلها مع المدنيين وستتوافق مع الحركات المسلحة وتنفذ بنود اتفاق جوبا ، سيعلمون الآن حقيقة مرة وهي ان أي ضحية احتيال هو في الأصل طماع وغشيم ، فبعد ان جعلتهم يقفوا مع الانقلاب ومنحتهم وزارة المالية ليصرفوا على انفسهم كما يظن الغشيم جبريل الذي فرح بالوزارة والجاه الزائف ومناوي المبتهج بلقب حاكم عموم دارفور ، واصبحوا يصمتون عن كل الجرائم التي يفترض انهم ناضلوا ضدها فقد مسح بهم البرهان كل قاذوراته وجعلهم كالجمل الأجرب لا يقبلهم انسان دارفور ولا زملائهم في نداء السودان". لقد تنبأ الأستاذ أحمد محمود كانم بالواقعة قبيل أيام قليلة من وقوعها في مقال نشر في الخامس عشر من يناير الجاري تحت عنوان ، "ما علاقة فضيحة الفاشر بمقتل العميد شرطة بالخرطوم؟" قائلا ، "لا أشك أبداً في أن حادثة سرقة مقر اليوناميد ومخازن منظمة الغذاء العالمي خلال الأيام الماضية بالفاشر ، وعلى أيدي من أوكل إليهم أمرَ حراستها وحمايتها ، وتعمُّد إشراك بعض قوات شركاء السلام من حركات الكفاح المسلح ، وفي هذه المرحلة المفصلية من عمر البلاد ؛ لم تكن مجرد حادثة عرضية جادت بها رياح الصدفة العابرة . إذ أن كل الدلالات توحي بأن كل شيء كان مُعدّ له سلفاً بهدف حرق تلك المكونات الثورية وانتزاع بساط ثقة الجماهير من تحت أقدامها في دارفور ، مثلما نجحوا في تجريدها من ثلاث ارباع جماهيرها في الخرطوم ، لإخلاء الساحة الانتخابية من المنافسين غير المرغوبين ، وفرض شخصيات موالية لمشروع سادة الامتيازات التاريخية دون أية معارضة لنتائج ما سترسو عليها سفينة الانتخابات القادمة" . في كل الأحوال ،المعطيات المذكورة أعلاه تدل على انتهاء شهر العسل ، كما زعم الأستاذ عجب ، وحرر جنرالات اللجنة الأمنية وثيقة الطلاق من حركات الارتزاق والعمالة. سوى كان هذا الطلاق رجعيا أو خلعيا أو بائنا بينونة كبرى، فالواقعة خسارة فادحة وضربة مميتة لهذه الحركات ، ولن تقوم لها قائمة إلى الأبد . والأفظع في الكارثة ليس موت كياناتها فحسب ، بل ربما تتم مطاردة قياداتها وزجهم في السجون أو حتى اغتيالهم بمجرد إبداء أي مقاومة للقرار . جبريل ومناوي وأردول وعقار أفضل حالا من غيرهم ، طالما ينحدرون من مناطق طبيعتها وعرة تتخللها الجبال والغابات التي يمكن الفرار إليها والاختباء فيها ، كما كانوا مختبئين من قبل أما التوم هجو وعسكوري وطرطوري والجاكومي والكاجومي ، هذا ليس "بقول شيطان رجيم * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ" . [email protected]